جميل أن يكون فى حياة كل منا قلوب نحبها وذات آثر إيجابى علينا، بل لمساتهم السحرية فائقة الجمال والروعة فى حياتنا، لكن لا تدع ذلك يلغى تفكيرك، فتنساق بلا رؤية ولا هدف تجاه حياتك، ولكن كن أنت ولا تفنى عمرك وموهبتك لتعيش حياة شخص آخر، مجرد نسخة منه متبع لها فى كل شىء، فتحاصر ذاتك بانتظار إبداعاته، بل تجد روحك وعقلك مسلوبة الإرادة، تعيش على نتائج فكره وعقيدته.
يقول آثر شوبنهاور: "نحن نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا لكى نصبح مثل الآخرين".. العمر قصير فلا تضيعه لتعيش حياة شخص آخر، قدر قيمة وقتك وحياتك، فإذا لم تقم بوضع رؤية واضحة وخطة تلتزم بها، فمن المحتمل أنك جزء من حياة شخص آخر يخطط لك وأنت دائماً على عتباته تنتظر، قف وأعد التفكير فى حياتك وفقاً لنفسك الحقيقية التى تعبر عن مكنون شخصيتك، فلا تقلد الآخرين، وتطمس هويتك وتشوه ملامحك، بل خذ من نهر إبداعاتهم وتفاعل معهم حتى تكون جديراً بمحاكاتهم، وتشكل لوحتك بتفرد وتتناغم معها، لينعكس ذلك عليك وعلى من حولك.. يقول جيم رون: "الشخصية ليست شيئاً ولدت به ولا يمكن تغييره، مثل بصمة الأصابع.. الشخصية شىء لم تولد به، وتتحمل المسئولية كاملة لتشكيلها كما تريد."
لا تحاول العبث بنفسك، وتقلد الآخرين فقط لتكون مثلهم أو لتنال رضاءهم، جرب ولو مرة واحدة أن تكون نفسك، وانتقِ ما تراه جيداً فى حياة من حولك، فذاتك لا تستحق منك أن تتجاهلها ففى مكنون روحها وأعماقها كنوز، حاول الغوص فيها واستخراج لآلئ هى فى انتظارك لتعيد اكتشاف بريقها.
الحياة لا تحتاج إلى نماذج وتجارب وصور مكررة بل ومتماثلة، بل تحتاج إلى من يضفى عليها من جمال ورقى ذاته، ويبدع فى لوحة فنية رائعة من جمال روحه، وفكره، ليساهم بأعمال مبهرة فى كينونة الكون العظيم، يقول ديل كارنيجى: "علمتنى التجربة أن أسقط فوراً من حسابى الأشخاص الذين يتظاهرون بغير ما هم فى الحقيقة".
أبحر فى ذاتك وتقبلها على ما هى عليه فالله سبحانه وتعالى خلقك فى أحسن تقويم، فلا تخجل ولا تتذمر مما أنت عليه، فقط تعلم المهارات واكتسب الخبرات، وأنت تدرك أبعادها وأعماقها، فالكثير منا قد يقلد دون تفكير أو تمحيص، ولا يدرك الأسباب والدوافع لدى الغير من تصرفات وأفعال، حتى وإن كان تقليدك لهم سيفيدك فسوف تتوقف عند نقطة معينة، قد لا تتعداها لأنك ببساطة لا تدرك أسبابها ودوافعها وأبعادها، مما قد يسبب لك الضرر الكبير، ففى النهاية لا يمكنك إلا أن تكون ذاتك، لأن كل إنسان يعبر عن ذاته هو الآخر.
ثق أن المقلدين بمرور الوقت تنكشف حقيقتهم، لأنهم لا يأتون بجديد، فقط يقوون روح التبعية، فيعيشون عالة على من حولهم، فأفضل لك مهما كانت ظروفك قاسية وما تمر به، أن تبدو على حقيقتك، كن أنت ولا تتجمل، وتتصنع بما ليس فيك، وتتغير من أجل الآخرين، وليس من أجل ذاتك، ففى النهاية الناس لا يعجبهم شيئا، فالتقليد لا يمنحك الثقة كأصحاب العقل والرأى السديد، والذى يجب أن تتسلح به لمواجهة المصاعب والابتلاءات التى ستكون بمثابة اختبار لفكرك وهويتك، فمن السهل أن تتبنى وجهة نظر غيرك، ولكنك ستبقى مقلداً جاهلاً للحقيقة، كأنك تحمل سلاحاً دون وعى، يقول ابن حزم الأندلسى: "أسرعُ الأشياء نمواً أسرعها فناءٌ، وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً، وما دخل عسيراً لا يخرج يسيراً".
إذا أردت أن تحيا كريماً مبدعاً وشيئاً ذا قيمة فكن أنت ولا غير ذلك، وصارح نفسك بما تريد، وكن واثقاً بنفسك وقدراتك حازماً وصارماً فى تحديد أهدافك بدقة والتزامك بها طريق نجاحك، واسع إلى الحد من سلبياتك، وطور من إيجابياتك، التى تعبر عن مكنون شخصيتك المستقلة، وعن اقتناع وإيمان بما تريد، مهما كانت النتائج، فبيقينك لا شىء يسمى مستحيل، يقول إنجيلو باترى: "ليس من أحدٍ تعِسٍ كالذى يصبو إلى أن يكون غير نفسهِ، وغير جسدهِ وتفكيرهِ".
قيمة الإنسان فى المهارات التى يتقنها والتى تخرج إلى حيز التنفيذ، لا بالمعرفة التى يحفظها ويرددها فى جلساته واجتراره لها بصورة سلبية، مما يشتت الذات كونها تضر به كثيراً، ابحث عن مهارات التواصل لتصل بفكرتك وتعبر عنها بصورة قوية دون أى ضغوط، فالمعرفة ليست للعلم فقط، بل للارتقاء والتفاعل والتواصل والتواجد، فأنت ثروة لا تقدر بثمن.. يقول جِم رون: "إذا اشتغلت بتطوير عقلك فستجنى دخلاً، أما إذا اشتغلت بتطوير نفسك فستجنى ثروة".
مشورة الآخرين لا تقلل من استقلالك بنفسك، لكن لا تجعل حياتك مرهونة باختياراتهم وأفكارهم، ومرتبطة بهم مما يجعلك عرضة للضياع وفقد الثقة، فلا تجعل حياتك كقارب صغير تتلاطم به الأمواج، فلا تجعل كلمة تذهب بك إلى عنان السماء، وكلمة تحبطك وتدمرك فى الوقت نفسه، وتذهب بك إلى أسفل سافلين، فأنت بهذا النهج تسلك طريق الفاشلين، لأنك تركت الآخرين يتخذون لك القرارات والتى قد تناسبهم هم لا التى تناسبك أنت، والتى تبدو فى بعض الأحيان قرارات مصيرية تكون أنت الوحيد الفيصل فيها، فمهما أخذت برأى من حولك فأنت صاحب القرار الوحيد والحاسم، وإن أخطأت فهذا خير لك من أن تخطئ طوال حياتك بترك ذاتك لمن حولك، فأنت بدون أن تشعر فقدت الثقة بنفسك وأسأت الظن بها، ووضعتها فى يد الآخرين.. يقول جوته: "أشر الأضرار التى يمكن أن تصيب الإنسان هو: ظنه السيئ بنفسه".. استمتع بحياتك، واتخذ قرارات بنفسك، واسع نحو التميز فى تغيير ذاتك فأنت جدير بها.
تحرر من التبعية، واقنع وأرض بما وهبك الله من نعم، وكن مطمئناً بيقينك فى الله، فهو مسبب الأسباب، فحدد ما تحب ولا تقض عمرك فيما لا تحب، فإذا لم تستطع شيئاً فدعه.. وابذل قصارى جهدك فيما تستطيع فعله، وخطوة خطوة تزداد ثقتك وحاور نفسك من آن إلى آخر، ووظف حواسك لاكتشاف رقى ذاتك.
عصام كرم الطوخى يكتب: تحرر من التبعية لاكتشاف رقى ذاتك
الأحد، 12 يوليو 2015 09:06 م
تعبيرية عن الثقة بالنفس أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة