"ياااااه..أنا جسمى قشعر..أنا حبيت المسرح أوى..وهاجى المسرح على طول"، تلتفت خلفك لترى من صاحب هذا الصوت..يسمح لك الضوء الخافت أن ترى ملامحه..تجده طفلا..من المؤكد أنه لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره..تبتسم..تعود لتستكمل تحية أبطال أوبريت "ليلة من ألف ليلة وليلة"، شفتاك تبتسم..كفيك يصفقان بحرارة..وعقلك مشغول بهذا الطفل..بأداء صوته المبهج وهو يعبر عن فرحته بمشاهدة العرض..تدهشك حالته التى كان فيها..تقول فى نفسك هذا ما يفعلة المسرح الحقيقى..وهذا ما تفعله الأسر الواعية من اصطحاب أبنائها لحضور أعمالا فنية تستحق التقدير، لينمو جيلا أكثر وعيًا..وأكثر تذوقًا للفن..قادر على فرز الجميل من القبيح..والحسن من السئ..والفن من اللا فن.
منذ بداية العرض..بل منذ قبل فتح الستار لبدء العرض..تأخذك حالة رائعة..حين تهادى صوت الفنان يحيى الفخرانى يهدى الأوبريت إلى الفنان نور الشريف..قائلاً: "لن أطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على روح نور الشريف، "الناس موتى وأهل الحب أحياء"، لتكشف الستار بعدها عن خشبة المسرح..فيملأ الفنان يحيى الفخرانى فضاءه بخفة دمه وخفة حركته مجسدًا دور "شحاتة" الشحاذ المحتال..وينتقل ببساطة لأدوار اللص والوزير والساحر والقاتل، فتعجز عن وصف أدائه المبهر الذى يعد لؤلؤة العرض.
الأوبريت الذى كتبه الشاعر الكبير بيرم التونسى، وأخرجه محسن حلمى، يستند إلى رؤية فنية توضح الفرق بين حياة الفقراء والصعاليك وحياة الأمراء فى عهد الدولة العباسية، وتأتى مشاركة الفنان لطفى لبيب فيه وحدها إضافة للأوبريت، بطلته المميزة جدًا، وأدائه الكوميدى، كما كانت مشاركة الفنانة هبة مجدى التى أدت دور "نجف" ابنة الشحاذ "شحاتة" ببساطة وإمتياز وكذلك غنائها لعدد من الحواريات الغنائية بصوتها الحنون مع الفنان محمد محسن..الذي تفوق صوته على أداءه، كما جاء أداء الفنان ضياء عبد الخالق الذى يقف لأول مرة على خشبة المسرح مجسدًا دور الوزير مميز للغاية، بالإضافة لأداء الفنانة سلمى غريب التى أدت دورها كزوجة للوزير بسلاسة.
ثمة بطل آخر كبير فى العرض لا يمكن الحديث عن الأوبريت وإغفاله، وهو الفنان محمد الغرباوى، مصمم الديكور المدهش للعرض، ولا أبالغ حين أقول أن جمال وروعة الديكور ورؤيته الفنية كانت مبهرة لدرجة تجعلك تغفل حينًا عن أداء الممثلين منتبهًا فقط لجمال ما أبدعه الغرباوى، إضافة إلى مصمم الاستعراضات المبهجة مجدى صابر.
عامل آخر تنتبه له ولا يمكن اغفاله، وهو الحضور الجماهيرى الكبير للعرض من مختلف الأعمار، ومن طبقات اجتماعية مختلفة..وعامل آخر تنتبه وهو تفاعل الشباب الكبير على مواقع التواصل الاجتماعى وحديثهم عن العرض وحرصهم الشديد لحضوره..هو الشئ الذى يثبت أن المسرح المصرى لايزال بعافيته..وأن جمهور المسرح لايزال متعطشًا له.
لم تكن ليلة أمس هى الليلة الأولى لعرض "ليلة من ألف ليلة وليلة"، بل عرض أربعة مرات سابقة كان أخرها سنة 1994م وقام ببطولته الفنان يحيى الفخرانى والفنانة أنغام، والفنان على الحجار، على مسرح الجمهورية، أما المرة الأولى كان عام 1931 فى دار الأوبرا القديمة، والثانية فى المسرح القومى عام 1958م، والثالثة عام 1972م على مسرح الجمهورية، كما أخرجه المخرج يوسف الحطاب للإذاعة المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة