نقلا عن العدد اليومى...
صراع أفلام النبى محمد فى السينمات.. الفنان الإيرانى مجيد مجيدى يخرج بأول فيلم سينمائى يجسد شخصية النبى بعد قرن من المحاولات والمشروعات الفاشلة أشهرها فيلم يوسف وهبى و3 أعمال أمريكية
وقت الأزمة الشهيرة التى صاحبت عرض فيلم «آلام المسيح» فى مصر عام 2004، وكانت هناك توقعات أن الموافقة القانونية على عرض الفيلم فى دور العرض المصرية لا تعنى بأى حال، أن المسلم والمسيحى من الجمهور سيقبل على مشاهدته، والأمر الذى قوى هذا الاعتقاد فى نفوس البعض أن الكنيسة المصرية لم تتحمس للفيلم، وعلى الجانب الآخر اعترض الأزهر وشيوخ الإسلام على مضمونه، واعتبروه مخططا لضرب العقيدة الإسلامية، إلى جانب أن المصريين أو أهل الشرق عموما قد اعتادوا على أن ظهور الأنبياء أو الشخصيات المقدسة على الشاشة أمر غير مستحب أو محرم على الإطلاق، كل هذا أسهم فى تعزيز فكرة امتناع الجمهور عن مشاهدة فيلم «آلام المسيح»، حتى كانت المفاجأة فى تلك الأفواج التى ملأت دور العرض لمشاهدة رائعة ميل جيبسون، واكتملت المفاجأة بهذا التفاعل غير العادى مع الفيلم، حينما رصدت الأقلام دموع وصرخات المشاهدين من داخل قاعات العرض فى السينمات المختلفة.
ولكن هل يعنى ما حدث مع فيلم «آلام المسيح» أن المصريين أصبحوا مؤهلين لمشاهدة أفلام سينمائية تتجسد فيها شخصية الأنبياء؟ ولن يكون لدى الشارع المصرى مانع فى أن يشاهد فيلما يجسد شخصية النبى سليمان أو موسى أو محمد عليه الصلاة والسلام؟. الاتجاه العام اعتبر أن ما حدث مع «آلام المسيح» كان أمرا استثنائيا، نظرا للنجاح العالمى للفيلم، وحالة الشغف التى سيطرت على الناس بسبب ما كتب وما قيل عنه، غير أن الإقبال الجماهيرى المصرى على متابعة المسلسل الإيرانى «النبى يوسف»، وتخطى الشارع المصرى ولو قليلا لفكرة رفض تجسيد الأنبياء على الشاشة، يدفعنا لأن نتفهم منذ الآن أن الفيلم الإيرانى الذى يعتبر أول تجسيد لشخصية النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، على شاشة السينما لن يجد ما يتخيله الأزهر من تجاهل أو رفض، بل ربما سيجد أعلى نسب مشاهدة لتفاصيل هذا الفيلم على موقع يوتيوب، لأنه بالتأكيد لن يعرف فى دور العرض المصرية.
التحدى الجديد الذى يخلقه عرض الفيلم الإيرانى الذى يجسد شخصية النبى عليه الصلاة والسلام، يدفعنا إلى ضرورة إعادة قراءة تاريخ ظهور الأنبياء على شاشة السينما، وهل الرفض الإسلامى لتلك الفكرة متعلق بشخصية النبى محمد عليه الصلاة والسلام، أم يشمل الأنبياء جميعا؟ خاصة أن السينما العالمية قدمت أفلاما عديدة عن الرهبان والقديسين وأفلاما أخرى جسد فيها ممثلون عالميون شخصيات الأنبياء جميعا، لم يكن من بينها أبدا رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، ولكن هل يعنى ذلك أن سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، لم يظهر على شاشة السينما أبدا؟ وهل يعنى ذلك أن المستقبل لا يحمل أى مفاجآت بالنسبة للمسلمين؟ وهل سيظل الغرب خاضعا لرغبة ملايين المسلمين فى العالم للأبد؟
الحقيقة أن معظم الأسئلة السابقة قد تمت الإجابة عنها من قبل، ولكن لو أعدنا دراستها مرة أخرى والإجابة عليها فى الفترة القادمة ربما ستأتى بما هو جديد، خاصة بعد أن أعلنت قطر منذ 5 سنوات ثم اختفى إعلانها تماما، عن تخصيص 200 مليون دولار لإنتاج فيلم باللغة الإنجليزية، يتناول سيرة النبى محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن قبلها سمعنا عن إنتاج فيلم هوليودى يتناول سيرة حياة الرسول من إنتاج «أوسكار زغبى» المنتج الأمريكى صاحب الأصول اللبنانية، ومن قبلها وتحديدا منذ 8 سنوات أعلن المخرج الإيرانى المعروف مجيد مجيدى عن إنتاج عمل كبير تحت عنوان «النبى محمد»، فى إطار فيلم ومسلسل يشارك بأداء الأدوار فيه عدد من الفنانين الإيرانيين والعالميين، هذا بالإضافة إلى أن اتحاد المنتجين العرب أعلن هو الآخر منذ عامين عن إنتاج أول مسلسل باللغة العربية عن الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بميزانية تفوق 15 مليون دولار.
المشروع التليفزيونى والمشروعات السينمائية الثلاثة التى تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ خلال السنوات الماضية اختفى تماما الحديث عنها، باستثناء الفيلم الإيرانى الذى أصبح واقعا وفيلما يمكن للناس مشاهدته فى دور العرض، وهو ما يفتح آفاقا جديدة ويعيد مرة أخرى مناقشة الأمور الخاصة بجواز أو حرمانية تجسيد شخصية الأنبياء على الشاشة.
على الرغم من أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، هو النبى الوحيد الذى لم يظهر على شاشة السينما بشكل صريح، إلا أنه أكثر الأنبياء اشتباكا مع السينما والدراما بشكل عام، سواء من خلال الشائعات أو من خلال المشروعات التى بدأت ولم تنته، وهو أمر دائم الحدوث منذ بدايات القرن الماضى، ولعل قصة قيام الفنان الكبير يوسف وهبى بتمثيل شخصية النبى خير دليل على ذلك، فالثابت تاريخيا أن يوسف بك وهبى، الممثل المصرى المعروف، وقع عقدا عام 1926 مع شركة «ماركوس» الألمانية للقيام ببطولة فيلم بتمويل مشترك مع الحكومة التركية عن سيرة حياة النبى محمد، وقيل وقتها أن يوسف وهبى أخذ يستعد لأداء دوره وصنع لنفسه صورا فوتوغرافية للشكل الذى ابتدعه لسيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، وهى صورة لا تختلف عن صورة راسبوتين.
الغريب أن الصحف وقتها لم تناقش فكرة تجسيد شخصية النبى سينمائيا من الناحية الدينية، بقدر ما أكدت أن يوسف وهبى صاحب المزاج الجنونى والحركات التشنجية والعيون الشهوانية والذى يلوح الابتذال والاستهتار فى منظره العام، لا يصلح مطلقا لتمثيل هذا الدور الذى يحتاج إلى وقار الرسل وجلال الأنبياء، وهيبة الصلاح ورزانة التقوى.
وطبعا لا داعى لأن أخبرك عن كم الهجوم الذى تعرض له يوسف وهبى حتى اعتذر عن الدور، بل وخاطب الأزهر الدولة المصرية للتدخل لإنتاج الفيلم، وهو ما حدث بعدها بفترة، وتحديدا فى عام 1929 كانت هناك محاولة أخرى لإنتاج فيلم يتم تصويره فى الأراضى المصرية ويظهر فيه النبى محمد، وقيل وقتها إنهم أسندوا السيدة خديجة للممثلة «تينا ستيوارت»، وأن مؤلفة الفيلم كانت فتاة مصرية، وهو الأمر الذى أثار جدلا كبيرا انتهى بثورة دينية طالبت رئاسة الوزراء بالتدخل لمنع تصوير الفيلم فى مصر والتدخل لدى دولة فرنسا، لمنع إنتاجه من الأصل.
من هذا التاريخ وحتى الآن لم تسلم فترة زمنية من شائعة تجسيد شخصية النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، فى فيلم سينمائى، وهى شائعات إن قمنا بعمل إحصاء لها سنكتشف أن عدد الأفلام التى ظهر فيها النبى محمد عليه الصلاة والسلام، أكثر من أفلام السينما المصرية مجتمعة، على اعتبار أن أى فيلم عن الدين الإسلامى لم يكن ظهوره يخلو من شائعة تجسيد شخصية النبى داخل أحداثه حتى فيلم الكارتون الذى أنتجته شركة إماراتية، بعنوان «خاتم المرسلين»، لم ينج من هذه الشائعة التى كانت ستعرضه للمنع، وحتى الفيلم الدينى الأشهر «الرسالة» الذى أخرجه مصطفى العقاد لم ينج من هذه الشائعة التى تقول بتجسيد شخصية الرسول داخل أحداثه، وساعد على نشر هذه الشائعة عدم موافقة أغلب الدول العربية على عرض الفيلم، بسبب تجسيد شخصية سيدنا حمزة.
وبالتالى ووسط كل هذه الشائعات يبقى الثابت سينمائيا أن الرسول عليه الصلاة والسلام، ظهر فى العديد من الأفلام السينمائية، خاصة المصرية كبطل ومحرك رئيسى للأحداث دون أن يقوم أحد بتجسيد شخصيته، من خلال استخدام بعض الحيل الدرامية التى شاهدناها فى أفلام مثل «ظهور الإسلام» المأخوذ عن «الوعد الحق» لطه حسين عام 1950م، وهو أول فيلم دينى إسلامى فى تاريخ السينما المصرية والعربية، وفيلم «انتصار الإسلام» عام 1951م، وفيلم «بلال مؤذن الرسول» الذى عرض لأول مرة عام 1953م، والذى تعرض بشكل غير مباشر لحياة النبى صلى الله عليه وسلم، وفيلم «هجرة الرسول» الذى تم إنتاجه عام 1963 وفيلم «فجر الإسلام» المأخوذ عن قصة عبدالحميد جودة السحار، وأنتج عام 1971.
منذ فترة قريبة وصناع السينما ورجال الدين يجلسون فى انتظار الخطوة الإيرانية لتجسيد النبى، عليه الصلاة والسلام، فى فيلم سينمائى، ينتظرون وهو يعلمون أن كل معطيات الواقع تؤهل إيران كدولة وحيدة لإنتاج هذا الفيلم، ولم تخب إيران ظنهم، وشهد يوم أمس، أول عرض لفيلم النبى محمد، ضمن تلك الخطة التى بدأتها السينما الإيرانية بإنتاج أفلام تجسد فيها شخصيات الأنبياء، خاصة أن رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم السيستانى، سمحوا بتجسيد شخصية النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، فى فيلم سينمائى إذا روعى فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل، ولم يشتمل على ما يسىء إلى صورهم المقدسة فى النفوس، وهو الرأى الذى يجد صدى لدى بعض من المفكرين وبعض رجال الدين الإسلامى الذين لا يجدون أى إثم فى ظهور النبى على شاشة السينما، على اعتبار أن الأصل فى التشريع الإسلامى هو الإباحة، وأن الحرام هو الاستثناء.
هذا التيار لا يجد أى مانع من تجسيد شخصية النبى، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والأنبياء عموما إذا كان الهدف هو تقديم تلك الصورة الصحيحة عن الإسلام، مستندين إلى أن الله تعالى استخدم أروع البيان فى تقديم قصص الأنبياء فى القرآن الكريم، وبالتالى هى دعوة لنا لنستخدم نفس القصص، مستغلين أروع ما اخترعه عصرنا من وسائل إبهار أى السينما. وأنه إذا كان الله تعالى قد ذكر تفاصيل واقعية من تاريخ الأنبياء تؤكد بشريتهم فلماذا نتحرّج من تصويرهم مثلنا؟
كلام هذا التيار لا يجد أى صدى لدى التيار الدينى الذى يرفض تجسيد شخصية الأنبياء عموما، والنبى محمد، عليه الصلاة والسلام، على وجه الخصوص، وفى ذلك يقول الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر فى كتابه «أحسن الكلام فى الفتوى والأحكام»: «التمثيل لفظ مأخوذ من مادة فيها المُشابهة، فيُقال: هذا الشىء مِثْل هذا الشىء أو مماثل له، إما من كل الوجوه أو من بعضها، والشخص الذى يقوم بتمثيل شخص آخر يحاول أن يكون مشابهًا له فى فعله أو قوله، أو أشياء أخرى، وقد قرَّر الخبراء أنه لا يمكن مُطْلَقًا أن يقوم أحد بتمثيل شخصية أحد آخر تمثيلاً كاملاً من كل الوجوه، فالتفاوت حاصل لا محالة بين الأصل والصورة، والكذب موجود دون شك ولو بقدر، وهذا التفاوت الكاذب إن كانت الصورة فيه أحسن من الأصل فقد يقبلها الأصل؛ لأنها لا تسبب له ضررًا، أما إن كانت أقلَّ من الأصل فقلَّ أن يكون هناك رضا عنها من الأصل، وهنا يكون الممثل قد آذاه».
إذن.. الواضح أنه لا مجال لالتقاء الأفكار، والواضح أيضا أن تقبل المسلمين فى مختلف البلدان وإقبالهم على مشاهد فيلم يظهر به السيد المسيح، أو مسلسل يظهر به سيدنا يوسف، ربما يكون مقدمة لمفاجأة تصدم رجال الدين الرافضين لتجسيد النبى، فى حال ارتفاع معدلات مشاهدة الفيلم على مواقع الإنترنت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة