نقلا عن العدد اليومى...
خلال 5 سنوات منذ ثورة 25 يناير 2011، شهد القطاع المصرفى المصرى تحولات مهمة، تؤكد قدرة هذا الجهاز على الصمود أمام الأزمات المحلية والدولية، وقبل نهاية العام الجارى يتم الانتهاء من آخر صفقتين من إجمالى 6 صفقات بيع وتخارج لمؤسسات مصرفية أجنبية خلال 5 سنوات، وتنتمى الصفقات لدول فرنسا واليونان وأمريكا وكندا وسلطنة عمان، ودخول لاعبين جدد من قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت.
والتخارج من السوق المصرية يرجع لسبب أزمات اقتصادية أوروبية أو تركيز استثمارات فى أسواق بعينها، لنا الآن أن نتوقف لتقييم التجربة برصد حجم التغيير فى الخريطة المصرفية المصرية، والقطاع الاقتصادى الأهم حاليًا فى مصر، والذى تصل ودائعه إلى 1.6 تريليون جنيه.
وتشمل تلك الصفقات التى شهدها القطاع المصرفى المصرى بين عامى 2011 ونهاية 2015 بيع البنك الأهلى سوسيتيه جنرال لبنك قطر الوطنى، وبنك بى إن بى باريبا لبنك الإمارات دبى الوطنى، وخروج البنك الوطنى العمانى بعد أن تمت الموافقة من قبل البنك المركزى المصرى على إجراءات وقف العمليات فى مصر، وأيضًا بيع أنشطة خدمات التجزئة المصرفية، وخدمات البطاقات فى مصر لسيتى بنك مصر إلى البنك التجارى الدولى، أكبر البنوك الخاصة المصرية، واستحواذ البنك العربى الأفريقى الدولى على محفظتى القروض والودائع لبنك سكوشيا بنك الكندى داخل جمهورية مصر العربية، وأخيرًا صفقة بيع بنك بيريوس مصر للبنك الأهلى الكويتى.
وتؤكد تلك الصفقات عدة نقاط اقتصادية ومصرفية أساسية، والأولى والأهم الثقة فى أداء المؤسسات المصرفية العاملة فى السوق المحلية، وقدرة القطاع المصرفى على جذب الاستثمارات الأجنبية، وجودة المحافظ المختلفة للبنوك، بعد نجاح برنامج الإصلاح المصرفى فى تدعيم قوة البنوك المكونة لنسيج القطاع المصرفى المصرى، من حيث القواعد الرأسمالية.
ثانى تلك النقاط يتمثل فى التأكيد على مبدأ التنافسية بين الوحدات المكونة لنسيج الجهاز المصرفى المصرى، ونقل الخبرات الأجنبية، خاصة فى قطاع تكنولوجيا المعلومات المصرفية بما يصب فى صالح تقديم خدمات ومنتجات مصرفية للمستهلك المصرى، وتقديمها بأسعار مناسبة وجودة فى مستوى جيد.
ثالث تلك النقاط، هى تعزيز الوجود الخليجى ودخوله بقوة للاستثمار فى وحدات القطاع المصرفى المصرى، حيث تواجد بنك قطر الوطنى الأهلى للمرة الأولى فى مصر، بالاستحواذ على وحدة بنك سوسيتيه جنرال فى مصر، ودخل بنك الإمارات دبى الوطنى بالاستحواذ على وحدة بنك بى إن بى باريبا فى مصر، وأخيرًا صفقة بيع بنك بيريوس مصر للبنك الأهلى الكويتى.
أما رابع تلك النقاط فيتمثل فى حجم العمالة المصرية الكبير، والذى يتواجد فى دول الخليج، وأهمها فى الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وعندما تعزز المؤسسات المصرفية الخليجية وجودها فى مصر، يتيح ذلك تقديم خدمات مصرفية لتلك العمالة التى تقدر بنحو 4 ملايين مصرى فى دول الخليج، وهو ما يسهم فى زيادة التحويلات من العاملين المصريين بتلك الدول لمصر والجهاز المصرفى المحلى، والذى ينعكس إيجابًا على محفظة الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، وأيضًا العمل على دعم التبادل التجارى بين مصر وتلك الدول فيما يتعلق بالمؤسسات والشركات.
وخامس تلك النقاط هو الإسهام فى ضخ التمويلات والقروض والتسهيلات الائتمانية للمشروعات القومية فى مصر، ومنها مشروع تنمية إقليم قناة السويس الذى يحتاج إلى مليارات الجنيهات، وأيضًا مشروعات القطاع الخاص، سواء بشكل منفرد أو الدخول فى تحالفات مصرفية لتقديم القروض المشتركة، خاصة أن تلك المؤسسات المصرفية العربية والخليجية لها شبكة علاقات مع مؤسسات بنكية دولية وشبكة مراسلين عالمية، بما يسهم فى دعم الاقتصاد المصرى، وزيادة النمو فى الناتج المحلى الإجمالى.
وسادس النقاط المهمة للتغيير الذى حدث فى القطاع المصرفى المصرى، يتمثل فى تغيير الدماء فى القطاع المصرفى بدخول وخروج لاعبين فى الحقل المصرفى، والذى يمثل فرصة للتوعية المالية والمصرفية، ونقل الخبرات الخارجية لتلك المؤسسات إلى مصر، خاصة أن 10 ملايين مواطن مصرى فقط يتعاملون مع البنوك، ويطمح مسؤولو البنك المركزى المصرى، واتحاد البنوك إلى الوصول بها إلى 55 مليون مواطن، وهم من لهم حق الانتخاب.
ويبلغ حجم أصول القطاع المصرفى العربى 3.1 تريليون دولار فى نهاية الربع الثانى من عام 2015، بزيادة حوالى 3% على نهاية العام 2014، وأصبح بالتالى يشكل حوالى 125% من حجم الناتج المحلى الإجمالى العربى، وبلغت الودائع المجمعة للقطاع حوالى 2 تريليون دولار وحقوق الملكية حوالى 345 مليار دولار، وحجم الائتمان الذى ضخه القطاع المصرفى العربى فى الاقتصاد العربى بلغ نحو 1.6 تريليون دولار، وهو ما يشكل نحو 65% من حجم الناتج المحلى الإجمالى العربى، وتدل تلك الأرقام على المساهمة الكبيرة التى يقوم بها القطاع المصرفى العربى فى تمويل الاقتصادات العربية، فضلًا على أن 18% فقط من المواطنين العرب يمتلكون حسابات بنكية مع مؤسسات مالية رسمية.
ويتمثل دور البنك المركزى المصرى فى صفقات بيع البنوك العاملة فى السوق المحلية فى الإشراف التام على تلك العمليات، والرفض أو الموافقة على عمليات الفحص الفنى النافى للجهالة «البيانات والمعلومات المالية والفنية المتعلقة بصفقات البيع والاستحواذ على المنشآت الاقتصادية»، وأيضًا الموافقة على نقل ملكية المؤسسة المصرفية من الطرف البائع إلى الطرف المشترى.
ويظل دور البنوك الرئيسى هو تلقى الإيداعات والمدخرات من الأفراد والمؤسسات، وإعادة ضخ التمويلات، والإقراض فى جميع أنواع وأحجام المشروعات وقطاع التجزئة المصرفية، وفى النهاية تكوين الأرباح، فى مقابل مواطن يبحث فى الأساس عن الخدمات المصرفية التى تقدم بمستوى جودة مناسب، وأن تكون فى متناوله، أى رخيصة الثمن، وتسهم فى تطوير حياته ومستوى معيشته إلى الأفضل.
وتعد صفقة بيع بنك بيريوس مصر للبنك الأهلى الكويتى هى الصفقة التى تتوسع بها الكويت فى مصر، باستثمارات جديدة تصل إلى نحو 1.1 مليار جنيه، ويعد ثانى البنوك الكويتية بعد بنك الكويت الوطنى مصر، والمسجل من قبل البنك المركزى المصرى عام 1980، وبذلك يعزز هذا الاستثمار من المنافسة بين البنوك العاملة فى القطاع المصرفى المصرى، بالإضافة إلى البنك العربى الأفريقى الدولى المملوك مناصفة بين مصر والكويت.
وأنهى البنك العربى الأفريقى الدولى صفقة الاستحواذ على محفظتى القروض والودائع «سكوشيا بنك» الكندى داخل جمهورية مصر العربية، فى صفقة بلغ حجمها مليار جنيه، وسيقوم البنك العربى الأفريقى الدولى بخدمة عملاء «سكوشيا بنك» سواء على مستوى الشركات أو الأفراد من خلال المقر الحالى التابع لهم فى مصر، وجميع فروع البنك العربى الأفريقى الدولى.
وقبل نهاية عام 2015 ينهى مصرف سيتى بنك مصر، التابع لمجموعة سيتى المصرفية العالمية، بيع أنشطة خدمات التجزئة المصرفية وخدمات البطاقات فى مصر إلى البنك التجارى الدولى، وذلك بعد استيفاء الشروط والموافقات التنظيمية والرقابية، وسوف يقوم البنك التجارى الدولى باستيعاب حوالى 900 موظف و8 فروع وشبكة آلات الصرف التابعة لسيتى بنك فى مصر عند إتمام عملية البيع.
وتعتزم مجموعة سيتى المصرفية الاستمرار فى تقديم الخدمات المصرفية والاستثمارية، وخدمات الخزينة للشركات والمؤسسات فى القطاعين العام والخاص، إضافة إلى المؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسيات، والجهات الاستثمارية العالمية الناشطة فى مصر، وأتت الخطوة ضمن استراتيجية «سيتى» العالمية فى التركيز على تلك الأنشطة المصرفية التى نتمتع فيها نسبيًا بميزة تنافسية، خصوصًا الأنشطة المصرفية والاستثمارية للشركات والمؤسسات.
وتتوافق عملية بيع أنشطة خدمات التجزئة المصرفية وخدمات البطاقات فى مصر مع ما كانت أعلنته مجموعة «سيتى» المصرفية سابقًا من قرارات استراتيجية لتسريع عملية إعادة هيكلة أنشطتها العالمية فى مجال خدمات الأفراد، والتركيز على 24 سوقًا لخدمات الأفراد، تمتلك فيها المجموعة وفورات الحجم، وإمكانيات واسعة للنمو حول العالم.
واستحوذ بنك قطر الوطنى، على كامل حصة بنك سوسيتيه جنرال الفرنسى البالغة 77.17% فى البنك الأهلى سوسيتيه جنرال - مصر، بالإضافة إلى حصة نحو 20% من باقى المساهمين، وذلك فى بداية عام 2013، فى صفقة بلغ حجمها نحو 2.55 مليار دولار.
واستحوذ بنك الإمارات دبى الوطنى، الذى يعد الأكبر فى دولة الإمارات من حيث الودائع والأسهم، على نسبة 95.2% من إجمالى أسهم رأسمال بنك «بى إن بى باريبا - مصر»، تمثل حصة بنك «بى إن بى باريبا - فرنسا»، وتم الاستحواذ فى شهر يونيو 2013، ووصلت قيمة الصفقة إلى 500 مليون دولار، مقابل نسبة 100% من حصة المساهمة فى بنك «بى إن بى باريبا - مصر» أى ما يوازى 1.6 مرة من القيمة الدفترية.
وتتكون خريطة البنوك العربية والخليجية العاملة فى السوق المصرية من 5 بنوك إماراتية، و3 بنوك بحرينية، وبنكين لدولة الكويت، وبنكًا واحدًا لكل من قطر والسعودية والأردن، بالإضافة إلى بنوك مملوكة بحصص ملكية متساوية بين مصر والكويت، هى البنك العربى الأفريقى الدولى، وبنك آخر مملوك بين مصر وليبيا، هو المصرف العربى الدولى، بالإضافة إلى بنكين لبنانيين هما «عودة» و«بلوم».
وتمثل دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر الدول العربية والأجنبية الموجودة فى مصر من حيث عدد البنوك التابعة لها، حيث يبلغ عدد البنوك الإماراتية العاملة فى القطاع المصرفى المصرى 5 بنوك، هى بنك أبوظبى الوطنى، ومصرف أبوظبى الإسلامى، وبنك الاتحاد الوطنى، وبنك المشرق، وبنك الإمارات دبى الوطنى.
وتكتفى المملكة العربية السعودية بوجودها المصرفى فى السوق المحلية المصرية بمؤسسة واحدة، هى بنك فيصل الإسلامى المصرى، ممثلها الوحيد، ويوجد بنك وحيد آخر ينتمى للمملكة الأردنية هو البنك العربى، و3 بنوك تابعة لمملكة البحرين هى مجموعة البركة المصرفية، والمؤسسة العربية المصرفية، والبنك الأهلى المتحد، ومؤسسة مصرفية تتبع دولة قطر، هى بنك قطر الوطنى، ثم بنك إيرانى هو مصر إيران للتنمية.
