سجلت هجرة الموت من الشرق إلى الغرب مأساة جديدة بعد أن لقى نحو 200 مهاجر من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا حتفهم عندما غرق قاربهم المكتظ قبالة ساحل ليبيا بينما أكدت السلطات النمساوية اليوم الجمعة تزايد عدد اللاجئين الذين عثرت عليهم موتى داخل شاحنة تبريد مهجورة إلى 71 .
وقالت الشرطة النمساوية أنها ألقت القبض على ثلاثة أشخاص فى المجر لصلتهم بالحادث، مشتبهة فى أن يكونوا من أفراد عصابة التهريب المسؤولة عن مقتل الـ71 مهاجرا غير شرعيا من بلغاريا والمجر.
ويعد الحادث ليس الأول من نوعه فى العام الجارى الذى شهد تدفق غير مسبوق للاجئين على القارة الأوروبية التى باتت مستنفرة من الكم الهائل الذى يغزو شواطئها، وفى مقدمة هؤلاء السوريون الذين تدخل بلدهم عامها الخامس من الحرب الأهلية، ثم مواطنون من شتى دول القارة الأفريقية ومن باكستان وأفغانستان والعراق .
وقال متحدث باسم الشرطة للصحفيين أن السلطات عثرت على "وثيقة سفر سورية" وسط الجثث المتحللة فى الشاحنة ويعتقد أن الاعتقالات ستقود إلى المتسببين فى موت المهاجرين.
وحدثت واقعة النمسا والغرق قبالة ساحل ليبيا بسبب توافد موجات جديدة من اللاجئين الباحثين عن ملاذ هربا من الحرب والفقر الأمر الذى وضع أوروبا فى مواجهة أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال مسئول أمنى فى بلدة زوارة غرب ليبيا حيث انطلق القارب المنكوب إنه كان هناك نحو 400 شخص على متن القارب وبدا أن الكثير منهم محاصرين داخل المكان المخصص لتخزين الامتعة عندما انقلب المركب أمس الخميس وبحلول المساء أنقذ خفر السواحل الليبية 201 من المهاجرين بينهم 147 نقلوا إلى مركز احتجاز بتهمة الهجرة غير المشروعة فى صبراتة غربى طرابلس.
وقال المسئول الأمنى أن المهاجرين كانوا من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وباكستان وسوريا والمغرب وبنجلادش
وذكر خفر السواحل الإيطالى أن 1430 شخصا أنقذوا خلال عدة عمليات قبالة ساحل ليبيا أمس وأرسلت سفينة تجارية لإغاثة قارب صغير يحمل 125 شخصا وانتشلت جثتين.
ولخفر السواحل الليبى قدرات محدودة ويعتمد على القوارب المطاطية وزوارق القطر وسفن الصيد.
وزوارة قرب الحدود التونسية هى نقطة انطلاق رئيسية للمهربين الذين يشحنون المهاجرين إلى إيطاليا.
وليبيا هى ممر عبور رئيسى للمهاجرين الذين يأملون فى الوصول لأوروبا. واستغلت شبكات التهريب انعدام القانون والفوضى لجلب سوريين إلى ليبيا عن طريق مصر بينما يصل الأفارقة عن طريق النيجر والسودان وتشاد.
وتقول المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 2300 شخص لاقوا حتفهم هذا العام فى محاولتهم للوصول لأوروبا عبر البحر مقارنة بما بلغ 3279 خلال العام الماضى بأكمله.
وعلى البر تدفقت موجة من اللاجئين والمهاجرين شمالا عبر البلقان خلال الأيام الأخيرة وعبر آلاف السوريين والأفغان والباكستانيين من صربيا إلى المجر العضو فى الاتحاد الأوروبى حيث قالت السلطات أن أكثر من 140 ألف شخص ضبطوا وهم يدخلون البلاد حتى الآن هذا العام.
ويأمل كلهم تقريبا فى الوصول للدول الأكثر ثراء فى شمال وغرب أوروبا مثل المانيا والسويد.
وتبنى المجر وهى جزء من منطقة شينجن الأوروبية التى لا يحتاج السفر فيها إلى تأشيرات دخول سياجا مرتفعا على طول حدودها مع صربيا لمواجهة ما تقول إنه خطر على أمن أوروبا ورخائها وهويتها.
وكانت الشرطة النمساوية قدرت عدد القتلى الذين عثر عليهم فى الشاحنة المهجورة قرب حدود المجر بنحو 50 لكنها زادت العدد إلى 71.
وعثرت دورية نمساوية للطرق السريعة على شاحنة تبريد قرب الحدود المجرية قبل ظهر أمس الخميس. وكانت السوائل من الجثث المتحللة تتسرب من بابها الخلفى.
وتركت الشاحنة على جانب الطريق السريع القادم من المجر إلى العاصمة النمساوية فيينا.
وقال هيلموت ماربان وهو متحدث باسم الشرطة فى بورجنلاند "استمر العمل طوال الليل وأتوقع أن تكون كل الجثث قد أزيلت الآن.. لا يزال محققو الطب الشرعى فى الشاحنة ويحاولون تحديد كل الحقائق."
وتوجد الشاحنة فى مبنى جمارك ببلدة نيكلسدورف حيث توجد منشآت تبريد وحيث شوهد خبراء الطب الشرعى وهم ينقلون أكياس الجثث بعيدا.
ومن ضمن القصص المأساوية لحادث غرق قارب قبالة السواحل الليبية قصة المراهق شيفاز حمزة الذى أمضى تسع ساعات متعلقا مع والدته بقطعة خشبية فى البحر قبالة ساحل ليبيا قبل أن يصل مركب خفر السواحل الليبى لإنقاذه مع عشرات المهاجرين الآخرين. شيفاز تمكن من النجاة، لكن أمه وشقيقته توفيتا أمام عينيه.
والدة هذا الشاب الباكستانى من بين 76 شخصا قضوا اثر غرق مركبهم الخميس أمام مدينة زوارة على بعد حوالى 160 كلم غرب طرابلس، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الهلال الأحمر الليبى محمد المصراتى لوكالة فرانس برس.
وجرى انقاذ 198 شخصا من جنسيات عربية وافريقية فى الموقع، لكن عشرات المهاجرين الآخرين لا يزالون فى عداد المفقودين فى البحر، وفقا للمصراتى.
وليس لدى الهلال الأحمر الليبى أو المسؤولين فى زوارة حتى الآن العدد الفعلى للمهاجرين الذين كانوا على متن المركب، علما أن مسؤولا فى جهاز خفر السواحل قدر عددهم بما بين 300 إلى 400 شخص.
وقال شيفاز (17 عاما) وهو يجلس إلى جانب شقيقه على الأرض فى مركز امنى قرب زوارة بين مجموعة من المهاجرين الذين جرى انقاذهم "انطلقنا عند نحو الساعة الواحدة والنصف فجرا. كان مركبا خشبيا، على متنه نحو 350 شخصا، بينهم والدي، ووالدتي، وشقيقتى الصغرى (11 عاما)، وشقيقتى الكبرى (27 عاما)، وشقيقى (16 عاما)"
وأضاف واضعا يده على جبينه وهو ينظر باتجاه الأرض: "بعد ساعة ونصف بدأ المركب يهتز، ثم بدأت المياه تتسرب إليه، وسرعان ما وجدنا انفسنا فى البحر وقد تفكك المركب وتحول إلى قطع خشبية. تمسكنا والدتى وأنا بإحدى هذه القطع، ولمحت شقيقى وشقيقتى الصغرى إلى جانبى".
ويروى شيفاز "حاول أحدهم أن يتمسك بسترة النجاة التى كان يرتديها شقيقى على اعتبار أنه لم يكن يملك واحدة، لكن شقيقى لكمه فابتعد. أما شقيقتى الصغرى، فقد وضع شخص يديه على كتفيها، وراح يدفعها ولمحتها للمرة الأخيرة تحت المياه وهو فوقها".
وتابع "تسع ساعات قضيتها مع امى فى المياه، نتمسك بقطعة من الخشب. ظللت أقول لها أن الأمور ستسير على ما يرام. لكن قبل وصول فرق الإنقاذ بربع ساعة، فارقت الحياة. لقد توفيت بين يدى. طلبت من الرجل أن يسمح لى بأخذ جثتها معى، لكنه رفض. أمى ماتت. شقيقتى الصغرى ماتت".
وتشهد ليبيا فوضى أمنية ونزاعا مسلحا فاقما الهجرة غير الشرعية عبر سواحلها التى تفتقد الرقابة الفعالة فى ظل الإمكانات المحدودة لقوات خفر السواحل الليبية وانشغال السلطات بالنزاع المسلح الدائر فى البلاد منذ عام.
ومع ساحل طوله ألف و770 كلم، تعتبر ليبيا نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط فى رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا. ولا تبعد السواحل الليبية أكثر من 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التى يتدفق عليها المهاجرون غير الشرعيين بالآلاف وبأعداد غير مسبوقة.
ووصل أكثر من 170 ألف مهاجر غير شرعى من أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا إلى إيطاليا فى 2014 بعدما تم إنقاذهم فى البحر المتوسط. أما مجموع الذين وصلوا فى 2015 فقد وصل حاليا إلى 108 آلاف.
ووصل نحو 200 ألف إلى اليونان منذ بداية 2015، وفق المفوضية العليا لللاجئين التابعة للأمم المتحدة بينما لقى أكثر من 2500 شخص مصرعهم خلال عبورهم البحر للوصول إلى أوروبا بمساعدة مهربين لقاء مبالغ كبيرة من المال. ولا يشمل هذا العدد ضحايا المركب الذى غرق قبالة زوارة الخميس.
وفى المركز الأمنى قرب زوارة، على مسافة قريبة من شيفاز الذى كان يامل بـ"فرصة افضل" لعائلته فى إيطاليا بحسب ما يقول، يردد سامى مقصود الآتى من سوريا، مع صديق له أتى من غزة، على مسامع رجل الأمن المشرف على المركز السؤال ذاته: "ماذا سيحل بنا؟" من دون أن يحصلا على جواب.
وسامى (25 عاما) المتحدر من مدينة اللاذقية السورية، جاء إلى ليبيا قبل أربع أشهر من الجزائر حيث كان يعمل منذ ثلاث سنوات.
ويقول سامى وقد اغرورقت عيناه بالدموع "قضى ثلاثة من أصدقائى أمامى . رأيتهم يموتون واحدا تلو الآخر بعدما انهكت قواهم".
ويضيف "لم أر عائلتى التى لجأت إلى هولندا، منذ ثلاث سنوات. صعدت فى المركب لأراهم بعدما لم أتمكن من الحصول على إذن بلم الشمل. رفض طلبى، فانتقلت من الموت فى بلدي، إلى الموت فى البحر".
وتابع سامى وهو يبكى "تسع ساعات وأنا أفكر بعائلتى وبما سيحل بى . لماذا أنا فى البحر أموت، وهناك أناس تجلس فى بيوتها مرتاحة؟ هل كتب علينا فى سوريا أن نتنقل من موت إلى موت؟ الله كريم على كل حال".
هجرة الموت تصيغ فصلا مأساويا جديدا.. أمواج ليبيا تلفظ 200 جثة.. السلطات النمساوية تعثر على 71 لاجئا ميتا داخل شاحنة تبريد مهجورة فى أقل من أسبوع
الجمعة، 28 أغسطس 2015 06:10 م
مهاجرون غير شرعيون على متن زورق
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة