واختصمت الدعوى كلا من رئيس الوزراء، ووزير الاتصالات بصفتهما، حيث ذكرت الدعوى أن الفيس بوك أفسد الأخلاق، وانتشر العديد من الصفحات، التى تحرض على الرذيلة، واستقطاب راغبى المتعة الحرام، وتسبب فى انتشار الشائعات، وانتحل أشخاص صفات أجهزة الدولة دون أدنى قيود، وانتشرت الأخبار الكاذبة بسرعة الصاروخ دون وجود آلية للتأكد من صحتها، أو حذفها بعد ثبوت نفيها.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن المدعى يهدف فى الدعوى إلى الحكم بحجب الفيس بوك على شبكة المعلومات الدولية، حيث أكدت أن الحق فى المعرفة ليس حقاً مقرراً لمحض المعرفة دون تبنى موقف إيجابي يعبر عن الغاية من تقرير الحق وانما يرتبط الحق فى المعرفة ارتباطا وثيقاً بحق آخر والحق فى تدفق المعلومات وتداولها، وكلاهما يرتبط بحق أوسع وأشمل، وهو الحق فى التنمية الذى نصت عليه المادة الأولى من العهد الدولة بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة الأولى من إعلان الحق فى التنمية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 41 / 128 فى الرابع من ديسمبر 1986، وهو بدوره وثيق الصلة بالحق فى الحياة، وكذلك بالحق فى بناء قاعدة اقتصادية تتوافر أسبابها.
وأضافت الحيثيات أن حرية تداول المعلومات تفرض الحق فى تلقى المعلومات والأفكار ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود وذلك من خلال كافة وسائل التعبير والإعلام أو بأى وسيلة أخرى يمكن نقل الآراء ونشرها وتداولها من خلالها ومنها خدمات الاتصالات والإنترنت، وبدون القدرة على الحصول على المعلومات وامتلاك حق تداولها وإبلاغها للرأى العام لن يكون لحرية الرأى أى مدلول حقيقى داخل المجتمع، كما أنه بدون التواصل المجتمعى عبر المواقع المختلفة على شبكة الإنترنت لا تكون ثمة حرية من الحريات القائمة أو لها وجود ملموس، ولا يقيد حرية التعبير وتداول المعلومات ويحد منها سوى بعض القيود التشريعية.
وأشارت الحيثيات إلى أن الحق فى تدفق المعلومات وتداولها، هو حق ذو طبيعة مزدوجة فهو فى وجه الأول يفرض التزاما سلبياً مفاده امتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ أى إجراءات تشريعية أو إدارية للحيلولة دون التدفق الحر للأنباء والمعلومات، سواء فى الداخل أو من الخارج، ومن ثم يمتنع على الدولة وضع العوائق ضد تدفق المعلومات أو السماح باحتكارها إلا فى حدود المحافظة على النظام العام، ولا تكون المحافظة على النظام العام والأمن القومى بحجب التواصل وقطع خدمات الاتصالات والتلصص على ما يتم منها، وإنما تكون صيانة المجتمع لحمايته من المنحرفين والمعادين للحريات العامة.
وأكملت الحيثيات وهو فى وجهة الثانى يفرض التزاماً إيجابياً مفاده التزام الدولة بنشر المعلومات الرئيسية التى تتعلق بالمصلحة العامة على أوسع نطاق، وذلك من أجل ضمان الشفافية والرقابة على أداء السلطات العامة والاستجابة للرغبات الشعبية العادلة لتغيير المجتمع نحو الأفضل، وهو ما حرص عليه الدستور فى المادة 68 منه.
وتابعت الحيثيات أنه من حيث إن شبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت والهواتف المحمولة، ومنها الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها هى مجموعة مواقع تقدم خدمات للمستخدمين قد احدثت تغييراً كبيرا فى كيفية الاتصال والمشاركة بين الأشخاص والمجتمعات وتبادل المعلومات وليس من شك أن تلك المواقع لم تكن سوى وسائل للتعبير انتزعها المتواصلون اجتماعيا وسياسياً تأكيدا على لحقوقهم المقررة دستوريا فى الاتصال والمعرفة وتدفق المعلومات وتداولها والحق فى الحياة الحرة، التى تظلها العدالة الاجتماعية ومن ثم باتت حقوقا أصلية لهم لا يكون حجبها أو تقيدها بالكامل اإا انتهاكاً لكل تلك الحقوق، وذلك إعمالا لصريح أحكام الدستور، والتى جاءت التشريعيات المصرية الحالية والمعمول بما فيها قانون تنظيم الاتصالات.
وأوضحت الحيثيات أنه فى المقابل إذا ما تناولت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى أمورًا من شأنها المساس بالأمن الوطنى والنظام العام فإنه يتعين على الأجهزة الحكومية والجهاز القومى للاتصالات التدخل لحجب وتقييد تلك الصفحات على المواقع استنادا إلى ما لها من سلطة فى مجال الضبط الإدارى لحماية النظام العام بمفهومه المثلث الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة للمواطنين تحت رقابة قضاء المشروعية، والذى يتجلى دوره فى تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد فى المجتمع وحرياتهم والمصلحة العامة فى صيانة وحماية الأمن الوطنى والنظام العام للبلاد.
وأكدت أن امتناع جهة الإدارة عن حجب موقع الفيس بوك لا يشكل قراراً إدارياً سلبياً بالمعنى، الذى نصت عليه الفقرة الاخيرة من المادة 10 من قانون مجلس الدولة الصادر برقم 47 لسنة 1972 لتصبح الدعوى الماثلة مفتقدة إلى أى قرار إدارى يمكن الطعن عليه بالإلغاء، لذلك حكمت المحكمة بعزم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
موضوعات متعلقة..
"القضاء الإدارى" يقضى بعدم قبول دعوى حجب "فيس بوك" عن مصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة