المخرج عمر زهران يكتب: أسرار مشاكل نور الشريف مع الإعلام المصرى.. حياته أشبه بملحمة أسطورية.. وصراع التناقض فى مشاعره وأحلامه يدفعك دوما تجاه التأمل والوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا التناقض
الأحد، 16 أغسطس 2015 11:36 ص
نور الشريف
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تم اكتشافى كمحاور ومذيع بفضل براعته فى اكتشاف ما لم يكتشفه الآخرون إلا أن التليفزيون المصرى رفض إذاعة اللقاء رغم رغبة النجم الكبير فى إذاعته على التليفزيون المصرى
لا أذكر أننى قد تمنيت يوماً أن أحاور شخصاً قدر رغبتى فى محاورة الأستاذ نور الشريف، وذلك لأن ثقافة ذلك الرجل ثقافة تتسم بنضج إنسانى بديع.. فحياة نور الشريف أشبه بملحمة أسطورية مبهرة التفاصيل، وصراع التناقض فى مشاعره وأحلامه وطموحاته يدفعك دوما تجاه التأمل والوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا التناقض، فنور الشريف الذى يمتلئ ثقةً وإصراراً وثقافةً واسعةً يملأه خوف شديد لو حظى شخص ما بقدر قليل منه لتوقفت مسيرة حياته إلى الأبد.
إن فقدان نور الشريف لأبيه الذى توفى فى سن السادسة والعشرين وكان نور وقتها فى عامه الأول جعله فى البداية يخشى كثيرا من فكرة الزواج اعتقاداً منه باحتمال تكرار ما حدث وأن يتوفى فى مثل عمر والده، وعندما تزوج نور خاف كثيرا من فكرة أن يرحل بعد إنجابه فيترك أبناءه بلا أب، وظل الخوف يطارد نور الشريف سنوات من عمره، لكن ثقافته وإقباله على القراءة والمعرفة بنهم صنعت بداخله جدارا من الثقه جعله أبدا لا يقع فريسة لهذا الهاجس.
نور الشريف الذى افتقد أباه فى طفولته لعب دور الأب فى الحياة مع أجيال من الوسط الفنى، ربما مخرجون قدمهم لأول مرة ووجوه جديدة قدمها للمره الأولى فى كل أعماله، نعم تسيطر على نور دوماً فكرة أن يتبنى مواهب جديدة فى كل المجالات، وكنت واحدا من الذين اكتشف نور الشريف بداخله جانبا من الموهبة، لم أكن قد تصورته على الإطلاق، فحينما عرض على فى يوم من الأيام الصديق الدكتور وليد دعبس أن أظهر على الشاشة كمذيع دق وقتها قلبى بخوفٍ شديد، مستبعداً الفكره تماما قائلاً له: إن متعتى الوحيدة هى الوقوف خلف الكاميرا، فقال لى: أنا لا أحدثك الآن عن المتعة وخلافه أنا أؤكد لك أنك ستكون مذيعا من طراز شديد الخصوصية، وستعيد إلى الأذهان بعضاً من أمجاد الرائد الأستاذ طارق حبيب، استبعدت الفكره تماما من ذهنى، مؤكداً له اندهاشى من كونه فكر فى وضعى بهذا الإطار، وبعد حديث د. وليد دعبس معى بسنوات قليله كنت فى زيارة خاطفة للمملكة الأردنية الهاشمية بدعوة من صديقى العزيز أ/ إبراهيم أبوذكرى، وذلك لتكريمى ضمن وفد من الإعلاميين المصريين، وعلمت وأنا بالفندق الذى تقام به فعاليات ملتقى القدس العربية أن الفنان نور الشريف سيحضر هذه الاحتفالية، جاء الخبر ليعيدنى بالذاكرة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد الفتره التى صاحبت قيام ثورة يناير، وكانت قد اندلعت قبل هذا الحدث بعام أو أكثر، وكان معظم الإعلاميين والمثقفين فى مصر يدونون آراء واتجاهات نجوم الفن والثقافة فى مصر حول ثورة يناير آنذاك، وكان فى طليعة النجوم الذين يتشوق الجميع لمعرفة وجهة نظرهم ورأيهم فى الثورة النجم نور الشريف الذى كلما زاد صمته واختفاؤه ازداد شغف الجميع لسماعه، ولكن لم يستطع أحد النجاح فى الوصول إلى الرجل ولم يكن من الطبيعى غياب نجم بحجم نور الشريف عن الإدلاء بآرائه وتحليلاته السياسية مع ما عرف عنه من ثقافة شديدة وقدرة على قراءة الأحداث والتحليل بصورة كبيرة، ولكن ما لم يعلمه الجميع أن اختفاء نور الشريف التام كان مقاطعة أكثر منه اختفاءً عن وسائل الإعلام، فقد سكنته محنة نفسية ووجع شديد من جميع وسائل الإعلام، وكانت تربطنى بالرجل علاقة طيبة يميزها احترام وتقدير شديد متبادل بيننا، وكنت أقدره كفنان ومثقف نادراً ما تتحدث معه فى شىء ولا تجده ملما به إلماماً كبيراً، كنت أعلم جيدا حجم الألم الذى يعانى منه فنان كبير مشاعره أرق من كل الحياة، فنان أعطى لهذا الوطن من كيانه النفسى وموهبته وعمره الكثير، عاش محنا كثيرة من أجل فنه وإيمانه برسالته كفنان ومبدع، ولم يكن يتصور على الإطلاق أن تتحول حياته إلى محنة كبيرة بسبب مانشيت كتب عنه فى إحدى الجرائد دون أى تقدير لمكانة هذا النجم الكبير لدى جماهيره العريضة فى مصر والعالم العربى، وكانت لدى مساحة من الود تسمح لى بالاتصال به تليفونياً من منطلق السؤال عنه والاطمئنان عليه، ولكنى وبمجرد أن بدأ الاتصال بيننا فوجئت بالأستاذ نور الشريف يرد قائلا: أيوه؟! كنت أعلم أن رقمى مسجل لدى نجمنا الكبير وأنه عندما رد على كان يعرف من معه، ولكننى بادرته قائلا له: أنا عمر زهران أستاذ نور... فرد قائلا: أنا عارف ثم استطرد مرة أخرى: أيوه؟!
ذويت فى خجلى ودهشتى ولم أدر ماذا أقول ولا كيف أرد... وتمتمت قائلا له بصوت يختنق من الصدمة: لا شىء فقط أحببت الاطمئنان عليك، وقبل أن أكمل كلمتى قاطعنى قائلا بحدة شديدة: «معلش يا عمر أنا مقاطع كل الإعلام والإعلاميين ولا أرغب فى التحدث معك أو مع غيرك»... وأغلق هاتفه وأنا تدور بى الأرض من الصدمة، ووقفت جانبا بسيارتى أشعر برغبه فى أن أجفف عرقى وأنا لا أدرى إن كان هناك عرق أم لا، ولم أغضب يومها من الرجل والتمست له العذر وافترضت أن له رغبة شديدة فى أن يقضى وحده بعضاً من الوقت، وحاولت مراراً أن أعرف من بعض الأصدقاء المشتركين إذا ما كان نور الشريف يتواصل مع أحد من أصدقائنا الإعلاميين، ولكن كانت الإجابة تأتى دائماً لتؤكد على فشلهم حتى فى الاتصال به تليفونياً، وعلمت بعدها أن الجريدة التى أساءت للنجم الكبير قد تم إغلاقها للأبد وبحكم قضائى، وتصورت أن المرارة التى تسكن النجم الكبير قد زالت، وأنه أدرك أن مكانته كنجم كبير أكبر من أن تمس بسوء أو أن تهتز صورته أمام معجبيه، ومرت الأيام وانا لا أستطيع التواصل معه إلى أن جاء لقاء الأردن ليضعنى على بعد خطوات من الرجل الذى احتجب عن الجميع.
كان الملتقى تجمعا لعدد كبير من الإعلاميين والفنانين وسرى خبر وجود الأستاذ نور الشريف بالفندق بين الجميع فى مفاجأة لم يتوقعها أحد على الإطلاق.. وبالفعل جاء نور الشريف وأقام بنفس الفندق الذى نقيم فيه جميعاً ولكن لا أحد يراه.
استيقظت مبكرا فى اليوم التالى وفى طريقى لتناول الإفطار بمطعم الفندق وجدت رجلاً أشبه بنجوم السينما الهوليودية ولم أصدق عينى عندما تأكدت أنه النجم نور الشريف.. وتذكرت مكالمتنا الأخيرة فلم أشأ أن أزعجه لكن فرحتى بظهوره وخروجه لا يمكن أن يتصورها مخلوق، تظاهرت بأنى لم أره لكننى فوجئت بمن ينادى بأعلى صوته «عمر» نظرت إليه بفرحة شديدة، وأنا أجيب: «أهلا أستاذ نور.. إزيك؟» وتظاهرت بأنى فى طريقى لإحدى الطاولات المجاورة لتناول إفطارى دون أى إزعاج له، لكنه فاجأنى بدعوته لى لتناول الإفطار معه، وكنت أظن أنها مجرد دعوة لكنه أكد لى رغبته فى مشاركتى له تناول الإفطار وبمجرد جلوسنا بدأ عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين وبعض الجماهير العاشقة لهذا النجم فى الالتفاف حوله، لكنه وبحزم شديد أكد للجميع أن حضوره ليس رسميا، وأنه جاء بناء على دعوة شخصية من صديق أردنى وتقديراً منه للأستاذ إبراهيم أبوذكرى وأنه لا رغبة لديه إطلاقاً فى عمل أى لقاءات أو حوارات صحفية، فما كان من الجمع إلا الاستجابة لرغبة الرجل احتراما وتقديرا.
فى مساء نفس اليوم كنا على موعد لتناول العشاء فى أحد الفنادق المطلة على البحر الميت ودار بينى وبين أ/ نور حوار، أعلنت له فيه عن اعتراضى الشديد على موقفه من وسائل الإعلام، وأننى ربما أقتنع بأن انفعاله فى ظرفٍ ما شديد الخصوصية هو أمرُ مقبول، ولكن لا يليق إطلاقاً أن يصر على موقفه وقراره وهو أول من يعلم جيداً، بحكم ثقافته وخبرته وحكمته، أنه قرار شخصى وظالم وأن أول ضحايا هذا القرار هو تاريخ نور الشريف، وبجدية شديدة طلبت منه بل ورجوته أن يعيد التفكير فى هذا القرار، وأنه لا بد أن يتحدث ويتواصل مع الإعلام وأن يروى عطش جماهيره ومحبيه بسماع وجهات نظره وأحاديثه، وقلت له: لقد قامت ثورة يا أستاذ نور فلتنس ما حدث، فنور الشريف أكبر بكثير من كل ما حدث، فمن الممكن أن يكون الحدث غير مقصود بالمرة، وهنا فاجأنى نور الشريف قائلا: أوافق على التحدث وعمل حوار تليفزيونى ولكن بشرط وحيد، كدت أقفز من الفرحة، مؤكدا له موافقتى على كل شروطه دون أن يقولها وكان شرط النجم الكبير أن أحاوره بنفسى.. نعم كانت هذه رغبته وكان هذا شرطه الوحيد.
ودارت الكاميرات وجلست لأول مرة كمذيع أمام النجم نور الشريف بناءً على رغبته، وبدأ حديثه بالهجوم على كل وسائل الإعلام والإعلاميين وأكد أنهم تحولوا إلى قضاة وو كلاء نيابة يلقون بالتهم جزافاً ويحاكمون الأشخاص غيابيا ويصدرون عليهم الأحكام، وأكمل حديثه قائلاً: لقد امتلأ الفيس بوك واليوتيوب بكليبات تظهر تلونهم من عصر إلى الآخر ومن حاكم إلى الآخر، مؤكدا لى أنه لم يعد إعلاماً وإنما تحول إلى أحزاب سياسية، وواصل النجم الكبير حكاياته وآراءه فى الثورة ووجهات نظره فى السينما والعرب، وأتمنى أن تعيد جريدة جورنال مصر نشر هذا الحوار، لأن ما تنبأ به نور الشريف عن الثورة والسنوات التى تلتها قد تحقق منه الكثير والكثير، فقد تحدث النجم عن استحالة اتفاق العرب على هدف أو قضية واحدة حتى ولو كان فيلماً عن نبى الله محمد «صلى الله عليه وسلم» ليظهروا فيه للعالم أجمع حقيقة الرجل ونبل رسالته، وأن الملايين التى تدفعها بعض الدويلات لصنع مؤامرات بهدف القضاء على دول أخرى كان من الأفضل أن توجه إلى هدف قومى عربى واحد.
استطرد نور الشريف معى فى الحديث بحب ودموع عن حبيبة عمره بوسى وعن بناته وقال، إنهن أغلى عنده من الحياة كلها، ولقد بقى لدى أن أقول لكم، إنه على الرغم من أن نور الشريف اختص قناة نايل سينما بهذا الانفراد النادر وهذه الخبطة الإعلامية الكبيرة وأصر على أن تكون للتليفزيون المصرى ولقناة نايل سينما تحديدا، فإن التليفزيون المصرى رفض إذاعة اللقاء على الرغم من رغبة النجم الكبير فى إذاعته على التليفزيون المصرى، وذلك لكونى أعمل مخرجاً ورئيساً للقناة ولست معتمداً كمذيع، واللوائح والقوانين تجرم وتمنع ظهورى على الشاشة، وبالفعل تمت مساءلتى ومعاقبتى بخصم ثلاثة أيام من أجرى ولاحقاً تم إقصائى عن رئاسة القناة، بعدما اقتنصت إحدى القنوات الفضائية هذا السبق وأذاعته باحتفاء كبير وحملة دعائية مكثفة وقدر أكبر من الإعلانات.
وتم اكتشافى كمحاور ومذيع بفضل براعة الأستاذ نور الشريف فى اكتشاف ما لم يكتشفه الآخرون، ورأى الرجل ردة فعل الوسط الثقافى والفنى فى مصر والعالم العربى وكيف تم استقبال ظهوره وعودته مرة أخرى للأضواء، ورأيت أنا فى نفسى شيئاً جديداً لم أكن لأراه لولا شرط نور الشريف للعودة.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
السعيد
ياسيدي الفاضل