نقلا عن العدد اليومى...
جالسًا على حافة أرضة الزراعية البالغة 5 أفدنة، استأجرها من أحد جيرانه بمنطقة الصالحية القديمة مقابل 4 آلاف جنيه للفدان الواحد، يندب حظه على ما أنفقه من أموال لشراء أسمدة ومخصبات زراعية لزوم الزراعة وتحسين المحصول حتى يجنى أرباحا يقتات منها هو وعائلته الصغير ويسدد ما تبقى عليه من ديون الإيجار.
محمد عرفة البالغ من العمر 50 عامًا قال إن المخصبات الزراعية التى أنفق عليها قرابة 6 آلاف جنيه التى من المفترض أن تقوم بتحسين المحصول لا تجدى نفعا لأن جميعها تم تصنيعها دون الالتزام بأى معايير أو مواصفات ودون إشراف من وزارة الزراعة على الرغم من بيعها باعتبارها من منتجات المركز القومى للبحوث.
السيد ابوطرية احد الفلاحين المتضررين
وقال إن المخصبات والأسمدة الزراعية المغشوشة التى يتم تصنيعها على أنها أصلية وبمعرفة المركز القومى للبحوث أطاحت بمحصوله من الطماطم ما تسبب فى خسارته وعدم قدرته على سداد ديونه التى تراكمت منذ بداية المحصول.
«عرفة» ليس إلا واحد من بين مئات الفلاحين بمحافظة الشرقية يعانون من أسمدة ومخصبات زراعية مغشوشة، لدرجة جعلتهم يبحثون ويفتشون عن صاحب تلك الفعلة.
وأضاف أن مصانع بير السلم لإنتاج وتصنيع الأسمدة والمخصبات الزراعية المغشوشة تبيع لحساب باحث بالمركز القومى للبحوث وهو من يقوم بتصنيعها بنفسه ويشرف على بيعها على حساب سمعة المركز القومى للبحوث وعلى أنها مخصبات وأسمدة تم تصنيعها بالمركز وتعطى أعلى جودة وإنتاجية للفدان.
بداية رحلة البحث
بالطابق الأرضى لعقار حديث البناء مكون من سبعة طوابق وسط الأراضى الزراعية بقرية كفر سعد التابعة لمدينة بنها بمحافظة القليوبية اتخذ أحد الباحثين بالمركز القومى للبحوث مكانا لتقليد وتصنيع المخصبات الزراعية والأسمدة المقوية للنباتات منذ عدة سنين، تحمل اسم وشعار المركز.
حرارة الجو المرتفعة تجبر الجميع على البقاء داخل منازلهم فيما تنتشر رائحة مبيدات وأسمدة زراعية فى المكان بحيث لم تستطع الأبواب الحديدية أن تحجزها رغم إحكام إغلاقها، يظهر شخص مرتديا جلبابا بدا للوهلة الأولى أنه من جيران المبنى الحديث تسأله عن مصنع الأسمدة الزراعية للتعاقد على شراء كميات من الأسمدة فيأتيك الرد سريعا «محدش موجود دلوقتى لأنهم بيشتغلوا من 9 صباحا حتى الساعة 12 ظهرا»، تسأل عن صاحب المصنع يجيب «الدكتور مش موجود بس هو بيته قريب من هنا خمس دقائق يبقى موجود»، لم يكتف بذلك لكنه قام بعرض رقم الهاتف الخاص بالدكتور صاحب المكان.
قبل ذلك التاريخ بعام ولمدة تقترب من ثلاث سنوات كان الباحث يستأجر طابقا أرضيا يستغله فى تصنيع منتجاته فى عقار قديم بحسب ما قاله الجار أبوعمر الذى يسكن الطابق العلوى مضيفا أن الدكتور العامل بالمركز القومى للبحوث استأجر لمدة تزيد عن الثلاث سنوات تقريبا هذا المخزن قبل أن ينتقل لمكانه الجديد.
«أبوعمر» لا يعلم تفاصيل أكثر من ذلك إلا أن إبراهيم مغاورى الذى يسكن فى العقار الخلفى المجاور لبناية الباحث، ويعمل مندوبا لتوزيع منتجاته فى محافظة المنوفية بمركزى تلا والشهداء يشير بيده قائلاً: «دا منزل الدكتور وكان مستأجر شقة لا تبعد سوى 300 متر من هنا لكن لما بنى البيت الجديد نقل حاجاته فى المكان الجديد»، واستكمل قائلاً: «الدكتور جارنا من قرية جمجرة ويعمل هنا من فترة كبيرة فى إنتاج المبيدات والأسمدة الخاصة بالمركز القومى للبحوث».
وتابع مؤكدًا أن الباحث رجل حاصل على الدكتوراة وصاحب علم وخبرة ولا يعمل بطريقة عشوائية، وهو استفاد من عمله بالمركز الرئيسى للبحوث فى مصر وأى حد يشترى منه يشترى وهو مطمئن لأنه يحصل على أوراق مختومة ولا يستطيع أحد معارضته «لأن كل حاجة مختومة بختمها» بحسب قول مغاورى.
وأكد «مغاورى» أنه يعمل مع الدكتور فى توزيع المنتجات من أول ما فتح من حوالى 10-12 عاما، مضيفا «يبقى معايا أجندة فيها كل الأصناف، وأغلبية توزيع المنتجات فى مدينة تلا بالمنوفية لاعتماد أهالها على زراعة الخضار مثل البطاطس أو الفاكهة مثل الفراولة».
ويعمل الباحث فى إنتاج المخصبات والأسمدة الزراعية يوميا من 9 صباحا بحسب «إبراهيم مغاورى» الذى يضيف عن مواعيد العمل يقول «مش دايما الدكتور موجود لكن لو عايزه نتصل عليه يجى فورا».
شكوى المزارعين
ابراهيم مغاورى أحد جيران الباحث
أبو طرية عبدالشكور، أحد المزارعين بمدينة الصالحية القديمة، صاحب مزرعة طماطم تبلغ مساحتها نحو 3 أفدنة، نصحه صاحب أحد محلات المبيدات بشراء منتجات المركز القومى للبحوث لتساعد على زيادة حجم الثمرة وسرعة نموها وزيادة النمو الخضرى للشجرة.
لم يتردد «أبوطرية» كثيرا فى اتخاذ قرار بشراء منتجات المركز القومى للبحوث فقرر شراء بوتاسيوم %40، وهيومات بوتاسيوم، وأحماض أمنية، انتظر ليرى الفارق بين الزرع قبل الرش وبعده لكنه لم يلاحظ سوى أن ورق شجرة الطماطم لف ونشف وبقى فى ورق محروق كما أن الثمرة لم تنضج.
محصول الطماطم الذى تمت زراعته فى بداية شهر يناير الماضى وتحديدا يوم 10 يناير كان من المفترض أن يبدأ جمعه بعد حوالى 110 أيام فى نهاية شهر أبريل إلا أن الثمار مازالت خضراء ولم تنضج بعد.
ويضيف: «لما القومى للبحوث أكبر جهة بحثية فى مصر تغش الدواء، أصحاب الشركات الخاصة يعملوا فينا إيه»، ويضيف: «العلبة مكتوب عليها اسم المركز فهى بالنسبة لنا تعنى تشترى وأنت مطمئن».
«الزرع بقى زى الطفل المشلول عايش بس مش قادر على الحركة»، هكذا يصف أحمد أبوالنصر أحد مزارعى مدينة الصالحية القديمة حال زراعاته بعدما استخدم عددا من منتجات المركز من بينها «الأمينو بلس» الذى يساعد فى زيادة النمو الخضرى وزيادة حجم الثمرة، إلا أن ذلك لم يحدث فبحسب وصف أبوالنصر فإن الثمرة أصبحت مشوهة غير قادرة على النمو بالإضافة إلى حرق الورق وضعف «النوار» الزهر.
المنتج الذى يباع تحت مسمى «أمينو بلس» عبارة عن أحماض أمينية حرة بنسبة %20 فمن خلال العبوة عرفته جهة الإنتاج أنه مستخلص طبيعى آمن يحتوى على خلاصة الفيتامينات والأحماض الأمينية الحرة والنشطة والستوكسنسات الطبيعية يستخدمه الفلاح لأنه يعمل على تحسين وزيادة النمو الخضرى من حيث القوة والشكل والتفريع والمساحة ويعمل على زيادة تركيز الكلوروفيل بالأوراق ويزيد من الكفاءة التمثلية والنشاط الإنزيمى.
كان «أبوالنصر» قد حرر محضرًا رسميًا ضد الدكتور «هشام» لبيعه أدوية ومنتجات زراعية مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات، وقال: «أخبرنا الدكتور بأنه يعمل فى مركز البحوث، وأنه توجد أدوية زراعية ومنتجات مفيدة للزراعة خاصة بمركز البحوث، وبعد استخدامها وجد أنها عبارة عن أدوية ومنتجات مغشوشة أدت إلى إتلاف المنتجات، وبعدما اشتكينا فى المركز عرفنا أن المركز القومى للبحوث لا يطرح هذه المنتجات للبيع بالأسواق، وأن هذه المنتجات منتهية الصلاحية».
وأضاف فى محضره أن البيع لتلك المنتجات تم منذ فترة زمنية طويلة، وأن هناك فواتير بخط يد الدكتور ومنتجات قام هو ببيعها لنا، وهناك أشخاص كثر أضيروا من تلك المنتجات، ولما حاولنا نرجع نستفسر منه عن أسباب ما حدث للزرع تهرب منا، وقال إن تلك المنتجات تم بيعها تحت أسماء «بوتاسيوم بلس %40»، و«أمينو بلس» ومنتجات أخرى.
أحمد ابو النصر مقدم البلاغ لتضرره من منتحجات المركزالكمقلدة
كما أرفق فاتورة خاصة بالأدوية والمنتجات التى يبيعها الدكتور ونجله بالصالحية، جاء بها أنه تم البيع لصالح أحمد نبيل منتجات «هيوماكس»، و«بوتاسيوم بلس»، و«هيومات بوتاسيوم»، و«أمينو بلس»، و«سولوجرين» بإذن صرف رقم 54 بإجمالى 8580 جنيهًا، بالإضافة إلى أصناف أخرى بلغ إجمالى بيعها 4650 جنيهًا، أما ما يستغرب له فهو أن الباحث رفض الحضور للتحقيق على الرغم من إبلاغه أكثر من عدة مرات.
شهادات موزعى المنتجات المغشوشة
أحمد إسماعيل الذى عمل سائقًا فى نقل المنتجات من مكان التصنيع ببنها إلى محل تابع للباحث بمنطقة مفارق الشرطة، بمدينة الصالحية القديمة بالشرقية، قال: «عملت فى نقل البضاعة بشكل دورى لنحو عام من بنها إلى الصالحية، كنت بنقل نقلة فى اليوم على حسب ظروف السوق، ويصل حجم النقلة الواحدة إلى طن ونصف الطن، ربما تمر بعض الأيام دون عمل، لم يكن مسموحًا لى الدخول إلى مكان التصنيع فكان هناك فردان يمنعان أى شخص يحاول الوصول إلى الداخل».
وأكمل السائق: «مهمتى تنتهى على أعتاب المحل بمدينة الصالحية، ليبدأ دور مندوبى التوزيع لعدة مدن، أهمها الصالحية القديمة والجديدة والحسينية وصان الحجر بمحافظة الشرقية».
أحد الأشخاص بمنطقة صان الحجر بالشرقية قال إن هذه المنتجات موجودة منذ نحو ثلاث سنوات بالأسواق، قائلا إن مُصنعها له تركيبة خاصة لا أحد يعلمها غيره.
وأضاف: خلال الفترة الأخيرة تزايدت الشكوك حول هوية المنتجات بعدما تناثرت معلومات حول حظر بيع منتجات المركز القومى للبحوث خارج المركز، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعارها إلى نحو 15 جنيهًا بعد أن كانت 25 جنيهًا، واصفًا ذلك بسياسة حرق الأسعار.
وأوضح أنت هناك نحو 9 منتجات مدون عليها اسم المركز القومى للبحوث تواجدت فى الأسواق تقريبًا منذ عام 2011، منها منتج «هيومات البوتاسيوم»، ومنتج «بوتاسيوم بلس %40»، ومنتج «أمينو بلس أحماض حرة %20»، متابعًا: «يوجد أيضًا منتج هيوماكس منشط نمو فعال يباع بعبوة سعة ربع لتر، بالإضافة إلى منتج ستوجين هرمون يساعد على التلقيح وتكبير الثمار تباع منه العبوة ذات السعة لتر»، مؤكدًا أن صاحب المنتجات ظهر خلال عام 2011 من خلال محلين بعقار واحد بمنطقة الصالحية القديمة بمحافظة الشرقية لترويج منتجاته.
عملية إعادة تعبئة المنتجات والمخصبات الزراعية لا تحتاج إلى أماكن واسعة، ولا معدات ثقيلة، فبحسب أحد العاملين يكفى عدد من البراميل البلاستيكية لخلط المواد ببعض، ومن ثم تعبئتها فى عبوات بلاستيكية تلصق عليها استيكرات تحمل اسم مركز إنتاج الأسمدة، مدون عليها تاريخ الإنتاج، ومدة الصلاحية، ورقم القرار 587، ومن الجهة الأخرى تحمل مكونات المنتج وفوائده بالنسبة للنبات، ثم تغليفها ثم وزنها قبل أن يتم وضعها فى كراتين.
ويكمل: «عملية التصنيع كلها يدوية لا تحتاج إلى عمالة محترفة، ولكنها تحتاج إلى مندوبى توزيع ذات شهرة واسعة وثقة لدى أصحاب محلات الأدوية والمخصبات الزراعية، لإنتاج محلول البوتاسيوم يتم شراء عبوات بوتاسيوم ذات تركيزات عالية، ثم بتخفيفها بالماء وإضافة سماد سلفات البوتاسيوم بتركيز %52 وخلطها جميعًا لمدة ساعتين حتى يتحول إلى الشكل السائل، ثم إضافة مادة لإضفاء لون مائى أو لون زيتى على المنتج الجديد ثم مواد لزجة لتحسين قوام المنتج، ونسبة من هرمونات النمو».
الجدير بالذكر أن معظم تلك المنتجات تعتمد على وجود البوتاسيوم باعتباره أحد العناصر الكبرى المغذية للنبات، وله دور فعال فى رفع التمثيل الغذائى له، ومواصفات الجودة للثمار التى تشمل اللون والحجم والطعم، وكذلك تعتمد معظم المنتجات على منظم النمو «الجبريلك أسيد» و«السيتوكنين» الذى يعمل على تغيير لون الثمرة وحجمها.
وبإجراء تحليل لعدد من العينات الموجودة بالأسواق، وجد أن نسبة تركيز البوتاسيوم فى منتج «البوتاسيوم بلس %40» لا يزيد على %4.7، فى حين أن النسبة فى العبوة المشتراة من المركز كانت %16.6، وهو ما يعنى أن المادة الفعالة قليلة جدًا.
من جانبه، قال أحد الباحثين بالمركز القومى للبحوث، والذى طلب عدم ذكر اسمه، إن المركز لا يبيع تلك المنتجات خارج أسواره، وتتم عملية البيع داخل المركز وفق إجراءات رسمية، مضيفًا أن منتجات المركز مضمونة.
وعن انتشار منتجات تحمل اسم المركز، قال: «ممكن حد يشترى كميات من المركز بالطرق السليمة، ويقوم ببيعها فى الأسواق»، مضيفًا: «كرتونة الأدوية اللى ممكن تشتريها من المركز ممكن تعمل عليها أطنان»، فى إشارة إلى الأدوية «المضروبة».
عدد الردود 0
بواسطة:
Tarek
Very good to fight commercial cheating
عدد الردود 0
بواسطة:
Omar nsrelden
مجهود متميز
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو صيام
الزراعة تنهار على ايد هؤلاء الافاقين
عدد الردود 0
بواسطة:
شروق عمر
اخيرا
عدد الردود 0
بواسطة:
مختار الابراهيم
تحقيق ممتاز