لا يحتوى قاموس مجتمع المال والأعمال على كلمات من نوعية "حلاوة شمسنا وخفة دمنا"، الأرقام هى اللغة الأم لهذا المجتمع، أما اللحن المفضل هو فرص الاستثمار القائمة أو المحتملة، وفقًا لهذه القواعد يضبط مجتمع المال والأعمال بوصلة ودفة الحركة، وبناء على ذلك تتخذ القرارات، رأس المال عندما يتحرك ويعبر الحدود هدفه الأول الربح، وسؤاله الرئيسى كيف يستمر وينمو هذا الربح، على هذا الأساس وبدرجات أعلى أو أقل تتكون التحالفات الاقتصادية والتجارية، من منطلق ما تملكه أنت لا يملكه غيرك، والعكس، ولكن كيف تعرض ما تملكه أنت ليتشارك معك الآخرون فى الربح سواء فى الفرص القائمة أو المحتملة؟ كان هذا واحدًا من ضمن الأهداف الأساسية لمؤتمر الشراكة الاستراتجية، الذى نظمته الغرفة التجارية العربية الفرنسية فى مطلع شهر فبراير الماضى، بالعاصمة باريس، بحضور نخبة كبيرة من رموز المال والأعمال على مستوى العالم.
فى هذا المؤتمر حلت مصر، ممثلة فى الفريق إيهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ضيف شرف، وخصص القائمون على المؤتمر جلسة خاصة لعرض مشروع قناة السويس الجديدة، وعلى الرغم من أنه فى ذلك الوقت لم تكن الملامح الرئيسية للمشروع بدأت فى الظهور إلا أن سر الدعوة كان وراءه سبب جوهرى مرتبط بالرقم الذى جمعه المصريون لتمويل المشروع فى صورة شهادات استثمار، والتى بلغت 64 مليار جنيه أى ما يوازى 8 مليارات دولار فى أسبوع واحد فقط.
هذه العلامة كما روى لى الصديق الدكتور صالح بن بكر الطيار، الأمين العام للغرفة العربية الفرنسية، تنطبق عليها المقولة التاريخية "المقدمات بنتائجها تنبئ"، وجهة نظر الدكتور صالح كانت قائمة ومازالت، على أن جمع هذا المبلغ الكبير فى هذا الوقت القياسى، أسبوع واحد فقط، لمشروع على الورق أو مجرد ماكيت جار تنفيذه، كان يحمل مجموعة من الدلالات سهل أن تفهمها وتترجمها مجتمعات المال والأعمال، ليس على مستوى الوطن العربى فقط وإنما على المستوى الدولى أيضًا، لغة الأرقام واضحة ومباشرة ولا تترك مساحة للتخمين.
الانطباعات التى تركها جمع المصريين لهذا الرقم، كما فهمت من محدثى، أنها قدمت للمجتمع الدولى مجموعة من الأسباب للنظر بعين الاعتبار لهذا المشروع، فى مقدمتها أنها عكست حجم الثقة التى يحظى بها شخص الرئيس السيسى من مواطنيه على اعتبار أن هذا الإقبال الكبير على شراء شهادات المشروع رد بالغ الدلالة على المشككين فى شرعية النظام المصرى الجديد، وبلغة المال والأرقام، عندما تتراجع أو تنعدم ثقة أى مواطن فى أى شخص أو مصرف أو شركه بالضرورة لن يودع أمواله بها، الثقة عامل مهم جدًا خاصة فى التعاملات المالية.
لم يختلف حضور مؤتمر الشراكة الاستراتجية، مع ذكره الفريق إيهاب مميش، عن حجم الفرص المتاحة فى مشروع قناة السويس، إذ تؤكد معظم التقارير والدراسات الدولية أن حجم التجارة عبر البحار سوف يتضاعف خلال السنوات المقبلة، وتستحوذ قناة السويس على 8% من حجم التجارة البحرية العالمية، ولكن ضيق المجرى الملاحى وضحالته كان يقف عقبة كبيرة أمام فرص التوسع وضمان مرور أسرع للسفن فى كلا الاتجاهين، وهو ما سوف يقضى عليه المشروع الجديد الذى تم افتتاحه أمس الأول، إذ من المتوقع أن يزيد حجم السفن العابرة من 49 إلى 85 سفينة يوميًا.
وجه الخلاف والنقاش كان حول الفرص المحتملة التى سوف يتضمنها مشروع تنمية إقليم قناة السويس، الذى سوف ينقل قناة السويس من مجرد كونها ممرًا ملاحيًا إلى مركز عالمى لاستقطاب وتوطين الصناعات والخدمات البحرية من صيانة وإصلاح السفن، وتزويدها بالوقود، وخدمات الشحن والتفريغ، وإنشاء المجمعات الصناعية وموانئ الترانزيت، وبالطبع تحقيق ذلك يتطلب تسويقًا دوليًا عن طريق خريطة اقتصادية واضحة المعالم، وقوانين ملزمة تدخل نظرية "الشباك الواحد" من حيز القول إلى الفعل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة