د. محمد نعمان جلال

المسلمون بين المبادئ السامية والسلوك المتناقض

الأربعاء، 08 يوليو 2015 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاء الإسلام إلى هذا الكون فى القرن السابع الميلاد فى شبه الجزيرة العربية وكان بمثابة ثورة على القيم الجاهلية والسلوك الجاهلى وقدم نموذجا راقيا للبشرية.. حتى إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم وصفه القرآن الكريم بقول الله تعالى: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".. كما عرف محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام قبل الإسلام بأنه "الصادق الأمين وذو الأخلاق الحميدة"، وقال الله سبحانه وتعالى: "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة"، وهكذا جاهد النبى فى الله حق الجهاد وقاوم نوازع نفسه وقال لأعرابى هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد فى قريش، وأكد لصحابته الكرام وهو عائد من إحدى الغزوات "رجعنا من الجهاد الأصغر للجهاد الأكبر"، فسألوا ما هو الجهاد الأكبر فقال "جهاد النفس".. لم يقل الحرب أو القتل الذى هو من أكبر الجرائم لقوله الله تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا".. اليوم يجد من ينتسبون للإسلام ويزعمون العمل من أجل مبادئه أن قتل البشر مثل ذبح أحدهم لدجاجة أو اصطياد عصفور.. ويشن بعض المنتسبين للإسلام حربا ضد شعوبهم من أجل السلطة ومباهجها ناسين أنه "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء".

وناسين أن الدنيا دار مفر وأن الآخرة دار مقر.. وغير ذلك من الأقوال بل والآيات والأحاديث النبوية الشريفة.. الأعجب الادعاء من البعض بأنهم يعملون من أجل إعادة الخلافة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية أو نحو ذلك، ناسين أن الله خلق الكون، وهو أدرى بما يصلحه وأن النبى "ص" قال "خير القرون قرنى ثم الذى يليه ثم الذى يليه"، بمعنى أن العالم سوف يتغير ولن يسير على نهج الأنبياء وإنما على نهج البشر وما جبلوا عليه من حب المال والبنين والسلطة وما شابه ذلك، وناسين أن أفضل صحابة رسول الله وهم الخلفاء الخمسة، إذا أضفنا عمر بن عبد العزيز قد قتلوا وهم فى المسجد أو يقرأون القرآن، وإن من لم يقتل منهم يتردد أنه مات مسموما.. باختصار إن التكالب على الدنيا والسياسة والسلطة باسم الدين لا مجال له فى الإسلام وإن الدين تجارته لن تبور فى حين أن تجارة السياسة قد تبور، بل الأرجح إنها تبور.. وإن كثيرا ممن ينتسبون للدين خاصة من رجال الأحزاب أيا كانت مسمياتها بالإخوان المسلمين أو أنصار الشريعة أو أنصار الله أو جند الله أو حزب الله ونحوها، إن هى إلا أسماء سميتموها أيها البشر وأما حزب الله فى القرآن فهذا كان ينطبق على المسلمين الأوائل وليس على مسلمى عصرنا، الذين استباحوا قتل إخوتهم المسلمين من أجل السلطة وسعيا لها فهم طلاب دنيا واتخاذ الدين مطية للوصول إليها وليس العكس، كما هو مفترض.. ولم يكن الرسول ساعيا للدنيا وإنما كان مبلغ رسالة من الله وفقا لتعاليمه وتعاليم الله موجودة فى القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة للرسول وليست فى حاجة للأحزاب، التى تحمل أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وتقوم سفك الدماء من أجل السلطة وهم من أكثر الجهل بقيم الإسلام الصحيحة لأنهم غير مؤهلين لذلك، حتى ولو كانوا أتقياء علما بأن التقوى الحقيقية بعيدة عنهم لتناقض سلوكهم مع مبادئ الإسلام فى التسامح والصفح والعفو والدفع بالتى هى أحسن.. ان ما نجده من إرهاب منتشر باسم الإسلام كما هو حادث فى سيناء الحبيبة وفى العديد من المحافظات وفى سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو تونس وغيرها.. ليجعل أى مسلم حقيقى يتوارى خجلا مما يقوم به بعض المسلمين باسم الإسلام البرىء منهم جميعا.

إن المرء ليشعر بألم شديد وحسرة أشد لأن كثيرا من المسلمين لم تعد لهم صلة بالإسلام.. هذا الدين القيم وهذا الرسول الكريم، وهذا القرآن العظيم، لا نستحقه، بل لقد أضعناه فى أقدس مظاهره شهر رمضان، الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونحن نقتل بعضنا بعضا بدم بارد، بل دم مثل جلمود صخر حطه السيل من عل كوحوش مفترسة لا صلة لها بالإسلام وقيمه ومبادئه ولا صلة لها بأية إنسانية على الإطلاق، لأنه لا يمكن تفسير ما حدث فى مسجد الإمام الصادق فى الكويت أو فى مسجد فى السعودية أو اليمن أو مساجد عدة فى مصر فى رمضان منذ عامين أو ما يحدث من قتل فى الأنبار من قوات يفترض أن تقوم بالعكس ولكنها تسرق وتنهب وتدمر الديار أو من داعش فى سوريا والعرق وليبيا وغيرها أى دولة إسلامية وأية خلافة إسلامية أو أية إمامة إسلامية حاشا أن ينطق أى من الدماء محترفين القتل وسفك باسم الإسلام.. هل رأى أحد أن يهوديا يقتل أخيه اليهودى بغض النظر عن الطائفة فى المعبد أو يدمره وهل رأى أحد قيام مسيحى بقتل أخيه وهو يصلى فى الكنيسة بغض النظر عن مذهبه أو طائفته؟ وهل رأى أحد بوذيا أو هندوسيا يقتل أخاه وهو فى معبده؟ الوحيدون الذين يقتلون خارج عن كل القيم والمبادئ الإنسانية هم من يسمون بالمسلمين، وهذا اسم شريف وعظيم لا يجب أن نطلقه على أنفسنا إذا بلغنا هذه الحالة من التوحش اللاإنسانى.. إنه لا توجد دولة عربية أو إسلامية لا يسفك المسلمون دماء بعضهم بعضا باسم الدين أو الخلافة أو الإمامة أو نحو ذلك من المسميات.. إنها السياسة ياأيها الحقى والأغبياء وأعتذر عن استخدام هذه الكلمة ولكنها اقتباس من برنارد شو فى أحد كتبه لارتباطها بالسياق، فالدين أو الطائفة لا يمكن أن يسمح بمثل هذا القتل الوحشى فى الكويت أو العراق أو سوريا أو أى بلد إنها السياسة الغبية، التى تقوم على شهوة السلطة وتدمير الآخر أيا كان.. إن تاريخنا للأسف ليس ناصعا، بل هو ملطخ بالدماء وليس بدماء أعدائنا، إذ إننا نحن نسالم ونخضع للأعداء ونستأسد على إخوتنا فى الوطن والعقيدة أو الطائفة.. وحقا قال الشاعر: أسد على وفى الحروب نعامة.
إن المحرضين على كراهية الآخر أشد جرما من القتلة، وكما قال القرآن، الكريم "الفتنة أشد من القتل"، كما أن الصامتين أسوأ حالا كما قيل "الصامت عن الحق شيطان أخرس" والمنافقون هم ما يرفعون شعار السلمية علانية ويفعلون عكس ذلك كما لمسنا من كثير من سلوك من ينتسبون للأحزاب، التى تحمل أسماء إسلامية فهم أسوا سلوكا ممن لا ينتسبون للإسلام الحنيف.

إننى أتساءل بحزن شديد أين القيم الإسلامية؟ أين التسامح الإسلامى، الذى نتحدث عنه كثيرا ولا نعمل به ولو قليلا؟ وأين حرمة الدماء التى قال عنها الرسول الكريم فى خطبة حجة الوداع وأين حرمة أوطاننا ومساجدنا وبيوتنا وأرواحنا وأين حرمة شهر رمضان.. إننا بالقتل لبعضنا بعضا فى المساجد نرتكب ثلاثة ذنوب خطيرة سفك الدماء وحرمة المساجد وحرمة شهر رمضان وحرمة الصلاة للآمنين الركع السجود فهل يمكن لأحد منا أن يدعى أنه مسلم بعد أن يقتل أخاه وهو فى دار الأمان بالمسجد.. إن الوحوش المفترسة تستحيى أن تقتل بعضها مثلنا نحن الذين ندعى الانتساب للإسلام.

إننى أعتقد أننا فقدنا الوعى ونعيش فى غيبوبة عن ديننا وعن مبادئه القيمة ولا أدرى هل نحن مسلمين حقا أم إننا غير ذلك؟ أو هل نحن عرب حقا وأين الشهامة والنخوة العربية؟ ولقد كان كبار مكة قبل الإسلام لهم دار الأمان(دار الندوة) وحلف الفضول شاهد على ذلك، ولكن نحن ندعى الانتماء للإسلام فى القرن الحادى والعشرين ليس لأحد منا أمن ولا أمان ولا عهد ولا ذمة ولا حرمة؟ فنحن نقول ما لا نفعل ونعمل ما لا نقول ونكذب على أنفسنا وعلى ديننا وعلى طوائفنا وعلى أوطاننا وحتى الحضارة الأوروبية المعاصرة لم تصلح ممن يسمون مسلمين هاجروا وعاشوا، بل بعضهم ولد هناك فى دول غير إسلامية فعادوا يقتلون ويسرقون وينهبون وينتهكون كل الحرمات باسم الجهاد، الذى هو برىء من سلوكهم ولم يستبعد النساء والأطفال المجاهدين فى الشر لأن الجهاد الحق كلمة مقدسة لا يمكن أن نطلقها على من يفعلون تلك الجرائم النكراء ويجب ألا ينتسب احدنا أو الآخر للإسلام أو للطائفة السنية أو الشيعية لان الجميع متورط بصورة أو بآخرى فى تلك الجرائم من الأنبار والرمادى إلى مساجد الشيعة فى الكويت والسعودية وباكستان إلى مساجد مصر باسم الشرعية تلك الكلمة البريئة منا جميعا. ولكنها كما قال برنارد شو الكاتب الإنجليزى إنها السياسة يا غبى.. لا يقول لى أحد إنه يدافع عن هذا المذهب أو ذاك أن عبد المطلب جد النبى عليه الصلاة والسلام كان أكثر عقلانية من أى منا عندما تحرك أبرهة لهدم الكعبة وفى الطريق استولى على غنم عبد المطلب فذهب إليه وطالبه بإعادة غنمه فرد عليه كنت أظنك سوف تتحدث عن الكعبة فقال قولا بليغا "أن الغنم لى أما البيت فله رب يحميه".

إن الروح الإنسانية هى مسئوليتنا ولكن اختلاف المذاهب فأمرها متروك لله ويجب أن نتعامل جميعا كمواطنين فى دولنا ولقد كان الأوروبيون أكثر عقلانية منا عندما عقدوا معاهدة وستفاليا عام 1648 ليضعوا جانبا الحرب الضروس بين الكاثوليك والبروتستانت ونحن نتقاتل باسم مذاهبنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنا إننى أدعو السياسيين ورجال الدين بوجه خاص ليراعوا حرمة المساجد وحرمة النفس البشرية وحرمة الأموال والأعراض ويقف الجميع وقفة واحدة كل يراجع نفسه. إن الإسلام فى عصره الأول لم يعرف آيا من مذاهبنا هذه وان أهل بيت الرسول الأطهار وصحابته الكرام كانوا فى قمة التعاون والاحترام لبعضهم بعضا، ولم يقتتلوا مطلقا رغم اختلاف وجهات النظر وهذا حق كل إنسان أن يختلف مع الأخر ولكن ليس من حقه أن يلجأ للعنف باسم الدين.. إننا نقتل باسم الإسلام البرىء، ولكنها السياسة أيها الأذكياء أيها الحكماء.

أن الروائى التشيكى برخت له مسرحية جاء فيها أيها النيرون إن شيئا فى عالمكم خطأ" ولكننى ادعى أن عالمنا اليوم أصبح كله خطأ بل ربما نحن جميعا على خطأ لما يحدث ألان .إننى أدعو الخطباء وعلماء الدين أيا كان مذهبهم أو أوطانهم ليجلس كل منا مع نفسه ليراجعها مراجعة شفافة وصادقة عما ارتكب من تحريض باسم هذه الطائفة أو تلك.. إننى أدعو للتآخى جميعا باسم الوطن ولنترك الخلافات الدينية والمذهبية لله يحكم فيها يوم القيامة.

اللهم ارحم موتانا وشهداءنا فى مصر والكويت والسعودية واليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس وسائر بلاد العرب والمسلمين الذين راحوا ضحية للفكر الضيق والنظرة الطائفية البغيضة والصراع السياسى باسم الدين اللهم اهدنا الى صراطك المستقيم. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الحق

(إن الإسلام في عصره الأول لم يعرف أيا من هذه الأحزاب)

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة