محمد جلال الأزهرى يكتب: نسيان النسيان

السبت، 18 يوليو 2015 06:00 م
محمد جلال الأزهرى يكتب: نسيان النسيان ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحياةُ ليْسَتْ حالة ثابتة؛ بل يتخلَّلها فتراتٌ منَ الصعود والهبوط، تغرقنا الذّاكرة فى شلاّل من الأحداث، والمواقف تارةً، ونعيش حالة تعتيم تارة أخرى ساعة نفقدها، إنَّ لحياة الإنسان رؤية سينمائية ليست مشهدًا واحدًا وإنَّما مشاهد عدَّة ،وقد اعتدنا جميعًا أنْ يتمركز فى ذاكرتنا أشخاصٌ بصور شبحيةٍ بين بين ؛ أشخاص نذكر مواقف جمعتنا بهم وإنْ كنَّا لا نتذكر من تفاصيلهم الجسدية شيئا كثيرا ! فى بداية دراستى بجامعة الأزهرِ أذكر ذلك الشاب الذى كانَ يكبرنى بسنين، ظلَّ يرسبُ كثيرًا أو تأخر لأسباب أخرى لا أعرفها ؛ ما أعلمه أنَّه كان يكبر طلاب الفرقة الأولى، ودائما ما يسير معى فى جلباب قصير متسخ إلى حد ما، ما يشى بعدم اعتناء بنظافته الظاهرة ! كانَ متصوفًا بالمفهوم المحلى لمصطلح (التصوف) فكان يترك شعر رأسه أشعثا، لحيته كما لو كانت أرضًا من الحشائش لم يسويها محراثٌ، وكان يتبجَّح كثيرًا بملازمته للشيخ الشعراوى حتى أواخر أيام الشيخ؛ تُـرى أينَ هو الآنَ ؟ هل استطاع الصمود بتصوفه المسطّح هذا فى حياة كتلك ؛ وماذا فعلَ لحياته وبحياته، هل قدَّم لمجتمعه ما يستحق، أم ظلَّ نائمًا فى كهفه؟!
بما أنَّ الأزهر جامعة؛ بيئة خصبة، ورياض يانع لشتى الثقافات والحضارات، ومختلف الأيديولوجيات، والاتجاهات ؛ فلقد أتيح لى أنْ ألتقى أشخاصٍ على شاكلة مغايرة، فقد كانَ لذلك الطالب الأندونيسى "روحيانا" أو "أحمد" فى ذاكرتى صورة على قدر كبير من الإنمياز ؛ فصورة شخصه تقترب من تخوم الحلم، وإنْ لامست الواقع على استحياءٍ؛ كان مثالاً لطالب العلم الكلاسيكى، أجاد اللغةَ العربية إلى جانب اللهجة المصرية، مستذكرًا دروسه بجد ونشاطٍ لا يفلهما بأسٌ أو عارِضٌ يعرِض! كانَ "روحيانا" بالنسبة لى نافذة بانورامية أنظر منها إلى ثقافةٍ ومجتمعٍ لم أعهدهما، بل لم أطلع عليهما من قبل؛ إندونيسيا تلك الجزائر مترامية الأطراف، وذلك المجتمع المائى البسيط، كلَّ ذلك انعكس بوضوع على سلوكياته وأضفى طابعًا بسيطًا ينبئ عن معاش بسيط فى هذا البلد النائى الذى يكاد لا يسمع عنه أحدٌ؛ إلاَّ ما عالجته الكتب والدراسات على قِلَّتها ! أذكر كيف كان يغبطنى لأنَّنى من أبناء الفراعنة وسليل أجداد أقاموا الدنيا وشيدوها، آسفًا لما يراه من عادات وسلوكيات سيئة من بعض الطلاب أو فى شوارع القاهرة.. من خلالهِ تعلمت بعض عادات وتقاليد شعب إندونيسيا لتبقى فى ذاكرتى ومضات تخفت وتضيء، تقترب وتبتعد!

ففى النهاية يبقى ما هو نهائى؛ والذّاكرة حين تسترجع ما مرَّت به وآنست له، تبقى آلية الفحص والتمحيص، والحذف أمرًا له مردوده، فلكى نتذكر علينا أنْ ننسى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة