شاركت خمس وأربعون كراكة فى مشروع قناة السويس الجديدة ورفعت أكثر من 259 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه فى أكبر عملية تكريك فى التاريخ، ونظرا لهذا الإعجاز كان لابد لوكالة أنباء الشرق الأوسط القيام بجولة فى إحدى هذه الكراكات العالمية، فكانت الجولة على ظهر الكراكة سيرس 2 (CYRUS 2) ضمن أسطول تحالف التحدى والتابعة لشركة بوسكاليس الهولندية Boskalisوالعاملة فى القطاع الثالث ( لوط 3).
تجدر الإشارة إلى حرص هيئة قناة السويس على توفير كافة سبل الأمان للقيام بهذه الجولة (سترة أمان وغيرها من المستلزمات لارتدائها أثناء الإبحار/ محاضرة عن كيفية التصرف فى المياه وعلى ظهر الكراكة)، بالفعل قامت بجهد مشكور، وبالطبع الشكر أولا وأخيرا للفريق مهاب مميش رئيس الهيئة.
ينتاب أى مصرى الإحساس بالفخر عند إبحاره فى قناة السويس الجديدة التى انصهر الكل فى بوتقة واحدة لإنجازها وانصب فى ساعد واحد تحت قيادة حكيمة وإرادة واعدة.
جولة بالكراكة سيرس 2
وعقب الوصول إلى الكراكة التى قد بانت ككوكب حدوده النور والصفاء، وبعد الترحاب الشديد من قبل الكابتن جوهان باكير (JOHAN BAKKER)، تم عرض فيلم وثائقى عن تاريخها وإمكاناتها الضخمة وطبيعة مهمتها فى مشروع قناة السويس الجديدة.
وبسؤاله عن التجربة التى خاضها من خلال العمل فى هذا المشروع، قال باكير" أشعر بالفخر لمشاركتى فى هذا المشروع وخاصة أننى مع طاقمى الذى أعتز به، فالمشروع كان تحديا كبيرا لكى ينتهى فى الميعاد المحدد وشيئا مستحيلا، ولكنه الآن يشارف على الانتهاء..فهذا شيء مذهل بالطبع".
وأضاف "إن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى يتمتع برؤية بعيدة المدى لاتخاذه قرارا بتنفيذ هذا المشروع المذهل خاصة أنه يطمح إلى عمل تطوير كامل لمنطقة قناة السويس ولمصر وهذا سيعود بالنفع على المصريين، حيث سيوفر فرص عمل كثيرة، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات وتحسين فرص المعيشة".
وتابع: "إن كميات التكريك فى هذا المشروع بأكمله مذهلة، وكانت غير مصدقة فبالطبع أنا فخور بمشاركتى فى هذا المشروع التاريخى.. معربا عن أمله فى حضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة المقرر له السادس من شهر أغسطس المقبل".
ورحب كابتن الكراكة سيرس 2 جوهان باكير بالمشاركة فى تطوير ميناء شرق تفريعة بورسعيد الموكل تنفيذه إلى هيئة قناة السويس والذى يتطلب تكريك نحو 100 مليون متر مكعب (وفقا لمدير المكتب الفنى لمشروع قناة السويس الجديدة المهندس محمد جمال).
وأكد جوهان قدرة القناة الجديدة على استيعاب سفن الجيل الرابع المستقبلية..و قال "إن قناة السويس الجديدة قادرة على استيعاب تلك السفن بسبب عمقها الكافى جدا وكذلك عرضها".
وعن مشاركته فى أى مهمات أوعمليات تطوير بقناة بنما، أجاب بالنفي" لم نقم بأية مهمات هناك وأعتقد إن الجانب الصينى هو الذى سيشارك فى عمليات التطوير"..مبينا أنه عمل فى الإمارات بمشروع (جزيرة النخلة) بالمرحلة الأولى، وميناء خليفة بأبوظبى، وجبل على بدبى، السعودية بمنطقة الجبيل، وفى ليبيا، وقطر بمشروع رأس لفان بالقرب من مطار الدوحة، وفى إيران أيضا.
واستطرد جوهان قائلا: "بعد خبرتى الطويلة فى البحر (35 عاما) والمشاركة فى كل هذه المشروعات، فمشروع قناة السويس الجديدة هو "مشروع العمر بالنسبة لي" وأنا فخور بالعمل به جدا وسأحكى عنه لأولادى وأحفادى ولكل شخص أقابله وعن الأيام التى قضيتها هنا.. بالطبع الكل يعرف (قناة السويس) كممر ملاحى عالمى..فمهما كانت المشروعات التى عملنا بها كبيرة، يبقى هذا المشروع مميزا وله طابعه الخاص..فكلها لا تقارن أبدا بهذا المشروع الضخم".
ومع خبرته فى مجال النقل البحرى، حدثنا عن رؤيته لمشروعات تنمية محور قناة السويس وتطوير الموانىء قائلا" إن السعر والجودة والوقت من الأمور المهمة جدا، ولتحقيق منافسة فعالة يتوقف الأمر على جودة الخدمة وسرعتها..مؤكدا فى هذا الصدد أهمية المشروعات الاستثمارية فى المنطقة المحيطة بقناة السويس، مشيرا فى هذا الصدد إلى اهمية الموقع الاستراتيجى لقناة السويس.
آلية عمل الكراكة ومهام طاقمها
وتطرق كابتن الكراكة سيرس 2 جوهان باكير للحديث عن آلية عمل الكراكة التى يبلغ عدد طاقمها 27 فردا ويعملون فى ورديتين، وقال: إنها عندما تحصل على كمية التكريك تضخها فى مواسير عائمة لتتجه بعد ذلك إلى أحواض الترسيب وتتم مراقبة هذه المواسير لحل أية مشكلات تنتج من ضخ كميات الرمال المشبعة بالمياه.. وإذا حدث أى انسداد بها فانه يؤثرعلى عمل محركات الكراكة.
وأضاف أن الكراكة ـ من نوع cutter (قاطعة) ـ تختلف عن الكراكات الهوبر التى تتحرك إلى مكان الضخ، كما أنها أقوى منها، لكن الهوبر أكبر فى الحجم.
وبين أن مهمة الكابتن هى أولا الحرص على أمان الطاقم العامل، والحصول على أعلى إنتاجية ممكنة بطريقة آمنة، والالتزام بأعلى درجات الأمن والسلامة للعمل فى البحر.
وعن العمق الذى تعمل عليه الكراكة الآن، قال إننا نعمل على عمق 24.5 متر بالإضافة إلى التنظيف وتسوية الأعماق..مشيرا إلى أنه يستعين بالبرامج المساحية فى متابعة ما يجرى من أعمال، موضحا إن أقصى عمق تكريك لها هو 26 مترا أى نحو78 قدما.
و عن مهمات الغطس التى تقدمها هيئة قناة السويس من خلال قسم الإنقاذ، قال " فريق الإنقاذ التابع للهيئة قام بعمل معاينة للكراكة من العمق للتأكد من سلامتها وصلاحيتها للعمل فى مشروع القناة الجديدة".
وعن توفير الوقود والمياه لإدارة المحركات ولطاقم العمل والغذاء، أكد أنه يتم توفيرها كافة فى المواعيد المحددة.
وبشأن وجود الكراكة فى المشروع عقب انتهاء أعمال التكريك تحسبا لأى أعمال أخرى تطلبها هيئة قناة السويس، قال باكير" إن الكراكة ستنتهى من أعمال التكريك بالمشروع وستغادر على الفور..مبينا إن الأعمال ستنتهى فى 28 يوليو الجارى وتحتاج إلى أربعة أو خمسة أيام لتجهيز الكراكة للإبحار ومغادرة المشروع".
وألمح إلى مكانة (بوسكاليس) كشركة عالمية، قائلا إنها تعد ثانى أكبر شركة فى العالم فى أعمال التكريك بعد شركة جان دو نيل البلجيكية، مضيفا" لكن شركتنا الأكبر ككيان".
وعقب انتهاء الحديث فى هذا النطاق، صحبنى الكابتن فى جولة بجميع وحدات الكراكة، كان أبرزها غرفة تشغيل التكريك حيث استمعت لشرح مفصل من المسئول عن أعمال التشغيل توماس سيميناسكس (Tomas Semenauskas) حول كيفية مراقبة أعمال التكريك وتسوية الأعماق التى يصل العمق بها إلى أكثر من 24 مترا، وعرض بعض الصور على شاشات المراقبة التى تبين وصول الكراكة إلى أعماق (25.90 -، 25.88-، 25.89 - ).
وبين سيميناسكس، إن الإنتاجية كلها تتوقف على ما يراه فى الشاشات حيث يرى أحمال الماكينات وحركة الكراكة يمين ويسار حيث إنها تقف فى المركز وتتحرك فى الاتجاهين، وعلى ذلك يتم تحديد سرعتها.
ومن الأقسام المهمة فى الكراكة أيضا، غرفة المحركات الضخمة المكتظة بالآلات التى تعمل بطاقة هائلة.
تقييم إدارة الكراكات لـ (سيرس تو (CYRUS 2)
أطلعنى مهندسو إدارة الكراكات بهيئة قناة السويس على بعض الأمور الخاصة بهذه الكراكة، حيث أكد نائب مدير مشروع تكريك قناة السويس الجديدة المهندس أحمد فريد إن الكراكة سيرس تو التابعة لشركة بوسكاليس الهولندية من الكراكات المنتظمة فى إنتاجيتها طوال مدة المشروع بدون أى أعطال، وتعد إنتاجيتها فوق المتوسط.
وأوضح المهندس فريد إن أداء شركة (بوسكاليس) الهولندية متميز جدا سواء فى التكريك أوفى العمل الأرضى، أى التعامل مع أحواض الترسيب وصيانتها، فهى من أفضل الشركات فى أداء هذا العمل.
وأيده فى هذا مدير المكتب الفنى لمشروع قناة السويس الجديدة المهندس محمد جمال، الذى رافقنى فى جولتى وأفادنى كثيرا، قائلا" تعتبر الكراكة (سيرس تو) من أفضل الكراكات العاملة بالمشروع حيث إنها لم تسجل أى توقف نهائيا طوال مدة التنفيذ..مشيرا إلى إن تاريخ وصولها للمشروع كان يوم 14 ديسمبر الماضى، ودخلت فى خطة التكريك مباشرة فى اليوم التالى (15 ديسمبر).
وأضاف" إن شركة بوسكاليس الهولندية تعد ثانى أكبر شركة بالعالم فى صناعة التكريك وتمتلك أسطولا كبيرا من الكراكات، بالإضافة إلى المعدات البحرية والأرضية، مما يؤهلها للتنافس على أغلب مشروعات التكريك والحفر فى مختلف دول العالم".
وبين المهندس جمال بعض المواصفات الفنية للكراكة حيث ذكر إن طولها الكلى 107 أمتار، عرضها 19مترا، وأقصى عمق تكريك لها 26 مترا، أقصى سرعة للإبحار 11.5 عقدة..مشيرا إلى إن حجم إنتاجها حتى الآن بلغ أكثر من 13 مليون متر مكعب حيث إن معدل التكريك اليومى لها 60 ألف متر مكعب يوميا.
وبشأن مشروع حفر قناة السويس الجديدة، قال المهندس جمال: " يعتبر المشروع هو الأكبر فى تاريخ صناعة التكريك ومثل تحديا كبيرا جدا سواء للتحالفات أو بالنسبة لهيئة قناة السويس فعلى مدار عام كامل لم يحصل أحد من العاملين فى هذا المشروع القومى على راحة سواء كانت عطلة نهاية الأسبوع أو حتى عيدا قوميا أو دينيا".
واستعرض أبرز مهام المكتب الفنى لإدارة هذا المشروع الضخم وهي: مراجعة التصميمات الهندسية، مراجعة ومتابعة البرنامج الزمنى للمشروع وقياس الانحرافات عن البرنامج وإخطار إدارة المشروع، إصدار التقارير اليومية والأسبوعية والشهرية للعرض على الإدارة العليا للمشروع والهيئة وعلى السيد رئيس الجمهورية، إنشاء قواعد بيانات لمتابعة سير العمل بالمشروع، مراجعة واعتماد الرفع المساحى البحرى الختامى للمشروع.
وتابع: بالفعل عمل جبار لإدارة الكراكات بهيئة قناة السويس، لتنفيذ ما تبقى من أعمال حتى يتم التشغيل الرسمى للقناة الجديدة فى الموعد المحدد (السادس من شهر أغسطس المقبل).. وقبل هذا التوقيت سيتم عبور قافلة تضم ثلاث سفن عالمية ذات غاطس و حمولات مختلفة بالقناة الجديدة كتشغيل تجريبى يوم السبت المقبل.. وفقا لنائب مدير مشروع قناة السويس الجديدة المهندس محمد عادل.
فتحية كبيرة وشكر واجب لكل العاملين بهذه الإدارة من مهندسين وفنيين وغيرهم...فهم أبطال ملحمة أخرى ضمن ملاحم مشروع قناة السويس الجديدة التى يتعدد أبطالها كل فى تخصصه.
