أعود فى بداية مقالى هذا إلى يوم هام فى التاريخ المصرى المعاصر ألا وهو يوم 3 يوليو 2013.
وبدون الدخول فى تفاصيل سردية لأحداث هذا اليوم أدخل مباشرة إلى النتائج، تلك النتائج التى لم تكن غاية فى التشجيع على الاطمئنان، فرغم اجتماع الداخل على فكرة إبقاء رئيس ونظامه فى سدة الحكم وقرروا القيام بأكبر تجمع بشرى فى التاريخ المعاصر، وبدون الصورة الواضحة لم يظهر للعالم الخارجى أن ما حدث كان ثورة بل إن هناك ثورة قامت على إثرها أتى الشعب بصور ديمقراطية برئيس منتحب من المدنيين ثم أطاح به تحرك من الجيش دون أدنى مراعاة لحسابات الموقف الداخلى .
بقيت الصور غير واضحة لمدة طويلة و عجزت قدراتنا الدبلوماسية على توضيح الأمور، و لولا ما قدمته لنا الدول الدول العربية بالإضافة إلى روسيا و الصين لكانت الدولة عاشت حالة من الإنعزال عن العالم، لقد عكس هذا الموقف نقطتين غاية فى الخطورة فيما يخص تعاملنا الخارجى، الأولى ضعف أدواتنا الإعلامية و الدعائية المؤثرة و الفعالة فى الخارج، و الثانية هى عدم توفقنا خلال حقبات طويلة فى بناء علاقات متينة و وثيقة مع شريحة مهمة من المجتمع الدولى .
يجب إن نتكلم أولا على أسباب قيام العلاقات بين الدول، فهى تقوم لأسباب تاريخية أو روابط حدودية أو وجود مصالح و منافع إقتصادية مشتركة أو خدمة مصالح سياسية و إستراتجية على الساحة الدولية .
وتقدر قيمة العلاقة بحجم القدرة على توثيقها من خلال التفهم المتبادل للأوضاع الداخلية للدول، و تدعيم المصالح و الروابط الإقتصادية و الإجتماعية و حتى الأمنية، و تعتبر فكرة وجود مصالح و روابط نقطة قوية جدا لإستمرارية أى علاقة دبلوماسية حتى مع عدم وجود الرغبة من داخل حكومات تلك الدول .
وعلى سبيل المثال " العلاقات الأمريكية – الصينية " التى مازالت مستمرة رغم كل ما تقابلها من صعوبات كثيرة، و هى إختلافات أساسية تتعلق بالإيدولوجيا و العقيدة السياسية و الإجتماعية لمجتمعات كلا البلدين، فحجم المصالح الإقتصادية و التبادلات التجارية و التنسيق حول كثير من الملفات العالمية لا يمكن إن يترك بدون ترتيب .
و يقدر نجاح العلاقة بحجم ما تستطيع إن تقدمه من نتائئج إيجابية تتمثل فى زيادة أحجام الإستثمار المباشر بين الدول و التبادل التجارى و القدرة على الدخول فى منحنيات إختبار و الخروج منها بصورة آمنة .
بالعودة إلى مصر نجد إن مصر تمتلك أربعة محاور رئيسية تستند إليها العلاقات المصرية بالعالم الخارجى ألا و هى المحور العربى، المحور الأفريقى، محور العالم الإسلامى، و المحور المتوسطى، و يجب إن تدرك مصر أهمية الإستفادة القصوى من جميع تلك المحاور الأربعة، يجب إن ندرك أهمية إن هذه المحاور الواسعة و الكبيرة – لحسن حظ المصريين – هى مصدر تقريبا للتواجد فى مناطق واسعة و إقامة شعبية على مستوى العالم و كسر اى حصار مستقبلى سواء إقتصاديا أو ثقافيا أو حتى حضاريا قد يفرض علينا فى المستقبل من العالم الخارجى، العرب هم محور الأمان و الإمداد الأول و يجب وصل كل النقاط به و تسوية كل أوجه الخلاف بأى ثمن لأنهم محور الأمان، أفريقيا هى السوق المستقبلى الأمثل لمصر و كل مستقبل توسع مصر فى الإنتاج و التنمية و التصدير، العالم الإسلامى هو مجموعة من الدول المختلفة فى الحضارات و الطبيعة و المجتمع تربطنا و لديهم مجموعة متعددة من العلاقات الدولية المختلفة و هم فرصة للإنفتاح بشكل أوسع على العالم والمحور المتوسط و منطقة متميزة لتنشيط خطوط التبادل التجارى و النقل البحرى و تعلم مجموعة من الثقافات الجديدة المتطورة و الإطلاع على مركز الحضارة الموجود فى أوروبا .
و هنا أطرح سؤالا ً مهما " كيف نبنى علاقات خارجية بشكل صحيح ؟ ... "
و تكمن الإجابة فى نقاط واضحة ....
( 1 ) السياسة الخارجية لا يجب إن تقوم سوى بتطوير القدرة الإقتصادية و الإجتماعية، و هذا سيؤدى لإرتفاع الوزن النسبى لمصر فى العالم الخارجى، فالوزن الحقيقى لنا و زيادة قدرتنا على التأثير لن يكتملوا إلا بوجود مصر كدولة لها أدواتها الإقتصادية التى تستطيع من خلالها تشكيل أوراق تأثير و ضغط عالمية لتحقيق مصالحها و أهدافها الإستراتيجية، مع عدم إغفال مبدأ المنفعة المتبادلة .
( 2 ) إيجاد دائرة من العلاقات تكون مزيجا ً من دول المحاور الأساسية لعلاقتنا و جزء أخر قائم على المصالح و التعاون المشترك المطالب دائماً بتحقيق نمو و تقدم فيها، و هذه الدائرة ستوفر لنا الحفاظ على المنجزات الإقتصادية أولا ً، و فى المقام الثانى هى القوة الدولية التى توفر لنا تحت أى ظرف " كسر دائرة العزلة " التى قد تفرض علينا من أطراف خارجية يوما ما و عدم إضطرارنا للدخول فى صعوبات أو تقديم تنازلات لأطراف خارجية نحن لا نرغب فى تقديمها عن طريق توفير مساحة واسعة نستطيع التحرك و التحليق فيها بحرية .
( 3 ) إصلاح مفهوم " الدبلوماسية الشعبية " و طريقة قيامها و تشكيلها، الدبلوماسية الشعبية يجب إن تهئ و تؤسس و تصبح لها منظمة عمل متكاملة و إستراتيجية فى رسم ملامح العلاقات مع الدول و المؤسسات الدولية لتأصيل علاقاتها بمصر، يجب إن تتشكل من قمة النخبة و من هم لهم علاقات قوية بالمؤسسات الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية فى مختلاف دول العالم، يجب إن تضم أفضل من تملكهم مصر من مثقفين و مفكرين و علماء و اطباء و أقتصاديين و أكاديميين و أيضا عاملين سابقين فى السلك الدبلوماسى من السفراء المشهود لهم بالكفاءة و النجاح، يجب إن يكون بإمكان الدبلوماسية الشعبية التعاطى مع المؤسسات المختلفة فى الداخل المصرى حتى تستطيع إن تؤثر بها فى الخارج من خلال المؤسسات المتحكمة فى مجتمعات الدول أكثر منها حكوماتها، فخطاب الشعوب أولا ً قبل الحكومات يغذى روح التفاهم و الحوار بين الحكومات كخطوة متقدمة مبنية على أساس الرغبات المجتمعية للدول .
يجدر الإشارة إلى إن العام الماضى، حققت السياسة الخارجية المصرية تقدما ً ملحوظا ً، استطاعت فيه تقديم وجهات نظرها فى مختلف القضايا الإقليمية و الدولية بشكل جيد، أبرز بدء عودة الإتزان و تحديد الأهداف للدولة المصرية على الساحة الخارجية، و يجب دائما إن نضع فى الحسبان إن بقاء مصر فعالة خارجية يخدم أهدافها الحضارية بل يخدم بقاء هذا المجتمع حيا ً .
أحمد ايمن يكتب: العلاقات الخارجية.. واستدامة البقاء
الجمعة، 24 يوليو 2015 08:00 م
ثورة 30 يونيه
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة