يعانى التعليم فى مصر من مشكلات متعددة، بعضها يتعلق بالإمكانات المادية والبعض الآخر يرتبط بالتطورات المعرفية وعدم مواكبة المناهج لمستجدات العصر، وقد نتج عن هذه المشكلات بعض الظواهر التى أضرت بالعملية التعليمية، حتى أصبح التعليم فى مدارسنا يفتقد قيمًا تربوية غاية فى الأهمية، ومن هذه الظواهر التى ظهرت بشكل كبير وأثرت على حياتنا، هى ظاهرة الدروس الخصوصية، وهو ما سنلقى عليه الضوء فى هذا المقال "عزيزى القارئ".
ظاهرة الدروس الخصوصية ليست وليدة اليوم، بل هى موجودة فى مجتمعنا منذ سنوات، لكنها أصبحت تهم الرأى العام فى مصر فلا يوجد بيت فى مصر إلا وبه طلاب فى مختلف المراحل التعليمية وسواء كان المستوى الاقتصادى للأسرة مرتفعا أو متوسطا نجد الطلاب يقبلون على الدروس الخصوصية كعادة يومية وخاصة أثناء الإجازة الدراسية، اعتقادا منهم أنها سبيل النجاح والتفوق ونبدأ بتعريف الدروس الخصوصية.
الدروس الخصوصية:هى كل جهد تعليمى مكرر يحصل عليه الطالب منفردًا أو فى مجموعة نظير مقابل مادى أوهى تعليم غير نظامى بين المعلم والطالب يتم بموجبه تدريس الطالب مادة دراسية مقابل أجر مادى.
وهذه الظاهرة موجودة فى دول كثيرة ،لكن معظمها استطاع الحد منها ،من خلال تطوير البيئة التعليمية للطلاب واستخدام طرق حديثة فى التدريس، تعتمدعلى التكنولوجيا.
أما عندنا تزيد نسبة الإقبال على الدروس الخصوصية فى مختلف المراحل التعليمية، بداية من الصف الأول الابتدائى حتى المرحلة الجامعية. ولا توجد سياسات فعالة للتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة، حتى أصبح التعليم سلعة تجارية يخصص لها المراكز بأسبقية الحجز قبل بداية العام الدراسى.لقد أهملت الدولة التعليم لفترات طويلة ولم تتمكن من وضع سياسات تعليمية فاعلة تحقق لنا نهضة علمية واقتصادية. وقد أدى ذلك إلى حصول مصرعلى المرتبة 141 من بين 144 دولة من خلال مؤشرات جودة نظام التعليم المختلفة فى تقرير التنافسية لعام 2014-2015 الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى.
ومن أخطر المشكلات التى تواجه التعليم فى بلادنا ،أنه يقوم على النظم التقليدية، فلا يهدف إلى تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب بل يعتمد على الحفظ والتلقين وهو ما أدى إلى ضعف المخرجات التعليمية، التى لا تستطيع ملاحقة التطور العلمى السريع.
فى سياق متصل، أكد التقرير العالمى لرصد التعليم للجميع لعام 2013/2014، والصادر عن منظمة اليونسكو أن المبالغ التى تنفق سنويا على الدروس الخصوصية فى مصر تصل إلى 2.4 مليار دولار، أى ما يعادل 16 مليارا و56 مليون جنيه مصرى، و%27 من الإنفاق الحكومى على التعليم منذ عام 2011.مليارات هائلة تنفقها الأسرة على الدروس الخصوصية سنويا. أى ما يزيد على 25 % من دخلها، ولا تجد الوزارة الدعم اللازم لتطوير التعليم.مشكلة كبيرة تهدد مستقبل التعليم فى مصر؛ لأنه لا يمكن حل مشكلات مصرا لاقتصادية والاجتماعية دون الاعتماد على تعليم متميز، ينقلنا من عالم الاستهلاك إلى عالم الإنتاج والإبداع.
إن هذه الظاهرة تؤرق بال مسئولى التعليم فى الدول العربية وغيرها، وقد تصدى هؤلاء بكل الطرق والسبل من أجل الحد أو القضاء على الدروس الخصوصية، لما لها من آثار سلبية على الطلبة وعلى تحصيلهم الدراسى وعلى أولياء أمورهم وعلى سمعة المعلمين.. وفى سبيل ذلك قام رئيس الوزراء بمنح الضبطية القضائية لوزارة التربية والتعليم لمنع المعلمين عن الدروس الخصوصية.. ومع أن الوزارة تعلم أن هؤلاء قلة لا تتجاوز نسبتهم 10 %، وهم غير مهتمين بقضايا التعليم، إلا أنها تصر على محاربتهم ،وكأن الحل السحرى للنهوض بالتعليم "امسك مدرس" ولكن هل الضبطية القضائية تكفى للقضاء على الدروس الخصوصية؟ بالطبع لا. لأن هذه الإجراءات وحدها لن تحل المشكلة.
فنحن نعلم أن المعلم يلجأ إلى الدروس الخصوصية لقلة دخله الشهرى. كما أنه لا يمكن مواجهة أكثر من مليون ونصف معلم بقرارات استثنائية، ليست هى الحل الأمثل لتطوير العملية التعليمية.
وعلى القيادة السياسية أن تدرك أنه لا يمكن تحقيق تطلعات الشعوب دون الاهتمام بالتعليم وتطويره وحل جميع مشكلاته القائمة، وخاصة غياب التقدير المادى والمعنوى للمعلم والتى تسببت فى انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بهذا الشكل وأصبحت جزءا من ثقافة المجتمع. ناهيك عن تخلف المناهج الدراسية غير الملائمة لمتطلبات العصر!!. يجب علينا النظر إلى التعليم على أنه مشكلة أمن قومى تهمنا جميعا، فلا سبيل إلى الرخاء من غير تعليم جيد يستطيع تحقيق نهضة شاملة فى جميع المجالات.دعونا نعترف أنه لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة دون التنسيق بين الوزارة والمجتمع المدنى. وأن يكون التعليم هو المشروع الأول للدولة من خلال
1- الاهتمام بالمعلمين ماديا ومهنيا ومحاسبة المقصرين منهم.
2- مراجعة وتطوير المناهج الدراسية لتواكب مستجدات العصر.
3- الابتعاد عن أسلوب التلقين والحفظ.
4- مراجعة وتطوير أساليب الاختبارات
5- تدريب الطلاب على التعلم الذاتى
6- التقليل من كثافة الفصول.
7- توفير أساليب مبتكرة لزيادة موارد وزارة التربية والتعليم.
8- العمل على تطبيق قانون خاص للتعليم بالتعاون بين جميع الوزارات.
أحمد المغربى يكتب: الضبطية القضائية والدروس الخصوصية
الأحد، 23 أغسطس 2015 06:00 م