نقلا عن اليومى..
من منا لم يضحك مِرارًا حتى البكاء، وينقلب على ظهره من البهجة حين يشاهد المئات من الأدوار الخالدة له، ومن منا لم يجده متلبسًا لشخصيته، ومعبرا عن آلامه وأحزانه، من منا لا يتذكر أنه صاحب تاريخ فنى كبير من الفرح والجرأة، ووقف فى وجه الإرهاب، وتم وضعه على رأس قائمة المستهدفين والمهددين بالقتل من قبل الجماعات التكفيرية، وصلت جرأته لعرض مسرحية «الواد سيد الشغال» فى محافظة أسيوط ردا على ما قيل بشأن تهديدات الجماعات الإرهابية لشباب مسرح أسيوط، ومن منا لا يعطيه قدره من المحبة نظير عرضه للمئات من المشاكل التى عانى ويعانى منها الشعب مثل أزمة الإسكان التى عرضها فى فيلمه «كاركون فى الشارع»، ومشكلة البيرقراطية فى فيلمى «الإرهاب والكباب» و«طيور الظلام»، وغيرهما ما لا يحصى من الروائع التى خلدت له فى أذهان الكبير قبل الصغير، هذا هو الزعيم «عادل إمام»، الذى إلى جانب ما سبق من تاريخ ناصع، تواجهه اتهامات بالاستسهال والترهل فى الأعمال الفنية التى يقدمها فى الفترة الأخيرة، كما يسائله البعض عن تأبين مواقفه السياسية فيما قبل وبعد الثورة الشعبية فى 25 يناير.
الادعاء: أعماله الفنية وضعته فى مرمى نيران النقاد.. واتهامات بالإطالة والاستسهال وتقديم أعمال بلا مضمون
لم يكن لقب «الزعيم» الذى توَّجه به جمهوره من قبيل المبالغة، ولكنه كان امتدادًا لجسر بُنى على ثقة أساسها مدة تزيد على نصف قرن هى مشواره الفنى، قدم خلالها العديد من الأعمال الكوميدية والسياسية حتى أصبح نجم الشباك الأول فترة طويلة بلا منازع. واعتلى عادل إمام المولود عام 1940، عرش الكوميديا العربية، منذ أول أدواره بصحبة رواد السينما المصرية فى الستينيات، وصولا للسبعينيات والثمانينيات التى شهدت بزوغ نجمه من خلال أفلام ومسرحيات مهمة، ومنها «البحث عن فضيحة» و«إحنا بتوع الأتوبيس» ومسرحيات «مدرسة المشاغبين» و«شاهد مشفش حاجة»، وصولا لفترة تجليه فى التسعينيات من خلال أدوار مهمة مثل فيلم «الإرهابى» و«بخيت وعديلة» و«رسالة إلى الوالى» و«شمس الزناتى» ومسرحيات «الزعيم» و«الواد سيد الشغال»، وصولا للألفينيات التى شهدت أفلاما مثل «عمارة يعقوبيان» و«عريس من جهة أمنية» و«التجربة الدنماركية» وغيرها من المسلسلات مثل «فرقة ناجى عطا الله» و«صاحب السعادة» و«العراف» وآخرها الذى يعرض حاليا «أستاذ ورئيس قسم»، وهى الأعمال التى وضعته فى مرمى نيران العديد من النقاد الذين اتهموه بالإطالة فيها والاستسهال.
المدعون عليه: أعماله الفنية الأخيرة تعانى من ترهل.. والشناوى: الزعيم يقدم أعمالا تقليدية.. ويجب أن يختار الأدوار التى تليق به
تصدرت تصريحات وآراء الناقد طارق الشناوى، قائمة منتقدى «الزعيم» عادل إمام، ففى تصريح صحفى سابق له قال الشناوى إنه لولا وجود اسم عادل إمام فى مسلسل «صاحب السعادة» ما كان سيتم إنتاجه، وانتقد المؤلف فى أحد لقاءاته التلفزيونية موجها حديثه للمؤلف يوسف معاطى: «أنت عايش بتفصل حاجة لحساب الزعيم وهذه كارثة لأن مع الزمن سيحدث تشبع وهذا ليس فى صالحه، وأيضا الإفية الكوميدى جماله فى التكثيف إذا زادت الضحكة قليلا ترهلت، وهناك حالة ترهل درامى وعادل إمام بحاجة للقفز على هذا الحاجز، فى الماضى كان متنوعا بداية من الأفلام الكوميدية، ثم انتقل للعمل فترة مع الشباب فأضفى لمسة روشنة، وبالتالى فهو بحاجة للقفز مرة أخرى فى الدراما».
وفى تصريحات أخرى للشناوى قال إن مسلسل «العراف» يعد مسلسلا تقليديا، وفى ظل نجاح إمام وقدرته على الاستمرار فعليه أن يختار الأدوار التى تليق به.
وعلى الرغم من انتقادات الشناوى السابقة فإنه نفسه يعترف بنجومية الزعيم وقدرته على الاستمرار قائلا: «الوحيد اللى قاوم من جيل الكبار وفعلا مازال محتفظا بقوة جذب كبيرة جدا، وبالتالى فهو استثناء، وحتى أنا أو غيرى لو اختلفنا على اختيار له فى الدراما أو السينما ولكن تبقى له قوة الجذب، والتى تتحول بالتالى إلى مساحة إعلانية وتحقق كثافة مشاهدة، وهذا معناه أن هناك جمهورا ضخما ينتظره».
لائحة الاتهامات: يقترب من الأنظمة الحاكمة ويحرص على إثارة الجدل.. وأعماله الأخيرة غير جادة
الاتهام الأول: مضمون أعماله الأخيرة غير جاد:
على الرغم من أن العديد من أعماله كان لها الفضل فى إثارة كثير من القضايا الشائكة على سبيل المثال «الإرهاب والكباب» و«الزعيم» وغيرهما، وعلى الرغم من رصيده الفنى الكبير، إلا أن هذا لم يمنع البعض من انتقاده بحجه أن هناك أعمالا قدمها فارغة المضمون وليست ذات مضمون مُجدٍ مثل عمله «بخيت وعديله»، و«رسالة إلى الوالى» الذى تراجعت بسببها شعبيته قليلا أمام شعبية نجوم الكوميديا الشباب مثل محمد هنيدى وأحمد السقا وهانى رمزى، وأخيرا فيلم «بوبوس» الذى يراه البعض فيلما سيئا وثقيل الظل لا يجوز مقارنته بأعماله السابقة، ونفس الأمر بالنسبة لعدد من مسلسلاته الأخيرة مثل «العراف».
ومع موجة الانتقادات اللاذعة التى تعرض لها الفنان عادل إمام فور عرض فيلم «بوبوس» واعتباره الأقل قيمة فى أعمال إمام وتاريخه الفنى، خرج ليدافع عن فيلمه قائلا فى تصريحات له «إن الفيلم يناقش قضية مهمة، وهى تعثر رجال الأعمال فى سداد مديونياتهم للبنوك»، وسخر من جميع الانتقادات التى طالت الفيلم.
الاتهام الثانى: حرصه على إثارة الجدل
أعمال الزعيم الفنية التى كانت تنطلق من قاعدة اجتماعية وسياسية، صاحبها الكثير من الجدل، بسبب حرصه على مناقشة قضايا شائكة وتطرقه لمناطق محظور الاقتراب منها مثلما حدث مع فيلمه «النوم فى العسل» وغيرها، وهو ما دفع البعض لرفع دعاوى قضايا ضده مثلما فعل ما يقرب من 150 محاميا بسبب فيلمه «الأفوكاتو»، والذى ادعوا فيها أنه يسىء لمهنة المحاماة، وكذلك النقد الذى مازالت تتعرض له مسرحيته الأشهر «مدرسة المشاغبين»، ورغم أنها حققت نجاحا كبيرا فور عرضها، فإنه مازال البعض يجعلها السبب فى إهدار هيبة المدرس.
الاتهام الثالث.. انتقاده للمشايخ وتهكمه على مقولات دينية
واجه «الزعيم» فى مرات عدة تهمة ازدراء الأديان بسبب أعماله التى تتناول فى جانب كبير منها تصرفات الإسلاميين، وشهدت ظهوره بالجلاليب البيضاء التى كانت تثير جنون المشايخ الذين كانوا يهاجمونه على المنابر، ويتوعدونه، بينما لا يتوقف هو على انتقادهم فى أعماله ومسرحياته، ليتهمه البعض بمداومة الهجوم على شخصيات إسلامية ومقولات إسلامية مثلما حدث فى مسرحية «الواد سيد الشغال»، وتهكمه على شخصية المأذون الشرعى.
الاتهام الرابع: موقفه من ثورة يناير
فى الوقت الذى عُرف فيه عادل إمام بمناصرته لقضايا الشعب المصرى، وانحيازه لهم، وعرضه للمشاكل والفساد الذى عانوا ويلاته، ومع اندلاع ثورة يناير حسبوا أن الزعيم عادل إمام سيكون إلى جانبها، وهو ما لم يحدث، حيث أعلن تضامنه ودفاعه عن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وهو ما دفع البعض لوضعه على ما سموه «القوائم السوداء» لأعداء الثورة، وبعد ذلك عاد ليعترف بثورة يناير، ويعيد تجسيد مشاهدها من جديد من قلب ميدان التحرير فى مسلسله «أستاذ ورئيس قسم».
الاتهام الخامس: حفاظه على الشعرة مع السلطة
لم يعرف لعادل إمام موقف معارض بشكل مباشر لأحد رؤساء مصر، فدائما ما كان يحافظ على أن تبقى الشعرة التى تربطه دائما بالسلطة موصولة ومتصلة.
فإن كان الكوميدان الكبير وجه العديد من النقد لأنماط الحكم الديكاتورى مثلما حدث فى مسرحية «الزعيم»، وانتقد رجل السلطة الصاعد فى العديد من الأعمال مثل «طيور الظلام» و«الواد محروس بتاع الوزير»، إلا أنه لم يصرح أبدًا بموقف سياسى خارج إطار الفن يتضمن أى نقد للنظام الناصرى أو نظام الرئيس السادات أو محمد حسنى مبارك، حتى وصل الأمر لما تداوله البعض من إشادته بالرئيس الإخوانى محمد مرسى.
وخلال لقائه مع الرئيس السابق مرسى تحدث خلاله عن حرية الفكر والإبداع والسينما الغربية، فسأله الزعيم هل نحن الآن فى حكم ديمقراطى هل أصبحنا نأخذ خطوات، بحيث نتمكن من الوصول للديمقراطية، ونرى تعددا للأحزاب وتداول السلطة، فقال لى بعد انتهاء اللقاء مسألة تداول السلطة سنتحدث فيها على انفراد، وكأننا سنتحدث فى موضوع خاص مثلا، وأضاف: «ولكن بعد ذلك لم أجد حرية ولا ديمقراطية ولا أى شىء حدث».
دفاع الزعيم: يختار أدواره بعناية ويعالج مشاكل المجتمع
«صلاح السعدنى، بلال فضل، وحيد حامد» وغيرهم العديد من الأسماء تصدرت قائمة أبرز المؤيدين والمدافعين عن الزعيم وما يقدمه من أعمال فنية، ففى احدى تصريحاته الصحفية قال الفنان صلاح السعدنى والذى ينتمى للجيل نفسه «أن الزعيم ظاهرة استثنائية ويعد الوحيد فى جيله لقدرته على الاستمرار حتى الآن كنجم الفن السابع، وهو إنسان قبل أى شىء من حقه أن يخطئ ويصيب»، وذلك ردا على مهاجميه ومنتقدى بعض أعماله.
أما السيناريست بلال فضل فكان من أوائل المدافعين عن الزعيم خاصة فيما يتعلق بقضية اتهامه بازدراء الأديان قائلا فى تغريدة سابقة له «بدل من أن نصدر أحكاما بسجن الذين قتلوا المصريين بالرصاص الحى والمطاطى والمدرعات المرتبكة سنكتفى بحبس الراجل «اللى مَوِّت» المصريين من الضحك»، ولم يقتصر دفاع بلال عن الزعيم فى هذا الموقف فحسب ولكن نفى الأول صحة ما كانت تروجه حملة المرشح الرئاسى السابق أحمد شفيق بأن إمام أحد أبرز الداعمين فى سباق الانتخابات الرئاسية.
وكان للفنانة ليلى علوى موقف مدافع أيضا عن الزعيم فيما يتعلق بقضية ازدراء الأديان، حيث قالت فى تصريحات صحفية لها من قبل لمجلة «لها» «إلهام شاهين وعادل إمام خط أحمر لدى كل الفنانين، ولا يسمح لأى شخص مهما كان اسمه أن يعيب أو يقلل من شأنهما الفنى، فالاثنان لهما مكانتهما وشعبيتهما فى مصر والوطن العربى.
الناقدة ماجدة موريس كان لها شهادة أخرى أيضا فيما يتعلق بأعمال الزعيم، قائلة: «عادل إمام يتسم بذكاء شديد فى اختيار الأفكار التى يقدمها لجمهوره وفقا لمعطيات الواقع، ففى مسلسله «صاحب السعادة» كان هذا هو العمل الوحيد الذى قدم المرأة بصورة جيدة وعكس طبيعة العلاقات الأسرية بشكل جيد من خلال تجسيد إمام لدور الزوج الذى يتبادل قيادة الأسرة مع زوجته ويحترم رغبات أولاده، وبالتالى فهو مسلسل يدافع عن كل القيم».
وتضيف: «سبق هذا العمل مسلسل «العراف»، الذى قدم نموذجا عاليا للغة البصرية، فهو الوحيد الذى تم تصويره فى أماكن عدة ونفتقد كثيرا التصوير على هذا النحو، أما فيما يتعلق بحواره مع الشباب فأعتقد أن الزعيم كان مشغولا لفترة طويلة بالحوار مع الشباب من خلال اختيار بعض النماذج الشبابية والعمل معها وهو على قدر كبير من الوعى والمعرفة بما يتم تقديمه ولا يستطيع أحد منافسته، واستمراره وتمتعه بهذا الاهتمام الجماهيرى ليس بشكل عبثى، ولكن نتيجة اهتمام بتناول موضوعات تمثل نبض المجتمع.
الحال نفسه تشابه مع السيناريست وحيد حامد والذى جمعت بينه وبين الزعيم أعمال عديدة على رأسها «الإرهاب والكباب، والمنسى» وغيرهما، وعرف هذا الثنائى بتقديم أعمال تناقش قضايا شائكة تهم المجتمع ويعود لهما الفضل فى أن يكونا اوائل الذين حاربوا الارهاب وهزوا عرشه بالسخرية، وعلى الرغم من انقطاع الصلة بينهما لفترة وكثرة الشائعات التى ترددت حول نشوب خلاف بين الثنائى، إلا أن حامد سرعان ما نفى صحة ذلك، قائلا إن هناك علاقة قوية تربط بينهما.
وفيما يتعلق بمواقفه السياسية، دافع السياسى مصطفى الفقى عن الزعيم قائلا فى أحد لقاءاته التلفزيونية: «عادل إمام لم يكن من جلساء الرئيس مبارك أو المقربين من أولاده، وعمل مثل مسرحية الزعيم عندما رأيتها قلت ما هذا القدر من النقد وأنا اعتبرها أحد الأسباب الحقيقية لثورة الخامس والعشرين من يناير». ولم يكتف الزعيم بدفاع الفقى عنه ولكنه أوضح رأيه فى الثورة صراحة من خلال أحد مداخلاته الهاتفية مع الإعلامية ريم ماجد قائلا: كل ما أشيع حولى بمعارضتى لما يحدث فى ميدان التحرير كلام مدسوس، فالشباب من حقه التعبير عن نفسه والمطالبة بما يريد، ويجب أن يكون هذا فى إطار سلمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة