عندما نتحدث عن فكرة انسحاب الأحزاب أو القوى السياسية من الانتخابات أو من السياسة عمومًا، نرى أن الانسحاب من دون وجود حقيقى وتأثير يكون مجرد قفز فى الفراغ، ثم إن السؤال المطروح بقوة أن مصر شهدت خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك حراكا، حتى لو كان خارج الأحزاب، كان يفترض أن يكون قاعدة لعمل سياسى يملك ناصية المبادرة، ويرسم خطوط السير، لكن ما رأيناه طوال أربع سنوات أن القوى السياسية تاهت فى زحام الجدل السياسى من دون أن تفرز منها أو من بينها تحالفًا أو كتلة سياسية واضحة.
ومن تابع الحياة السياسية فى السنوات العشر الأخيرة لمبارك والحزب الوطنى كان يرى حالة من النشاط تجاوز الأحزاب التقليدية، وظهرت الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) من مختلف القوى السياسية تهدف إلى تأسيس شرعية جديدة، ركزت على رفضها للتمديد لمبارك أو التوريث لجمال، وبعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2005، لم يعلن مبارك أنها فترته الأخيرة، ولم يبد تصورا لتطوير سياسى وإدارى، ولهذا صعدت حركة كفاية من نشاطها ومظاهراتها، وتشكلت حركات بالجامعة والنقابات وغيرها، وبدا أن هناك نشاطًا سياسيًّا، وانضم لهذه التحركات التى نشأت خارج الأحزاب أساتذة جامعات وشخصيات عامة شكل ظهورها نوعا من الدعم، مثل الدكتور عبدالوهاب المسيرى، والدكتور محمد أبوالغار، وعبد الجليل مصطفى، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وعشرات الأساتذة والمثقفين والنقابيين والمواطنين الذين تشجعوا.
هذه الحركات صنعت حراكًا سياسيًّا لم يتطور وخفت مع الوقت، وبقيت تأثيراته وكان التصور أن هذه الحركات يمكن أن تمثل نواة لأحزاب أو تيارات سياسية يمكن أن تتشكل وتقود عملية التغيير من خلال مبادرات وتصورات ومنافسة، لأنها كانت بداية انتقال النخب الأكاديمية من النظرى للعملى.
ولم يكن متوقعًا بعد يناير بناء حياة سياسية وديمقراطية سليمة بين يوم وليلة، باعتبار أن السياسة وسيلة وليست غاية، وأن مرات من التجارب والأخطاء يمكن أن تنتج نظاما يسير للأمام وحركة سياسية تراكم الخبرات، للانتقال من الثورة بحلمها وخيالها، إلى السياسة التى ترتفع فيها المناورات والمفاوضات، وحتى هذا يحتاج خيالا لم يتوفر لدى قطاعات سياسية ظلت تعمل «على قديمه».. بقيت هذه التيارات والأحزاب تعمل بنفس ما كانت عليه أثناء معارضتها لمبارك والحزب الوطنى، وكأنها لم تستكشف بعد القدرة على ملء فراغ سياسى قائم حتى الآن، وتجاوز التهديد بالانسحاب، ولاتزال بعض هذه التيارات تعانى من حالة شك تجاه السياسة وخوف منها، وهى حالة لاتنتج تراكمًا وتجعل القوى السياسية مجرد حركات هواة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة