صباحٌ هادِئُ العَيْنَيْنِ ،
مِسْكٌ علىَ صَدْرِ الجميلةِ ،
صَوْلَجانٌ مِنَ النعْناعِ ،
مِئْذَنَةٌ تُطِلُّ علىَ مَلَكَيْنِ مُنْسَجِمَيْنِ ،
ظِلٌّ يُضايفُ هِرَّةً ،
صَقْرٌ نبيلٌ
يَغارُ عَلَيَّ مِنْ وَهَجٍ
يَسيلُ علىَ خَدِّ البَنَفْسجِ
مِنْ سحابٍ
سَيُمْطِرُ ذاتَ جوعٍ
فى عروقى
ويسْحِرُنى خريراً آدميّا
-2-
بخِفَّةِ جائِعٍ
بوَقارِ قَمْحٍ
تَسَلَّقَ نَخْلَةً
واسْتَلَّ ناىً
وآثرَ أنْ يؤذِّنَ فى الطيورِ
يُبارِكُ تَمْرةً فى كَفِّ وَحْىٍ
يَرُشُّ علىَ الأهلةِ ماءَ وَرْدٍ
أنا هذا المُدَلَّلُ
فأدْخُلينى مُتَوَّجَةً
كطاووسٍ شهيدٍ
كَعِطْرِ فرَوْلَةٍ
كصلاةِ كَعْكٍ
وسَمْينى أبا سُكْرٍ
وقولى لَهُمْ :
قِيثارةٌ عَشِقَتْ نَـبــيّـا
-3-
هُناكَ
- ولَمْ يَكُنْ قَدَراً لطيفاً
بأنْ يَزْرَقَ جُرْحٌ
فى سُعالى
وأنْ يَحْمَرَ فى عَيْنَيْكِ
فَجْرٌ –
تسائلتُ :
وهَلْ سَقَطَ المُحارِبْ ؟
وهَلْ باضتْ على دمِهِ
العقارِبْ ؟
وهَلْ بَكِتْ
الملائِكةُ الـحُـفاةُ ؟
ونَصَّبَهُ السماويونَ
رَعْداً ؟
وغَسَّلَهُ الحَمامُ ؟
وشَيَّعَتْهُ أبابيلُ النَدىَ
والياسمينِ ؟
وهَلْ صَلَّتْ
عليهِ الشمسُ جَمْعاً ؟
وهَلْ دفَنوهُ
فى حِجْرِ الثُريّا ؟
-4-
سَيُحْكَىَ :
أنَّ فِرْدَوْساً
أَغارتْ خفافيشٌ عليهِ
ودَنَّسَتْهُ أبالسةٌ
وغَطّاهُ الخرابُ
وأنَّ حمامةً
حَمَلَتْ رصَاصَاً
بريشٍ لَوَّثَتْهُ الأَرْضُ
طارتْ لِتَقْتِلَ نَجْمَةً
حُبْلىَ بنورٍ
سَيُحْكَىَ :
أنَّ نَخْلاً فى بلادى
هَوىَ أَرْضاً
كمَمْلوكٍ قتيلٍ
وداسَتْهُ العساكِرُ
أوْدَعوهُ على كُرْهٍ
بلاطاً أجْنبيّا
-5-
صغيرُكِ يا شوارِعُ
كانَ جَمْرَاً
وكانَ مُسافِراً فى اللهِ
كانتْ حقيبَتُهُ عَشاءَ الطَيْرِ
كانتْ رَبابَتُهُ عَوِيلَ الوَرْدِ
يَمْشى كأنَّ الأَرْضَ مِشْمِشةٌ
تَدَلَّتْ مِنَ الحرَّيَّةِ الخَضْراءِ
يَطْفو كأنَّ النهرَ مِسْبَحَةٌ
تَجَلَّتْ علىَ كَفِّ الظهيرةِ
كانَ نَجْماً تُرابياً
وكانَ سَليلَ روحٍ مُجادِلَةٍ
وكانَ مُحَمَّديّا
-6-
بلا ذهبٍ
ولَكِنَّ القُلوبَ مُرَصَّعَةٌ
بِبَرْقِ الأُغْنياتِ
ولامِعةٌ كَدُفٍّ مَوْصِلىٍّ
بلا عَرْشٍ
ولَكِنَّ العيونَ إمارةٌ نَرْجِسٍ
وإيوانُ عِشقٍ
يُبَشِّرُ بالسماوىِ القريبِ
بلا بوابةٍ للخُلّدِ
لَكِنْ سَتَحْمِلُنا الحياةُ على بُراقٍ
نَمُرُّ علىَ الحقيقةِ باسمينَ
فتُشْعِلُنا سلاماً سَرْمَديّا
-7-
هو
ذاكَ الحِصانُ المَرْيَمىُّ
إمامُ الرَكْضِ
شَيْخُ الفاتِحينَ
كعادتِهِ الجليلةِ يَسْتَظِلُّ بفاكِهةٍ
ويَغْفِرُ للحياةِ حِجارتَها
ويأْذَنُ للسماءِ
بأنْ تَمْشى بجَنَّتِهِ الهويْـنى
كذا الْحَسَنُ الْجَميلِ سَقاهُ حُبٌّ
وَحَبْلُ اللهِ يَلْمَعُ فى يديْهِ
كذا نامَ الحُسَيْنُ
بغيرِ ماءٍ
لتُسْقيهِ الكواعِبُ
يا عَليّا
موضوعات متعلقة..
"مارِ جِرْجِسْ" قصيدة جديدة للشاعر حاتم الأطير
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة