- الحملة الفرنسية أحيت الفكرة وديليسبس استغل علاقته بسعيد باشا لتنفيذها
- الديون أجبرت "إسماعيل" على بيع حصة مصر.. وعبد الناصر أممها والسيسى طورها
* الحروب توقف القناة 3 مرات عبر تاريخها.. الاحتلال البريطانى والعدوان الثلاثى ونكسة 1967
* القناة الجديدة أطلقها السيسى فى 5 أغسطس 2014.. ويقلل مدة حفرها من 36 شهرا إلى عام واحد.. والمصريون يحققون الحلم بشراء الأسهم بـ61 مليار جنيه
كان قرار تأميم قناة السويس عام 1956 يعبر عن عودة الحق لأصحابه، عودة القناة التى قامت على الأراضى والسواعد والخامات المصرية وظلت تربح ملايين الجنيهات تدخل فى خزانات الدول الأجنبية دون أن تستفيد منها مصر فى شىء، اليوم وبعد 156 عاما من تاريخ إنشاء القناة، تحتفل مصر بمشروع جديد يضاف إلى سجل إنجازاتها بافتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى للقناة عقب تطوير مجراها الملاحى وإنشاء تفريعة جديدة وربطها بتفريعات القناة القديمة وتنمية محورها بالكامل بما سيقلل من زمن المرور فى القناة من 18 إلى 11 ساعة.
ورغم أن التاريخ يسجل أن حفر القناة الفعلى تم عام 1859 إلا أن محاولات إنشائها استغرقت آلاف السنين قبل هذا الوقت لتعود إلى المصريين القدماء أنفسهم والتى ربطوها عن طريق نهر النيل، وعبر السنوات المختلفة، ظلت فكرة الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، تناوش كل الممالك والإمبراطوريات سواء التى كانت فى مصر أو ذات النفوذ، لإدراكهم لأهمية المجرى الملاحى الذى يوفر الوقت والأموال للربط بين الثلاث قارات مقارنة بباقى الطرق الصحراوية منها أو البحرية.
فى السطور المقبلة، يرصد اليوم السابع كل خطوات القناة منذ تفكير المصرى القديم فيها، مرورا بالعباسيين والمماليك، وحتى جاءت الحملة الفرنسية التى أدركت أن السيطرة على مصر وانشاء القناة سيكون مفتاحها للسيطرة على العالم، لكن لأخطاء حسابية لمهندسيها فشلت الفكرة، ليعيدها مهندسى السانسومنيين الذين صححوا تساوى البحرين، قبل أن يسطو على الفكرة فريدناند ديليسبس ويقنع صديق طفولته سعيد باشا بها ويحصل على حق امتيازها 99 عاما، لتدشن الخطوة الأولى فى اتجاه إقامة قناة السويس الحالية.
قناة السويس.. فكرة
لم تكن الحملة الفرنسية ولا الفرنسى فريدناند ديليسبس أول من أطلق فكرة "قناة السويس"، فالفكرة جاءت إلى المصريين القدماء منذ قديم الأزل وإن لم تكن بنفس الصورة، حيث كانوا يتصورون خطأ أن مستوى البحر الأحمر أعلى من المتوسط لذا كانوا يربطون بينهم عن طريق نهر النيل، ومن قناة سيتى الأول، فقناة دارا الأول،ثم قناة بطليموس الثانى، وقناة الرومان، فقناة أمير المؤمنين تعددت الأسماء التى تم اطلاقها على القناة حتى عهد العباسيين، الذين قرروا اغلاقها تماما فى 285 ق.م، لقطع الطريق أمام وصول الإمدادات عبرها إلى اهالى مكة والمدينة الثائرين ضد حكمهم.
إغلاق القناة أدى إلى اضمحلال الاقتصاد فى مصر وإيطاليا والذين كانوا يتكسبون بشكل كبير من خلالها، وأصبحت القوافل التجارية تعتمد على الصحراء، واستمر ذلك الوضع حتى القرن الخامس عشر حين اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، والذى اتجهت التجارة إليه، وكان المماليك قد وصلوا إلى الحكم فى مصر فى ذلك الوقت، فحاول الايطاليون اقناعهم بإعادة فتح القناة من جديد التى أغلقها العباسيون، لكن حينما علم البرتغاليون هددوا المماليك بالاتفاق مع الأحباش على تحويل مجرى مياه النيل عن مصر إلى البحر الأحمر، فتراجع المماليك عن الفكرة حتى سقط حكمهم.
استمرت فكرة الربط بين البحرين الأبيض والمتوسط متوقفة فى مصر لا يجرؤ أحد على تنفيذها حتى قيام الثورة الفرنسية، حيث بدأت وقتها فرنسا تتطلع إلى مد نفوذها لمجابهة نفوذ إنجلترا فاقترح الفيلسوف الألمانى لايبيتز على الملك لويس الرابع عشر غزو مصر، وكان فى ذلك اشارة إلى موقعها المتميز وأن احتلالها سيمكن من إعادة طرح مشروع حفر القناة، ولكن الملك لويس أجل القرار، حتى عام 1798، حيث ارسلت فرنسا حملة عسكرية بقيادة نابليون بونابرت حاملة معها عدة مشروعات على رأسها دراسة حفر قناة تربط "البحرين"، وهو الاسم الذى كان يطلقه عليها الفرنسيون فى البداية، لكن وبسبب نفس الأخطاء الحسابية التى وقع فيها المصريون القدماء، أخطر لوبير - كبير المهندسين فى الحملة – بونابرت بأن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى البحر الأبيض وأن حفر القناة سيتسبب فى غرق مصر، مما أدى إلى توقف الفكرة.
رحل جيش بونابرت عن القاهرة، لكن لم ترحل الفكرة عن "السانسيمونيين" وهم مجموعة من المهندسين من خريجى مدرسة البوليتكنيك، والذين كانوا مفتونين فى ذاك الوقت بنابليون ومشروعاته، فعادوا إلى مصر فى عهد محمد على، وطلبوا منه إعادة دراسة المشروع من جديد ليكتشفوا خطأ حسابات لوبير، لكن حينما عرضوا عليه إنشاء القناة، وافق بشرط إبرام معاهدة دولية بين القوى الكبرى لحفظ حرية العبور فى القناة لكل السفن وحيادها فضلا عن أن تكون القناة تحت السيطرة المصرية، الأمر الذى رفضته فرنسا وإنجلترا، فخرج تصريح محمد على الشهير "لا أريد بسفورا فى مصر" إشارة منه إلى مضيق البسفور التركى والذى أدى تدخل الدول الأوروبية فى السياسة التركية من أجل ضمان حرية الملاحة فيه، فقد كان محمد على يدرك أن حفر القناة سيزيد من المطامع الدولية للتدخل فى شئون مصر وهو ما كان يرفضه بشكل قاطع.
الصداقة تنتصر للقناة
عاد السانسيمونيين يجروا أذيال الإحباط إلى فرنسا، ومر عهد محمد على، ليعقبه عهد عباس الأول " 1848 – 1854 " والذى سار على خطى والده فى رفض فكرة القناة، ليتسمر ذلك الوضع حتى عام 1854، حيث تغير الأمر كليا مع تولى محمد سعيد باشا حكم مصر، ليعرض عليه فريدناند ديليسبس فكرة المشروع فى أحد سباقات الخيل، ويوافق سعيد، ويمنح حق امتياز المشروع لديليسبس لمدة 99 عام، لتبدأ أولى خطوات اقامة قناة السويس الحالية.
سرعة موافقة سعيد على اقتراح فريدناند ديليسبس بإحياء مشروع القناة لم تكن من فراغ، فالاثنان جمعتهما علاقة عائلية منذ الصغر، فعقب رحيل الحملة الفرنسية أوفد نابليون دبلوماسى يدعى ماتيو ديليسبس إلى مصر فى 1801 لدفع المصريين إلى اختيار محمد على والى لمصر بدلا من البرديسى الذى قام الانجليز بإختياره، وهو ما زاد من القرب بين الفرنسى ومحمد على ونشأت بينهما صداقة، طلب خلالها ماتيو من محمد على أن يرعى ابنه فريدناند حال وفاته، وبناءا على هذه الوصية، عرض محمد على على فريدناند أن يعمل مربيا فى القصر ومعلما لأبنه محمد سعيد باشا، ومن هنا توطدت العلاقة بين الاثنين.
كان سعيد ضعيف الارادة وكثير التردد، وهو ما ظهر على المشروعات التى تبناها فى حكمه والتى خرج الكثير منها بلا جدوى اقتصادية على الرغم من إسرافه فى الاستدانة منهم بفوائد مركبة وصل معها دين مصر إلى ما يقرب من 11 مليونا، وكانت موافقة سعيد على المشروع وكأنها تعبيرا عن امتنانه لفريدناند عن صداقتهم القديمة، وهو الأمر الذى جعل السانسيمونيين يثورون غضبا عقب إعلان الموافقة، حيث اتهموا ديليسبس باستغلال علاقته بسعيد فى سرقة مشروعهم الذين قاموا بوضع دراساته.
ديلسبس نفسه أوضح فى مذكراته أن سعيد وافق على القرار بسهولة جدا، وكان ذلك فى أحد عروض الخيل الذى كان يحضرها، حيث أعجب وقتها بقفزة ديليسبس بجواده، فاستغل الأخير ذلك وعرض عليه الفكرة، ليفاجأ بموافقته الفورية، وقال فى مذكراته قائلا "جمع سعيد باشا قواده وجنده وشاورهم فى الأمر ولما كانوا على استعداد لتقدير من يجيد ركوب الخيل ويقفز بجواده من على الحواجز والخنادق أكثر من تقديرهم للأكثر خبرة وتخصصًا وأكثر كفاءة علميًا"، كما صرح سعيد بعد أن منح الامتياز لديليسبس «أعترف بأنى لم أفكر فى الموضوع كثيرًا، وإنما هى مسألة شعور».
مصر ملك للقناة
كانت شروط الامتياز مجحفة فى حق مصر، بداية من تنازل الحكومة المصرية عن كل الأراضى المطلوبة لحفر قناة السويس دون مقابل، والتنازل أيضًا عن جميع الأراضى القابلة للزراعة والمحيطة بالمنطقة لاستصلاحها وزرعها مع الإعفاء من الضرائب لمدة عشر سنوات، وأن يكون للشركة المحتكرة امتياز استخراج المواد الخام اللازمة للمشروع من المناجم والمحاجر الحكومية دون ضرائب، وكذلك إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية على جميع الآلات والمواد التى تستوردها، على أن تقدم الحكومة المشترية أربعة أخماس العمال من المصريين، وأن تحصل مصر فى المقابل على 15% من صافى أرباح الشركة، وتواصلت بعد ذلك جميع الاجراءات الخاصة بالمشروع، وأن تقوم الشركة بشق ترعة حلوة من مياه النيل ( ترعة الاسماعيلية حاليا) على نفقتها.
وعلى قدر التنازلات التى قدمها سعيد فى الامتياز السابق، لم تكن لمصر الكثير من المكاسب كما كان لديليسبس والدول الأجنبية، وهو الأمر الذى جعل انجلترا فى ذلك الوقت تعترض على مشروع القناة، رغم انتفاعها اقتصاديا، لأنها تعلم أن سيطرة الفرنسيين عليها سيعطيها قوة لا تضاهى، فالمتوقع أن تتحول قوافل التجارة إلى القناة الجديدة والتى توفر حوالى 11 يوما عن رحلة المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما جعل إنجلترا تسعى إلى وضع العراقيل أمام إقامة المشروع سرا وعلانية لتثنى المستثمرين من المشاركة فى الاكتتاب على أسهم القناة، لكن ديلسبس حصن المشروع بمؤيدين فى أوروبا من فرنسا والنمسا وذلك بتشكيل لجنة دولية من علماء أكبر الدول المنتفعة بالقناة لإعداد تقرير يكون هو القول الفصل فنيا فى إمكانية شق القناة.
فى يناير 1856م أعلنت اللجنة تقرير يؤكد على أن شق القناة ستختصر طريق الشرق إلى النصف، وأن متوسط الإيرادات فى حدود 30 مليون فرنكا سنويا، وأن العمل سيستغرق 6 سنوات فى حالة عدم وجود صعوبات، كما أوصت اللجنة بشق ترعة المياه الحلوة لرى أراضى منطقة السويس.
وبالفعل فى 5 يناير 1856 م اعتمد سعيد باشا قانون الشركة وفى نفس اليوم أصدر تفصيل لفرمان امتياز القناة أعلن فيه تعيين فرديناند ديلسبس رئيسا للشركة بصفته مؤسسا لها مدة عشر سنوات من يوم بدء الملاحة فى القناة، وتوريد أربعة أخماس العمال المطلوبين من المصريين، وأن للشركة الحق فى تحديد رسوم المرور دون الرجوع للحكومة المصرية على ألا تزيد عن عشر فرنكات للطن الواحد.
من 1856 وحتى 1859 ظل ديليسبس ينهى إجراءات فيما يتعلق باختيار العمال، والتى خرجت لائحة اختيارهم تتيح للشركة الحق فى تعبئتهم من كل المحافظات حتى وإن كان ذلك دون إرادتهم، فضلا عن إجراءات إنشاء الشركة، والتى بلغ عدد الأسهم فيها ٤٠٠ ألف بقيمة ٥٠٠ فرنك للسهم الواحد، حصلت مصر على 44% منهم.
فى 25 أبريل سنة 1859 بدأ الحفر رسميا فى موقع القناة، والذى استمر لمدة 10 اعوام متصلة، شهدت خلالهم القناة أكبر عملية حشد للعمال التى كانت تبلغ سنويا ما بين 20 ألفا و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر فى الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلى والبحرى، وكثر تمرد العمال وهروبهم وأظهر عمال الوجه القبلى تحديًا سافرًا للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم.
فى ذلك الوقت وحتى وفاة سعيد فى 18 يناير 1862 ظلت إنجلترا تحاول وقف العمل فى القناة، عن طريق اقناع الباب العالى فى الاستانة بأن المشروع ينتقص من السيادة المصرية نظرا لما يقرره من تنازل الحكومة للشركة عن أراضى وأطيان تزيد بكثير عن احتياج المشروع، وأن توريد العمالة المصرية من الفعلة "ينتهك حرية الأفراد"، وقد نجحت فى ذلك بالفعل، فبمجرد تولى الخديوى اسماعيل الحكم، أرسل الباب العالى إليه يأمره باستعادة الأراضى الزائدة عن حاجة المشروع وترعة المياه الحلوة "الإسماعيلية" وحذف تعهد الحكومة توريد الأنفار المصريين للعمل فى المشروع من 20 ألف عامل إلى 6 آلاف عامل فقط وإلا فلن يصدق على فرمان الامتياز.
بيع حصة مصر من القناة
تنفيذ أوامر الباب العالى فى ذلك الوقت، لم تكن بالشىء السهل، خصوصا وأن الفرنسيين لم يكونوا متساهلين عقب أن اقتنصوا هذه القرارات بالمجان، فقاموا بالمغالاة فى تقييماتهم المادية للحصول على اكبر قدر من التعويض الذى يدفعه الحكومة، ومع زيادة الضغط على إسماعيل أضطر الأخير إلى دفع ملايين كتسويات لتقبل الشركة تنفيذ هذه المطالب وصل فى مجمله حوالى 84 مليون فرنك والذى كان مبلغ كبير لم تستطع أن تتحمله الموازنة المصرية هذه الأيام.
ومثال على ذلك، أن الشركة اشترت أطيان تفتيش الوادى بمبلغ 200 فرنك للهكتار الواحد وباعته للحكومة المصرية مقابل 500 فرنك للهكتار، كما طلبت حوالى 30 مليون فرنك مقابل التنازل عن الأراضى المجاورة للمدن الجديدة والمستشفيات التى تدخل ضمن حيز الامتياز.
فى 17 مايو 1869 بدأت استعدادات حفل افتتاح القناة بسفر إسماعيل إلى أوروبا لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور الحفل الذى وصل تكلفته إلى مليون فرنك، أضيفت فى ذلك الوقت إلى ديون مصر الخارجية.
وفى يوم 15 أكتوبر 1869 بدأ المدعون بالقدوم ضيوفًا على مصر فى بورسعيد مقر الحفل، وفى 16 نوفمبر 1869 بدأت فعاليات الافتتاح، الذى استخدم فيه 500 طاه و1000 خادم، وفى يوم 17 نوفمبر 1869 كان افتتاح القناة رسميا بمرور السفن فى قناة السويس والتى تقدمها يخت الإمبراطورة أوجينى.
فى 1875 بدأ تأثير الاستدانة من الخارج يظهر على الاقتصاد المصرى، خصوصا مع استمرار اسماعيل فى الاستدانة لإنهاء المشروعات القديمة وتنفيذ أخرى، بالإضافة إلى الديون المتبقية من عهد سعيد.
وفى 25 نوفمبر 1875 اضطر اسماعيل إلى بيع حصة مصر من أسهم القناة للحكومة الإنجليزية بمبلغ مائة مليون فرنك لمواجهة هذه الأزمة والتى بالرغم من ذلك لم تنفرج، وأصبحت مصر منذ ذلك الوقت لا تملك شيئا فى القناة، أما ديونها لدول نادى باريس، والتى كانت تؤمن على أموالها بأرباح مصر من شركة القنال وهى " 15% "، فقد قررت اللجنة التى شكلتها الدول الدائنة ببيع حصة مصر من هذه الارباح نظير مبلغ 22 مليون فرنك.
وبذلك عند هذا العام، كانت مصر قد خسرت حصتها من الشركة والأرباح وتمتع الدول الاجنبية بالقناة الموجودة على أرض مصرية وبسواعد المصريين أو كما قال عبد الناصر فى خطبة تأميمه لها "باتت مصر ملك للقناة"، والذين كان قد وصل عددهم مع انتهاء المشروع إلى حوالى مليون عامل مصرى من بين 4 مليون هم عدد سكان مصر فى ذلك الوقت تم تسخيرهم من الفلاحين الذين اجبروا على ترك اراضيهم وقراهم من ظل المحافظات، لكى يشقوا الارض الصحراوية، يقول "أوليفين" كبير المهندسين الفرنسيين للمشروع، فى شهادته عن سنوات الحفر، "كان العمال المصريون يخوضون فى الماء والطين السائل، الذى ينساب ويغمر أجسامهم، بينما رءوسهم فى جحيم الشمس وأبدانهم فى عذاب السخرة وآلام الجوع والبؤس والأوبئة، ليس هناك عمال يستطيعون أن يتموا هذا العمل فى أقل من خمسين يومًا، هكذا، ما أتمه هؤلاء العمال المصريون، الذين يعملون وهم غائصون بكل أجسامهم فى الماء ولا تحمى رءوسهم سوى السماء، فكانوا كلهم مدهشون حقا كلهم ذو صبر وجلد عظيمين لقد عرفتهم عن قرب وأحسست أنهم أبناء شعب عريق".
فقد نقضت الشركة لوعدها بحفر قناة ماء عذب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى للتضحية بآلاف العمال الذين أنهكتهم شدة العطش والانهيارات الرملية، كما خالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة فى الحفر الذى اعتمد على الفأس والقفة تحت الشمس الحارقة، ما ادى إلى وفاة أكثر من 120 ألف عامل، معظمهم لم يستدل على جثمانه ودفن فى الصحراء أو تحت مياه القناة، حتى بدأ دخول الكراكات فى آخر 4 سنوات من الحفر والتى قللت العدد إلى 20 الف فقط.
فى 1882، أغلقت قناة السويس ملاحتها للمرة الأولى إبان الاحتلال الإنجليزى لمصر، فى أعقاب الثورة العرابية لمدة مؤقتة، والذى أعاد العمل فيها من جديد، فاجتمعت الدول الكبرى فى باريس عن طريق لجنة دولية سنة 1885، لوضع وثيقة دولية لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس، لكن لم تستطع الدول المجتمعة أن تتفق على أحكام هذه الاتفاقية، إلا فى أكتوبر 1888، ووقع عليها كل من (فرنسا، النمسا، المجر، أسبانيا، إيطاليا، هولندا، روسيا، تركيا التى وقعت الاتفاقية نيابة عن مصر).
أما الحكومة البريطانية فقد رفضت التوقيع فى مؤتمر القسطنطينية معلنة عن تحفظها على الاتفاقية، لأن مبادئها تتعارض مع ما يقتضيه وضعها فى مصر أثناء مدة الاحتلال، وفيما بعد سحبت إنجلترا هذا التحفظ فى التصريح الفرنسى البريطانى الصادر فى 18 أبريل 1904، والمعروف باسم الاتفاق الودى، وأصبحت اتفاقية القسطنطينية هى الميثاق الأساسى لحرية المرور فى قناة السويس.
فى 1910، تقدمت شركة القنال بطلب جديد إلى للحكومة المصرية لمد امتياز شركة قناة السويس حتى عام 2008 والذى كان سينتهى في17 نوفمبر 1968، وأيدت الحكومة البريطانية وسلطة الاحتلال مد الامتياز مقابل أن يتم تقسيم الأرباح بين الشركة والحكومة المصرية إذا كان صافى الأرباح أقل من 100 مليون فرنك، تحصل شركة قناة السويس على خمسين مليون فرنك وتحصل الحكومة المصرية على ما تبقى، أما إذا كانت أرباح القناة أقل من خمسين مليون فرنك، فتحصل الشركة على كامل الأرباح ولا تحصل الحكومة المصرية على أى شىء.
لكن الحركة الوطنية المصرية بقيادة محمد فريد قادت هجوما كاسحا على طلب المد وقلبت الرأى العام ضده، واضطربت الأوضاع فى مصر، لدرجة اغتيال رئيس الوزراء المصرى بطرس غالى الذى كان يتجه إلى الموافقة على مد امتياز القناة، وقام الاقتصادى المصرى طلعت حرب بتأليف كتاب عن قناة السويس ليوضح الحقائق للعامة والخاصة عن تاريخ القناة وكيف ضاعت حصص مصر من الاسهم والأرباح وخسائرها حتى 1909م، ومقابل هذا الضغط الشعبى رضخ مجلس النواب للأمر ورفض الطلب.
تأميم القناة وعودة الحق لأصحابه
استمر وضع القناة حتى قامت ثورة يوليو 1952، حيث اتجه عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة إلى اقامة المشروعات الاقتصادية، أبرزهم السد العالى، إلا أن العراقيل المادية التى وضعها البنك الدولى امام تنفيذ المشروع كان يهدد تنفيذه، وقتها اتخذ عبد الناصر قراره باستعادة القناة إلى مالكها الرئيسى من المصريين، والذى أعلنه فى 26 يوليو 1956 فى عيد الثورة الرابع من ميدان المنشية بالإسكندرية.
ما لبثت أن توالت ردود الأفعال الدولية الغاضبة من قرار التأميم، ففى 2 أغسطس 1956 اجتمع كل من وزير خارجية فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة، وأعلنوا فى بيان لهم أن قرار التأميم الصادر من جانب الحكومة المصرية يهدد حرية الملاحة فى القناة، ويهدد الأمن فيها، وفى ذلك مخالفة لأحكام اتفاقية القسطنطينية، داعين إلى مؤتمر دولى للدول الموقعة على معاهدة القسطنطينية ومستخدمى القناة.
لكن رفضت الحكومة والمصرية الاشتراك فى هذا المؤتمر، بينما وافقت الهند بشرط ألا يمس الحقوق والسيادة المصرية، ووافقت الحكومة السوفيتية مع المطالبة بتوجيه الدعوة إلى مجموعة أخرى من الدول منها الدول العربية والدول الاشتراكية، ودشن المؤتمر بين 16 و23 أغسطس 1956، ونال خلاله المشروع الأمريكى المقدم للتصويت أغلبية الأصوات، والذى تضمن اقتراحًا بإقامة منظمة دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتشرف على إدارة القناة، وعارضت هذا المشروع كل من (الهند والاتحاد السوفيتى وإندونيسيا وسيلان)، وتم عرض المشروع على مصر ورفضه عبد الناصر، وإزاء هذا الرفض، أعلن رئيس وزراء إنجلترا فى مجلس العموم، إنشاء هيئة جديدة باسم هيئة المنتفعين سيكون لها طابع مؤقت وستكون مسئوله عن تنسيق المرور فى القناة، وتحصيل رسوم المرور.
وفى 19 سبتمبر انعقد فى لندن مؤتمر لوضع القانون الأساسى لتلك الهيئة، وأصدر مجلس الأمن قراره فى 13 أكتوبر 1956 الذى تألف من شطرين، أولهما يتضمن مبادئ ستة تكون أساسًا للمفاوضات التى تجرى مستقبلًا، أما الشطر الثانى فيتضمن الاعتراف بهيئة المنتفعين التى ستكلف بالإشراف على القناة، إلا أنه لم يفز حين الاقتراع عليه إلا بتسعة أصوات واعتراض صوتين كان منهما صوت الاتحاد السوفيتى المتمتع بحق الفيتو.
وحاولت فرنسا وانجلترا الضغط على مصر من خلال تجميد الأموال المصرية فى بلادهما، وإلزام اتحادات أصحاب السفن بأن يدفعوا رسوم المرور فى القناة إلى شركة قناة السويس وليس إلى الحكومة المصرية، إلا أن تمسك المصريين وعبد الناصر بالقرار، دفع فرنسا وبريطانيا إلى اللجوء إلى الحل العسكرى بإعلان العدوان الثلاثى والذى انضم إليه إسرائيل لما لها من اغراض استعمارية فى مصر فى 29 اكتوبر 1956، إلا أنه مع الضغوط الدولية، فشل العدوان، وانسحبت جيوش الدول الثلاث من جديد، وأصبحت القناة تحت الحكم المصرى بشكل رسمى، وأجبرت المجتمع الدولى على الموافقة على ذلك، وأغلقت للمرة الثانية القناة وأعيد فتحها فى عام 1957.
فى 1958 بدأت مصر الخطوات لتعويض المساهمين فى شركة القناة، والتى تعثرت اكثر من مرة، خصوصا مع فرنسا وإنجلترا، لكنها انتهت فى النهاية وعادت بينهم العلاقات الدبلوماسية من جديد.
فى 1967، ومع الاحتلال الإسرائيلى لسيناء وقناة السويس، تم إغلاق العمل للمرة الثالثة، داخل قناة السويس لمدة 8 سنوات ولم يعاد افتتاحها إلا فى يونيو 1975 فى عهد الرئيس السادات.
التوسع فى القناة
التوسع فى القناة بدأ فى عهد عبد الناصر عام 1955، بإنشاء تفريعة البلاح بطول 9 كم، وذلك من أجل تطوير المجرى الملاحى نفسه ليتناسب مع حجم السفن وارتفاع الحمولات، لتقدر القناة على استيعاب هذه التغييرات، وفى نفس العام تم حفر تفريعة البحيرات المرة بطول 11.8 كم وتفريعة كبريت بطول 7.0 كم، وهو الأمر الذى تكرر فى عهد السادات، الذى شهد عهده انشاء 3 تفريعات فكانت تفريعة بورسعيد بطول 40.1 كم تقريبا، وتفريعة التمساح بطول 4.3 كم تقريبًا، وتفريعة الدفرسوار، بينما تم توسعة تفريعة البحيرات المرة فى عهد مبارك لتصل إلى 27,5 كم تقريبًا.
قناة السويس الجديدة
وتعد التوسع الجديد للقناة، الذى دشنه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 2014، بحفر تفريعة بطول 35 كم وبعرض 147 متر وبعمق 24 متر تربط بين تفريعة البلاح والبحيرات المرة، وبذلك يصل طول التفريعة كاملة حوالى 72 كم، وهو ما سيقلل زمن الابحار داخل القناة من 18 ساعة إلى 11 ساعة.
لا يعد توسع القناة هو المحور الوحيد لتطوير القناة، فالمشروع الذى أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى كان يتضمن إلى جانب حفر التفريعة محاور اخرى ترتبط بتعظيم دور إقليم قناة السويس كمركز لوجستى وصناعى عالمى متكامل اقتصاديًا وعمرانيًا ومتزن بيئيًا، وهى الفكرة التى تعود إلى نهاية السبعينيات للمهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان، حيث عرضها على الرئيس السادات إلا أن المشروع لم يخرج إلى النور، وقد تم طرح المشروع من جديد على مبارك لكنه تجاهله، وقد تقدم بالمشروع حكومة هشام قنديل فى 2013، لكنه لم يتم تنفيذه، حتى قرر السيسى أن يحييه من جديد، ويضم الإقليم ثلاث محافظات هى بورسعيد والسويس والإسماعيلية، ويتوافر به إمكانيات جذب فى مجالات النقل واللوجستيات، والطاقة، والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والعقارات.
وتتضمن خطة تنمية قناة السويس 42 مشروعًا، منها 6 مشروعات ذات أولوية، وهى تطوير طرق “القاهرة ــ السويس، الإسماعيلية، بورسعيد”، إلى طرق حرة، إنشاء نفق الإسماعيلية المار بمحور السويس للربط بين ضفتى القناة “شرقًا وغربًا”، وإنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس لسهولة الربط والاتصال بين القطاعين الشرقى والغربى لإقليم قناة السويس، تطوير ميناء نويبع كمنطقة حرة، وتطوير مطار شرم الشيخ، وإنشاء مآخذ مياه جديد على ترعة الإسماعيلية، حتى موقع محطة تنقية شرق القناة لدعم مناطق التنمية الجديدة.
فضلا عن إقامة مطارين، وثلاثة موانئ لخدمة السفن، ومحطات لتمويل السفن العملاقة من تموين وشحن وإصلاح وتفريغ البضائع، وإعادة التصدير، وإقامة وادى السيليكون للصناعات التكنولوجية المتقدمة ومنتجعات سياحية على طول القناة، إلى جانب منطقة ترانزيت للسفن ومخرج للسفن الجديدة مما سيؤدى إلى خلق مجتمعات سكنية وزراعية وصناعية جديدة.
المشروع تم الاعلان عنه فى 5 أغسطس 2014، وشرح وقتها الرئيس السيسى فى خطابه ما يتضمنه مما يستهدفه من تمكين السفن والناقلات من عبور القناة فى كلا الاتجاهين فى ذات الوقت، وتلافى المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال، مما يسهم فى زيادة الإيرادات الحالية للقناة، على أن التكلفة المتوقعة وقتها كانت 4 مليارات دولار.
وفى كلمته، دعا السيسى أن المشروع سيكون من خلال عائدات أسهم ستقتصر على المصريين، وبالفعل فى 15 أغسطس من نفس الشهر، أعلن رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب أنه تقرر طرح شهادات استثمار باسم شهادة استثمار قناة السويس بهدف جمع 60 مليار جنيه مصرى لتمويل مشروع محور قناة السويس، على أن تطرح الشهادات من البنوك القومية بفائدة سنوية 12% تصرف كل ثلاثة أشهر، على أن يسترد أصل المبلغ بعد خمس سنوات.
و فى 19 أغسطس أعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس عن التحالف الفائز بتنفيذ مشروع تنمية قناة السويس، وهو تحالف دار الهندسة، ليبدأ بعدها اجراءات تدشين العمل فى القناة، فى حفل حضره السيسى، وقامت الطائرات الحربية بتقديم عروض الحفل، وقع خلالها الرئيس وثيقة بدء الحفر، وصرح وقتها مميش فى الحفل الذى تم تنظيمه فى الاسماعيلية، أن القناة الجديدة ستتكلف 4 مليارات دولار، وتستهدف توفير مليون وظيفة وتنمية 67 ألف كم على جانبى القناة واستصلاح وزراعة نحو 4 ملايين فدان.
أما فى 15 سبتمبر 2014، أعلن محافظ البنك المركزى المصرى، أن حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس والتى تم طرحها فى فئة 10 و100 و1000 جنيه، وصلت إلى نحو 61 مليار جنيه مصرى، منذ بداية الطرح عن طريق البنوك يوم 04 سبتمبر 2014، وهو المبلغ المطلوب لحفر القناة الجديدة، وأنه تقرر إغلاق الاكتتاب فى الشهادات بالبنوك.
خطة حفر القناة كانت تستغرق 3 سنوات إلا أن السيسى خاطب الشركات المشاركة فى المشروع لتقليل مدة الحفر إلى عام واحد فقط، وقال وقتها أن إصراره على خفض المدة يستهدف إيصال رسالة إلى الشعب المصرى مفادها النجاح بأسرع وقت وبأقل تكلفة ممكنة.
استطاع المشروع، والذى انتهى العمل فيه فى 15 يوليو، أن يسجل أرقام كثيرة تحسب للانجازات المصرية، مثل أن أعمال الحفر تطلبت رفع 250 مليون متر، وذلك من خلال 4300 معدة تعمل تحت اشراف القوات المسلحة، و84 شركة مدنية و3 كتائب طرق و10 شركات طرق، بينما تولى اعمال التكريك 45 كراكة، وقال مميش، فى مؤتمر صحفى يوم 13 يوليو الماضى، أن أعمال التكريك حققت انجازا مسبوقا، فوصلت فى ابريل إلى رفع أكثر من 45 مليون متر مشبعة بالمياه من المجر الملاحى، وهو ما أوضح أنه المرة الأولى التى يشارك فيها 75 % من عدد الكراكات على مستوى العالم فى مشروع واحد، وأعلن مميش يومها اطلاق حملة لفتح حسابات بالعملة الصعبة والمصرية لجمع التبرعات لتمويل حفل افتتاح قناة السويس.
شارك فى تنفيذ أعمال الحفر الهيئة الهندسية العسكرية ونحو 80 شركة وطنية مصرية بطاقة 3000 آلية هندسية ويعمل بها حوالى 20 ألف مهندس وفنى وعامل، كما تم تخصيص كتيبتين عسكريتين لإزالة الألغام ومخلفات الحروب السابقة فى منطقة مشروع تنمية منطقة قناة السويس.
ويتضمن أولى مراحل المشروع الذى تم افتتاحه فى السادس من أغسطس الحالى، إنشاء 460 حوضا سمكيا جديدا يغذيها 320 محطة لرفع المياه للعمل بها.
عدد الردود 0
بواسطة:
د محمود
المفروض نردم القديمه ونردم الست تفريعات ال زي التفريعه الجديده عشان نكمل إنجاز البطل وتحيا ماسر
عدد الردود 0
بواسطة:
التونسي
شعب عظيم
عدد الردود 0
بواسطة:
ابـــــــــــــن مـــــــــــــصـــــــــر
ابن مصر
الى كل ارهااابى كل تراب