وفى الكتاب يكشف يحيى حقى احتفاءه بليلة رؤية هلال شهر رمضان، حيث الاحتفاء الشعبى والدينى ويقول "ولم يكن هناك مذياع يجلب للناس أخبار الرؤية فى منازلهم، وهم معزولون عن الآخرين، متقوقعين على أنفسهم، بل كانت جموع الصبية قبل الكبار تتجمع خارج باب المحكمة الشرعية فى سراى رياض باشا، حيث يجلس القاضى ينتظر وفود الرسل الذين خرجوا إلى مختلف المراصد والأماكن، لرصد قطعة صغيرة من النور ليس فى السماء ما هو أرشق منها ولا أجمل، وما أن تثبت الرؤية حتى تدار أكواب العصير على الحاضرين وسط هتاف الصبية: صيام صيام. بذا حكم قاضى الإسلام.
ويصف يحيى حقى ما يحدث فى تلك الليلة فيقول "ينطلق الموكب وفى مقدمته ضارب الطبلة المغلفة بجلد النَّمِر فوق حصانه وخلفه فريق كبير من المشاة، يعقبهم موكب أرباب المهن الشعبية، كل مهنة يتقدمها شيخها يتبعه صبيانه وقد حملوا فى اعتزاز أجمل أدوات مهنتهم التى يستعملونها فى نوع راق من النشيد الإيماني، الذى يصوغ تضافر الفن والعمل فى موكب يوحى وصف يحيى حقى الحساس له بأننا إزاء لوحة رائعة من التراث الشعبى التلقائى الجميل، وما أن يمر الموكب على مسجد حتى تضاء مئذنته ولا تنتهى مسيرته إلا وتكون مآذن القاهرة الألف قد أضيئت إيذاناً بدخول رمضان.
ويقول يحيى حقى ليلة الرؤية، وهلالها ليس كبقية الأهلّة، يظهر خطفًا لا ليضيء، بل ليومئ ثم يغيب، لا أخليه من ميل للدلال والمعابثة، شأن كل مزهو بجماله رغم جلاله، يتجه ذهنى بود وحنان إلى صديق، أمثاله من حولى كثيرون، وأقول فى سري: تباركت يا شهر الصيام، ما أقوى سحرك وما أكبر حزبك.
موضوعات متعلقة..
فى ذكرى رحيله.. يحيى حقى أعطى روحه لـ"قنديل أم هاشم" فوهبته الخلود
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة