د. محمد على يوسف

فقط لأنها آراؤنا

الخميس، 13 أغسطس 2015 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما هذه السذاجة التى تنضح من بين سطور هذا المقال؟ يا لها من كلمات ركيكة ويا له من أسلوب ضعيف فى الكتابة؟ تبا لها من آراء سطحية وأفكار سقيمة! ماذا؟ كيف ذلك؟! أهذا مقالى؟ أهذه كلماتى؟ هكذا فوجئ الكاتب المشهور بعد أن أبدى سخطه على المقال وأظهر استهجانه لأسلوب كاتبه! المقال مقاله والأسلوب أسلوبه.. فقط هو نسى. لقد كتب هذه الكلمات وصاغ تلك الآراء منذ زمن بعيد ثم تكاثرت الأحداث وتنوعت الآراء و... نسى.. هكذا ببساطة وجلَّ من لا يسهو! رد فعله كان طبيعيا جدا إلا لدى من يعشقون أنفسهم ويقدسون ذواتهم ومواهبهم وما أكثرهم! ربما لو تذكر أن المقال مقاله والكلام كلامه لتغير رأيه ولعله لاحظ حينئذ مدى الحكمة والبلاغة التى تقطر من حروفه، لكنه عندها لن يكون طبيعيا أبدا، ليس طبيعيا أن يتحجر المرء، ليس عاديا أن نظل مبهورين بكل ما صدر منَّا.. فقط لأنه صدر منَّا.

الطبيعى أن يراجع الإنسان نفسه، عادى جدا أن ترى اليوم شيئا قلته أو كتبته منذ سنوات فتشعر بمدى سذاجته أو بأنك لست قائله! وأن تندم.. من الطبيعى تماما أن تندم أحيانا وأن تتمنى أنك لم تتخذ ذلك الموقف أو لم تتعصب لتلك الفكرة وذاك الرأى، وليس هذا تقلبا كما قد يظن البعض فثمة فارق كبير بين التقلب والتطور، لكن للأسف البعض لا يدرك هذا الفارق ويخلط بين التطور الطبيعى للنظر والرؤية الذى ينشأ عن الخبرة والممارسة والاحتكاك المستمر بمصادر التلقى وبموارد المعرفة، وبين التقلب الحاد فى الأحكام والآراء، ورغم أن الفارق واضح فإن هناك من يصر إصرارا عجيبا على عدم التمييز بين الأمرين، فيحاكم الخلق باستمرار إلى سابق فهمهم أو سالف آرائهم، خصوصا تلك القابلة للصقل والتجويد المستمر بخلاف المبادئ والأخلاق والثوابت الواضحة المتفق عليها.

ولتستطيع التمييز بين المتقلب الهوائى وبين المتطور الساعى للفهم والتعلم المستمر والتغير للأفضل عليك ملاحظة عدة أمور، الأمر الأول السرعة التى انتقل بها وهل يتدرج فى الفهم والنظر أم هو كل يوم فى حال كريشة تتطاير فى يوم عاصف؟ الأمر الثانى هو الحدة وهل كان تقلبه بين الآراء والمواقف عنيفا قاسيا أم هادئا حكيما؟! الأمر الثالث الآليات والمعايير التى اتخذها ليغير رأيه أو فهمه.

تلك الأمور بملاحظتها يتبين لك هل يتعلم المرء ويفهم ويطور فكره ووجهة نظره، أم أنه يتقافر ويتقلب بين الأهواء والعواطف وتلعب به وبثوابته الظروف والمتغيرات. من دون تلك الأمور والنظر فيها فمن السهل أن تبرز التناقض بين المواقف والتصريحات لأى شخص فى مرحلتين مختلفتين، وذلك بسبب تغير الرؤية نتيجة مزيد من المعطيات أو ظهور ما خفى عليه ابتداء أو حتى معرفة الخطأ والتوبة عنه. حينئذ لا يسمى هذا تناقضا بل يسمى عودة إلى الحق الذى ربما خفى عليه أولا ثم عرفه آخرا، ولا يعد ذلك مذموما إلا عند ضعاف العقول أو المتربصين، بل الحقيقة هو شىء طيب وضده هو التصلب والحماقة والكبر التى تجعل المرء يصر على قوله وموقفه حتى لو تبين له خطأه. ويظل الثبات على المبادئ التى دفعت المرء لاتخاذ مواقفه هو الأصل الذى يقيم به الشخص ويُعلَم حقيقة كونه قد غيَّر تلك المواقف لهوىً فى نفسه أم أنه غيَّرها تبعا لهذه المبادئ الأصلية التى يعتنقها ولأنه يبحث عن الحقيقة والحكمة، حيث كانت فإن وجدها فإنه لا يتكبر عليها بل يقبلها ويرضى بها فإن الكبر بطر الحق كما ثبت عن رسولنا. ولا شك أن من أدرك طبيعة الأشياء منذ البداية ولم ينخدع بها أو يستخف بزيفها هو الأعمق رؤية والأصوب فهما ودراية والأجدر على التصدر لكن هذا لا ينفى حق الآخرين فى التصويب والتصحيح. المهم أن نعترف بالأخطاء ونتعلم منها بدلا من تزيينها والإصرار على تعظيمها وتقديسها لا لشىء إلا لأنها فقط آراؤنا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة