مع رفضى التام لكل أصناف وأشكال إراقة دماء الإنسان، فالإنسان بُنيان الله لعن اللهُ من هدمه، وأن الإنسان- فى اعتقادى وملتى- هو أكثر قداسة من كل الأرض المقدسة والحروب المقدسة والمناصب المقدسة (فهناك مناصب مقدسة أيضاً تعرفها الحكومات الثيوقراطية)، ولهذا كله كنت أرفض أن أزج بقلمى فى أتون الدماء المسفوكة من الجانبين، سواء بالتأييد أو الانحياز؛ لأنى مؤمن تمام الإيمان بأن المرء لا يزال فى فسحة من أمره ما لم تلوث يده بالدماء. ولكن بعد تقرير منظمة الهيومان رايتس ووتش المجافى للحقائق، وبعد تلك الهجمة الشرسة التى يقودها إعلام ممول كل هدفه فى الحياة إسقاط الجيوش العربية، وتحويلها إلى ميليشيات متصارعة متقاتلة، وبعد أن حقق غرضه ومآربه فى العراق وسوريا ولم تبق أمامه سوى مصر الكنانة وجيشها الوطنى المخلص، فخصص ضدها قناة مباشرة لبث أكاذيبه وأضاليله من خلالها؛ ولتأجيج الرأى العام الشعبى ضد النظام الحاكم كأهم خطواته الشيطانية.
كان لزاماً على أن أدلى بشهادتى وأن أوضح أشياء قد تكون خافية على الإنسان العادى البسيط من أهلنا وأبنائنا البسطاء الطيبين، فينقاد أياً منهم تحت حماسة عاطفته الدينية أو الإنسانية لمناصرة المظلومين والمستضعفين فيقع فى شرك الخديعة الكبرى ولا ينتبه إلا بعد فوات الأوان.
قلت فى عنوان مقالى هذا اعتصام الفتنة، والفتنة هى إشاعة الفرقة والبغضاء بين الشعب واقتسامه إلى فريقين متصارعين لا يحب أحدهم الآخر، وهذا عين ما حدث منذ أن وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم وبدأوا يستأثرون بالمناصب العليا والسفلى، ثمانية عشر وزيرا فى غضون أشهر قليلة من أعضاء الجماعة تقلدوا مناصب الوزارة، والبقية أعلنت ولاءها ومحسوبيتها للجماعة، كذلك المحافظين ورؤساء الأحياء، ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات من لم يعلن الولاء يُعزل ويُعين بدلاً منه إخوانى غير مشكوك فى عقيدته الإخوانية... ولا عزاء لأهل الكفاءة ما لم يكونوا إخوانا! وهكذا انقسم الشعب إلى إخوانى وغير إخوانى، إنها الفتنة التى أيقظوها عمدا وتعمدا !
قامت ثورة الثلاثين من يونيو بعد عام من تردى الأوضاع، وسوء الحالة الأمنية فى الشارع المصرى، وضياع معظم الاحتياطى النقدى، وتكويش الإخوان على كل مفاصل الدولة، ومعاداة مؤسسات الدولة، الشرطة والإعلام والقضاء والمؤسسة العسكرية، وتم فرض وجوه قميئة ومستفزة ليتحدثوا باسم الشعب المصرى، وتكريم القتلة والمجرمين، وحصولهم على عفو رئاسى فى تحدى مستفز للشعب المصرى بكل فئاته، فكان لابد من الثورة، وتعديل مسار ثورة الشعب المباركة فى الخامس والعشرين من يناير.
فأبوا ألا يستجيبوا وأرادوا أن يفرضوا إرادتهم بالقوة و(بلوى) الذراع، وإعلان العصيان التام، والخروج على إرادة الدولة. فاقتادوا الجموع من شتى ربوع مصر وقراها ومدنها، وأقامت المتاريس فى الشوارع العامة، وأخضع أذناب الجماعة الشعب للتفتيش والإهانة عند المرور بميدانى رابعة والنهضة . وأنا كنت ممن خضع لبذاءتهم وأنا أدخل إلى جامعة القاهرة مكانى الشرعى كأستاذ جامعى .
وأنشأوا الحمامات العمومية أمام الجامعة فدنسوا حرمها، كما اقتلعوا أشجار حديقة الأورمان وحرقوا كلية الهندسة، ورفعت فى القاهرة أعلام تنظيم القاعدة، وأعلنت جماعات التكفير والهجرة عودتها فى تبجح تام فى بعض قرى الفيوم . وهدمت الكنائس وتم تخوين كافة المؤسسات والأطراف وكل من لم يؤيد فعلهم البغيض والشنيع .
وبدأت رحلة تزييف الوعى فى الاعتصامات واللعب على وتر الحماسة لدى الشباب فأصموا المعتصمين عن سماع كل أصوات العقلاء، ورفضوا كل المُهل لفض الاعتصام وأصروا واستكبروا استكبارا . فهل يستفيق هؤلاء بعد مرور عامين أم أنهم سيمضوا فى غيهم يعمهون، فهل من آذان صاغية تراجع نفسها وتحافظ على هذا الوطن الذى لا وطن لنا غيره.
د.غيضان السيد على يكتب: عامان على فض اعتصام الفتنة وتزييف الوعى
الإثنين، 17 أغسطس 2015 06:06 م
فض اعتصام رابعة - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
saidelgotmy
التعليق على مرور عامين على فض اعتصام الفتنه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
نعم