نقلا عن العدد اليومى...
لم يكن إعلان نسبة النجاح المتدنية التى حصل عليها طلاب الثانوية الأزهرية هذا العام خبرا عاديا يمر على أحمد حامد الموظف بالتربية والتعليم، مرور الكرام لكنه الفتيل الذى بداخله كل هذا الغضب والحسرة.. فابنه ذو الـ16 عاما الطالب فى معهد البساط الأزهرى فى محافظة الدقهلية حصل على نسبة %55 وهى النتيجة غير المتوقعة، كما يقول الأب عن ابنه الذى يذاكر بمعدل 16 ساعة فى الأيام العادية، وما يعادل 18 ساعة فى موسم الامتحانات.
أبدى الأب أحمد صدمته مما أسماه بأسوأ نتيجة امتحانات فى تاريخ الثانوية الأزهرية، والتى لم تتعد فيها نسبة النجاح %28.1 فقط، بما يعادل 33796 طالبا من إجمالى 121 ألفا.. المكالمة التى حملت مشاعر ألم حقيقية من أب حزين على مستقبل ابنه ونادم على ما أنفقه من أموال من أجل تعليمه فى واحدة من أكبر المؤسسات التعليمية، حملت أيضا العديد من التساؤلات عن الكيفية التى أدت لخفض نسبة النجاح هذا العام، بعد أن كانت %41 العام الماضى؟.
القاعدة تقول إن التعليم كالجبال تنمو بالتراكم وتتساوى بالأرض مع عوامل التعرية.. إذا فهل تعنى هذه النتيجة أن %71.9 من الطلاب «فشلة» ولا يجيدون حتى القراءة والكتابة ولا يفقهون شيئا عن مناهجهم ولا تعليمهم وأنهم الوحيدون الذين يتحملون مسؤولية ما جرى؟ وما هو دور مسؤولى التعليم الأزهرى تجاههم ولماذا تركوا النتيجة إلى أن وصلت إلى هذا الحد؟
البداية، كما يقول الأب، أن «ابنه عندما كان فى الخامسة من عمره كان حافظا لـ12 جزءا من القرآن الكريم، وهى من أهم المواصفات التى من المفترض توافرها فى طالب الأزهر الذى تكون أولوية دراسته للمواد الشرعية من فقه وحديث وتفسير وغيره.. فكيف ننكر ذكاء طفل استطاع أن يحفظ 12 جزءًا من القرآن الكريم، وهو دون الخامسة، فالحفظ والتذكر مهارة تسير جنبا إلى جنب مع الإبداع والتفكير والابتكار ليصبح لدينا نبتة حسنة تفرحنا بنجاحها».. كلمات الأب هى أصل الحكاية.
التعليم الأزهرى الذى نشأ فى الأساس من أجل خلق جيل من الأئمة والشيوخ المستنيرين القادرين على فهم صحيح الدين والتفكير فيه، لم يتعارض مع محاولات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لتطويره عندما قرر تدريس العلوم الطبيعية مع مواد الفقه والشريعة، بهدف تأهيل عالم الدين للمشاركة فى كل أنواع الإنتاج والنشاط الإنسانى، إلى جانب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
منذ ذلك الحين أصبح كل من يلتحق بمراحل التعليم الأساسى الأزهرى عليه أن يدرس مواد العلوم الطبيعية والشريعة معا، والسؤال الآن بعد كل هذه السنوات.. هل كان عبدالناصر على صواب فى أن تتحمل حقيبة طالب واحد كل هذه الكتب أم أن الفهم الخاطئ لهذا القرار أوصلنا فى النهاية لنتيجة الـ%28.1؟
الخلطة السحرية
مقارنة بسيطة بين طالب الثانوية العامة والثانوية الأزهرية، قد تضع الصورة فى نطاقها الصحيح، خاصة بعد أن وصلت نسبة النجاح فى الثانوية العام هذا العام إلى %79.4 عن العام المنصرم بزيادة قدرها %3.
المقارنة قبل إجرائها لا تعنى أن التعليم العادى أفضل حالا أو أنه لا يعانى من مشكلات عدة، فكلاهما يشترك فى ضعف الإمكانيات ونقص الخدمات وأسلوب التدريس القائم على الحفظ والتلقين، هذا فى الوقت الذى يدرس فيه طالب الثانوية العامة 7مواد فقط، لكن ما بالنا عندما يكون الطالب مجبرا على دراسة 16 مادة مرة واحدة!.
«اللغة العربية والرياضيات والدراسات الاجتماعية واللغة الإنجليزية والعلوم» هى كل المواد التى يدرسها تلميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية فى التربية والتعليم، سواء الحكومى أو الخاص، فيما يدرس تلميذ الأزهر الذى لم يتعد عمره الثانية عشرة عاما، 4 مواد للغة العربية و4 مواد أخرى فى الشريعة إلى جانب المواد العلمية التى يدرسها تلاميذ التربية والتعليم، أضف إلى ذلك حفظ عدد من أجزاء القرآن الكريم بداية من الصف الأول الابتدائى إلى أن يختم القرآن الكريم فى الصف الثالث الثانوى، مع العلم أن بعض الامتحانات جزء منها شفوى والآخر تحريرى.
أما التعليم الثانوى فى التربية والتعليم فهو لا يزيد عن 7 مواد، أربعة منها تختلف حسب القسم الذى ينتمى إليه الطالب سواء كان «أدبى» أم «علمى علوم» أو «علمى رياضة»، فى حين يأتى التعليم الأزهرى ليشترك جميع طلاب الشهادة الثانوية فى 9مواد فى «اللغة العربية والمواد الشرعية والقرآن الكريم، واللغات» بينما يأتى الاختلاف فى المواد الطبيعية، لتصبح مأساة طلاب القسم علمى هى الأكثر شراسة فهؤلاء يدرسون إضافة إلى ما سبق مواد علمى علوم وعلمى رياضة معًا فى آن واحد ليصل عدد المواد إلى 16 مادة.
على الجميع أن يضع نفسه مكان ذلك الطالب ليس دفاعا عنه ولكن انتقادا لمنظومة لا تعرف كيف تدير أبناءها ولا تعرف ماذا تريد أن تعلمهم، وماذا تهدف من تعليمهم.. هل تريد أطباء ومهندسين أم دعاة ومشايخ أم أنها ترغب فى طالب يجمع الخلطة السحرية؟.
حسبة بسيطة تستطيع من خلالها التعرف على معاناة الطالب الأزهرى، فإذا كان من المفترض أن يذاكر تلميذ التربية والتعليم 4 ساعات يوميا، فيجب على تلميذ وطالب الأزهر أن تتراوح عدد ساعات مذاكرته من 12 ساعة إلى 14 ساعة يوميا، حتى يستطيع منح كل مادة ثلاثة أرباع ساعة مذاكرة، وهو مجهود جبار لا أحد يستطيع أن يتحمله.
حتى مجانية التعليم الأزهرى لم يعد لها قيمة، بعد أن دخلت الدروس الخصوصية جلباب الأزهر، فها هو أحد الطلاب فى القسم العلمى- طلب عدم ذكر اسمه- يعترف بأنه لم يذهب إلى المعهد الأزهرى قط خلال فترة الشهادة الثانوية وببساطة شديدة يرى أنه مضيعة للوقت، فهو لا يحصل على ما يريد من فهم للمواد التى يدرسها، و بالتالى فالحل كان بالنسبة له ولأهله هو الدروس الخصوصية، التى يدفعون لها مبلغ 1200 جنيه شهريا موزعة على النحو التالى، 250 جنيها لمواد اللغة العربية الأربعة و250 جنيه لمواد الرياضيات و250 جنيها لمادة الأحياء شهريا و200 جنيه لمادة الكيمياء و250 جنيها لمواد الشريعة الأربعة.
حالة هذا الطالب يجب التوقف عندها للتعرف على المنظومة التعليمية التى لم تهتم فيها إدارات المعاهد الأزهرية بمتابعة التلاميذ حضورا وانصرافا، ولم تتخذ أى إجراء ضد الطلاب الذين يتغيبون عن دراستهم بل ولم تعالج المشكلة الأساسية التى أدت إلى أن يفضل الطالب الدروس الخصوصية عن الذهاب إلى مدرسته.
الرسوب ثمرة الإصلاح
الرد الفورى الذى جاء على لسان الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، لتفسير سبب نسبة الرسوب المرتفعة فى الشهادة الثانوية الأزهرية، كان على النحو التالى «نسبة النجاح فى الدور الأول للشهادة الثانوية الأزهرية هذا العام ليست النهائية كما يحاول البعض تصويرها فهى خاصة بالناجحين فى الدور الأول فقط، فما زال هناك الدور الثانى وحتما سترتفع نسبة النجاح بعد ضم نسبة الناجحين فى الدورين معا، وربما تتضاعف هذه النسبة مرة أو أكثر».
هذه العبارة تعكس كيف ينظر مسؤول بقامة وكيل الأزهر للأمور، فما يهتم به هو المحصلة النهائية للدورين الأول والثانى معا، بصرف النظر عما تعنيه نتيجة الدور الأول، وكأن المبتغى هو النجاح ولو بدرجة واحدة، وهذا هو الفرق بين القائمين على التعليم فى بلداننا والتعليم فى البلدان المتقدمة والذين لا يشغلهم النجاح لأنه أمر طبيعى، ولكن ما يشغلهم هو نسبة المتفوقين دراسيا كل عام.
تفسيرات إضافية يقولها وكيل الأزهر وهى أن «النتيجة تعد أولى ثمار الإصلاح بسبب الإجراءات الصارمة التى اتخذت لضبط سير الامتحانات بهدف إعطاء كل طالب حقه على حسب مستواه العلمى وتحصيله خلال العام الدراسى»، ولكن نسى شومان أنه من المفترض قبل أن يتحدث عن الإجراءات الصارمة التى اتخذها، أن يحدث إصلاحا ملموسا للمنظومة التعليمية منذ بداية العام، يمنع غياب التلاميذ والطلاب عن فصولهم، يضع خطة منطقية فيما يتعلق بالخلط المفزع بين العلوم الطبيعية والشرعية والأعباء الملقاة على الطالب، يدرب المدرسين على كيفية تطوير أدواتهم، ويفكر كيف يدخل منظومة التعليم الإلكترونى كخطوة نحو التغيير، لأنه ببساطة إذا كان الأساس سليما وصحيحا ستكون النتائج حتما سليمة وصحيحة، فيكفى أن تعرف أن دفعة طلاب الثانوية الأزهرية التى حظيت هذا العام على أعلى نسبة رسوب، كانت نسبة نجاحها فى الدور الأول للشهادة الإعدادية تصل إلى 50.5% عام 2012!
التحويل مفتاح السر
لمعرفة الأزمة الحقيقة التى يعانيها التعليم الأزهرى، يكفى أن تعرف أن الكثير من الطلاب سنويا يرغبون فى التحويل من التعليم الأزهرى إلى التربية والتعليم، وهذا باعتراف الشيخ جعفر عبدالله، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، والذى أكد فى تصريحات صحفية له أن نسبة الإقبال على التحويل كبيرة، لكنها غير محددة حتى الآن، فيما يتوقع البعض أن أرقام من يرغبون فى التحويل تتراوح ما بين الـ40 ألف طالب و80 ألف طالب.
نقطة أخرى لا يلتفت إليها القائمون على هذا النظام التعليمى ولهم حجتهم فيها، وهى أنه لا فرق بين الطالب المتفوق والطالب المهمل فى كل مراحل التعليم، اللهم فى الصف الثالث الثانوى الذى يتحدد بناء عليه الكلية التى سيلتحق بها، فجميع الطلاب ينتقلون مباشرة إلى مرحلة الثانوية العامة بعد الشهادة الإعدادية بصرف النظر عن درجات نجاحهم، أضف إلى ذلك أن كل طالب له مقعد داخل كليات الأزهر حتى لو حصل على نسبة %50 فى الشهادة الثانوية.
الخريطة الجامعية الأزهرية اختلفت هى الأخرى بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر رقم 103 لسنة 1961م بإنشاء كليات للطب والهندسة والصيدلة والزراعة والتجارة واللغات والترجمة والعلوم والتربية وطب الأسنان داخل جامعة الأزهر، فلم يعد أحد أهداف طالب الأزهر التخصص فى العلوم الشرعية، وبالتالى انخفض تنسيق كليات أصول الدين والدعوة، فعلى سبيل المثال استقبلت كلية «الدعوة الإسلامية وأصول الدين» من قسم أدبى بنين العام الماضى الحاصلين على نسبة %50.48، وبالتالى يصبح أصحاب الدرجات المنخفضة هم من يدرسون أصول الدين، ومن المفترض أن يخرج منهم إمام المسجد الذى تصلى فيه أنت وأولادك ولا يردد علينا سوى ما حفظه دون تفسير أو تفكير.
ولكى تخرج المؤسسة التعليمية الأزهرية من هذا المسار المظلم على المسؤولين فيها أن يستمعوا لشكوى أبنائها يتعرفون على الأسباب التى تدفع الكثيرين منهم سنويا للهروب إلى التربية والتعليم.. عليهم أن يبحثوا عن طريقة تخفف من الحمل الثقيل الملقى على كتفى تلميذ لم يتجاوز عمره بضع سنوات.. وقبلها عليهم مخاطبتهم كأطفال عندما يشرحون لهم باب «الإلهيات»، يجب إيجاد طريقة سهلة لشرحها وتبسيطها قدر عقولهم دون أن يكون الهدف أن يحفظها الصغار ويرددونها كالببغاء، مع ضرورة فصل قسم العلمى إلى علمى علوم و علمى رياضة، ويجب أيضا أن يتمتع الطالب بقدر من الحرية والاختيار فى المواد التى سيدرسها خاصة فى الشهادة الثانوية، فلا مانع أن تقل عدد مواد الشريعة فى الأقسام التى لا تتخصص فى هذا المجال وهى العلمى والقسم الأدبى، بحيث يدرس الطلاب فيها مادة أو اثنتين من مواد الشريعة على الأكثر، بينما يجب الاهتمام بقسم العلوم الإسلامية وهو قسم حديث على الثانوية الأزهرية يتم تدريسه فى معهد واحد فقط داخل كل محافظة على الرغم من انها تجربة جديرة بالتعميم على كل المعاهد، وتحتاج فقط لتمييز الملتحقين به بطريقة لا تجعلهم يشعرون أن نهايتهم مرتبطة بكليات الدعوة الإسلامية التى أصبحت ملجأ لكل من لا يحصل على نتيجة مرتفعة فى الشهادة الثانوية، فيجب أن يصبح من أهم شروط الالتحاق بهذه الكليات التخصص فى هذا القسم فقط دون غيره والحصول على درجات مرتفعة، وبالتالى ينضم إليه الطالب وهو راض ومدرك لما سوف يدرسه، وقتها سيكون المجتمع هو المستفيد من وجود داعية وإمام محب لمجاله، واختار أن يصلى بالناس دون أن يدفعه التنسيق إلى ذلك.
عدد الردود 0
بواسطة:
مجرد رأى
تحقيق رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
منال البشاري
مقال اكثر من رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
AMROU
الجد العمل لا النباح
عدد الردود 0
بواسطة:
مرمر
المطلوب هدم التعليم الازهرى .