كثيرا ما أجالس شمس المغيب وألتقط لها صورا وكأنها تقص علىّ قصصها طول يومها الحارق وقصص الأشخاص الذين يمشون تحتها منهم من يسارع لكسب قوت يومه.. ومنهم من يسعى تحت حرارتها دون اللحاق سوى بالأوهام.. ومنهم من يرصد بأعينه الفتيات هنا وهناك ويلقى بعض الكلمات المبتذلة عليها..
شمس المغيب تأتينى كل مساء لتحكى لى.. وأنا أظل أستمع لها يوما بعد الآخر .. فمنذ أن قدمت إلى موطنى والذى أعيش فيه باغتراب آخر.. غير الذى كنت أعيشه بالخارج.. أستمع لها وأستمع وأستمع لهااا..
ولكنها آتتنى اليوم ساعة مغيبها وهى تتسأل عن حالى .. إنها المرة الأولى التى تفعلها منذ أشهر مضت.. تسألنى هل أنتى بخير.. أجبتها نعم "أحمد الله".. وإذا بها تنظر إلى وتتمعن النظر فى عينى وتقول لى ماذا هناك.. ماذا حدث معك.. أراكى دائما صامتة تستمعين لى ولا أستمع لك فماذا هناك.. ألسنا بصديقين.. أجبتها نعم ولكن لا شيء لدى.. هى فقط طرفة عين وكثيرا ما يقال لى أن عيونى تدمع ولا أعرف لماذا.. أهو حساسية دائمة أم أن عيونى دائما ما تفصح عما أخفيه دائما عمن حولى من الأقارب والأصدقاء.. ولكنى بخير..
اشتعل فضولها أكثر فأكثر.. لتلح أكثر بسؤالها ماذا هناك .. كررت إجابة بحمدى لله.. ولكنها لم تقتنع وحاولت مرارا ومرارا معرفة ماذا أخفى عنها.. ولكنى أصريت على إخفاء ما أشعر به .. وغابت شمسى.. وجاءت باليوم التالى بنفس الموعد وفى داخلها إصرار أكبر من اليوم السابق على معرفة ما أخفيه عنها.. وألحت على إلى أن استسلمت إليها قطرات من دموع عينى التى حبستها منذ زمن ولا أخرجها.. قلت لها فى ألم لماذا تلحين على لمعرفة ما بى.. ظلى كما هم معى أنا أستمع وهم يقولون والحياة تسير.. قالت شمس المغيب كيف لصديق يرى صديقه بضيق ولا يساعده.. أجبتها هذا العادى.. إنها الحياة ناس تستمع وناس تحكى وتقص روايتها وأحزانها على الآخرين..
قالت شمس المغيب أوافقكى على ذلك ولكنى هنا اليوم لأجعلك تتكلمين.. صمت للحظات وقلت لها أنى لا أفقه شيئا فكثيرا ما أشعر بحزن وأحيانا أخرى أتفاخر بابتسامة قوية أخفى ورائها ضعفا يكاد يكسرنى إذا ما شعر الآخرون بى .. فأنا أحاول أن أكون قوية مثابرة شجاعة متحدية كل الظروف التى أمر بها .. ولكنى أصل إلى نقطة الضعف واليأس .. والوحدة .. أنا بكل اختصار مازلت مغتربة رغم تواجد بين الأهل والأصدقاء .. إلا أننى مازلت أفتقد لحياة كانت صعبة ولكنها كانت تخفف عنى آلاما وآلاما.. أفتقد لقلب طالما أشعر به يوميا دون رؤياه أو مكالمته إلا قلما أراد ذاك القلب محادثتى .. أشتاقه ولا أعرف متى سأراه .. أرغب بالعودة إلى طفولة أشتاق لتفاصيل لم أعشها لأعايشها من جديد ولا أفرط بدقيقة واحدة كى أفرح وأمرح بها.. أشتاق أن أبقى كما كنت لا شىء يزعجنى ولا شىء يهمنى سوى اللعب واللعب واللعب.. كبرت عمرا .. ووصلت فيه لشىء مما كنت أحلم به أن يكون .. ولكنى لم أصل لكل ما كنت أحلم وأبحث عنه.. عندما يأتيك البعض ليعاتبك على عدم محادثتك له .. فلست متعمدة لذلك ولكن أريد البقاء بعيدة للحظات أستعيد بها ترتيب بعض الأمور.. ولكن دون جدوى فقررت أن أظل صامتة متخذة جانب واحد وهو أن أبقى وحيد أستمع للآخرين وأسمع نفسى لنفسى علها تشفينى.
خلال الحديث الذى طال بينى وبين شمس المغيب أتت غيمة كبيرة لتبعدنى عن صديقتى شمس المغيب فلم تسمع منى سوى البداية وباقى الحديث ظل بينى وبين نفسى رواية صامتة دون أن يستمع لها أحدا سواى... وغابت شمسى كعادتها ليأتى الليل مصاحبا قمره والظلام.. وأغلق غرفتى واضع سمعات جوالى لاستمع لبعض الموسيقى التى أعيش معها حتى أن يأتينى النعاس...
