لا أحد ينكر أننا فشلنا فى تحقيق أى هدف من أهداف ثورة يناير المحفورة فى عقولنا جميعا "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية" وهى أحلام شعبنا العظيم منذ ثورة يوليو المجيدة فقط نالت الثورة احترام الجميع وعلى رأسهم قواتنا المسلحة الشريفة، وفقط نجحنا فى خلع رئيس وعزل آخر.
كلنا أخطأنا وخسرنا ولكن الخطأ الفادح والخسران الواضح كان من نصيب جماعة الإخوان المسلمين التى ارتكبت أخطاء جسيمة قبل وأثناء الثورة.
قبل الثورة الجماعة كانت لاتمانع أن يمرر التوريث بطريقة ديمقراطية حتى لو كانت هزلية وكان ذلك نتاج التنسيق المستمر بين الجماعة والحزب الوطنى الحاكم. طرفان لايؤمنان بالديموقراطية واختيار الكوادر بها كانت على أسس غير ديموقراطية.
كنت دائما أتساءل كيف يطالب الإخوان بالديمقراطية وبتحديد مدد حكم الرؤساء ولايوجد مسمى مرشد سابق للجماعة، ولما تواجد المرشد السابق تم الأمر بدون صناديق شفافة ونزيهة وكان الثمن المزيد من الانشقاقات التى لايعترفون بها عادة.
الدكتور البرادعى رجل ليبرالى يؤمن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان عاد إلى مصر والتفت حوله المعارضة وجمع له الإخوان مليون توقيع ثم تراجعت عن التنسيق معه أثناء الثورة وبعدها وحتى اليوم.
أثناء الثورة بالرغم من أنها لحقت بقطار الثوار متأخرة إلا أنه كان هناك إصرار وتخطيط على الإمساك بدفة الأمور وتتحمل جزءا ليس بقليل من أعمال العنف التى تمت فى ميادين وشوارع مصر.
بعد تنحى مبارك سارعت فى التنسيق منفردة مع الجهات السيادية بالبلد ربما على حساب باقى الفئات الثورية، وكان ذلك سببا واضحا من أسباب انشقاق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن الجماعة، نتج عن ذلك وقوفها بكل قواها خلف التعديلات الدستورية معاندة للقوى الليبرالية والثورية، التى كانت تفضل أن يوضع الدستور أولا: نتج عن ذلك إعلان الجماعة أنها لن ترشح رئيسا للجمهورية، ولن تؤيد أى مرشح إسلامى وأنها مع اختيار رئيس توافقى.
تكون التحالف الديموقراطى على رأسه حزب الوفد كحزب ليبرالى عريق، وكان التحالف السياسى لتقليل مخاطر الصراع الإسلامى العلمانى وانهار هذا التحالف أمام أول انتخابات برلمانية بسبب أطماع الإخوان والوفديين ووقع الإخوان فى فخ الحصول على أكثر من 30% كما وعدوا، وبذلك وضعوا أنفسهم فى صدارة المشهد ليتحملوا "الشيلة" كلها وكان هذا تهورا سياسيا لم يقع فيه إسلاميو تونس، الذين آمنوا بأن الديمقراطية يجب أن تكون تشاركية، وحنث الإخوان بوعدهم مشاركة لامغالبة ومع انعقاد البرلمان قرروا نقل الثورة من الميدان إلى البرلمان، وتخلوا عن الثوار فى محمد محمود وغيره وبدأت ترتفع وتيرة الخلافات مع رفقاء الميدان.
ومع إصرارهم على تشكيل الحكومة دب الخلاف مع المجلس العسكرى وتم حل مجلس النواب بحكم قضائى من المحكمة الدستورية، وتطورت الأحداث بسرعة وجاءت الانتخابات الرئاسية وتراجع الإخوان وأعلنوا مرشحا منهم، ومضينا إلى الإعادة وأجبر الشعب على الخيار بين أحد أعمدة النظام المخلوع وأحد مرشحى التيار الإسلامى وطبعا نجح مرشح الإخوان وأجبر الثوار على الوقوف بجانبه على مضض وعلى أرضية اجتماع فيرمونت الذى وعد فيه مرشح الإخوان بالاكتفاء به كرئيس، ولابد من مساعدين وحكومة توافقية يشارك فيها الجميع.
مضت السفينة تلاطم الأمواج وخرج الإعلان الدستورى الذى أخرج المشير طنطاوى من اللعبة، وكان ذلك خطأ فادحا لأن هذا الرجل تعهد بإجراء انتخابات حرة ووفى بوعده، ووعد بتسليم السلطة للرئيس المنتخب ووفى بوعده.
وبدأ مسلسل انهيار شعبية الإخوان لأننا توقعنا البرادعى رئيسا للوزارة، وتوقعنا مواقع جيدة لباقى القوى الفاعلة فى معسكر الثورة، توقعنا التحالف مع الوفد، فخيبوا ظننا وتحالفوا مع السلفيين فانقسمت البلاد، مات مبدأ الديمقراطية التشاركية.
وكان الإعلان الدستورى الذى يحصن قرارات الرئيس يوم جنازة هذا النوع من الديموقراطية التشاركية، وكان هذا الإعلان خطيئة كبيرة أحدثت انقساما فى المجتمع المصرى وتدخل أعداء مصر ليزيدوا الطين بلة وتتوسع هوة الانقسام.
ودخلت مصر فى مستنقع الخلاف والاختلاف والصراع المميت على السلطة، وتكونت جبهة الإنقاذ وتسارعت وتيرة تمكين الإخوان من مفاصل الدولة وازدات الخلاقات والصراعات مع الفئات المختلفة من المجتمع الإعلاميون ثم القضاة ثم المثقفون وتجمعت الغيوم حتى وصلنا إلى حركة تمرد التى تعاطف معها الشعب بسبب تدخل مكتب الإرشاد فى كل كبيرة وصغيرة وفشل الرئيس فى أن يكون رئيسا لكل المصريين، ولم يستطع أحد التفرقة بين مكتب الإرشاد ومؤسسة الرئاسة والحكومة وحزب الحرية والعدالة الكل تلاشى أمام رؤية المرشد ونائبه، مما أحدث شرخا كبيرا فى المجتمع وهلع بين السياسيين والأكاديميين والكثير من البلاد العربية والأقليمية وعلى رأسهم إسرائيل ومؤيديها.
فشل الإخوان فى احتواء شركاءهم من التيار المدنى فى عملية ديمقراطية تشاركية وفشل الإخوان فى طمأنة الجميع، وخاصة مؤسسات الدولة الوطنية، ولم يلتفتوا إلى تقارير تقدير الموقف التى قدمها لهم رجالات الجيش وفشل الإخوان فى طمأنة إخوتنا الأقباط، ولم يبذلوا أى جهد فى إقناعهم بأنهم شركاء الوطن، ولم يفتحوا آذانهم لشكواهم وهواجسهم ومخاوفهم من الديمقراطية الوليدة، بالعكس كان مؤتمر دعم سوريا عارا كبيرا فى هذا المضمار.
ماذا لو كنا أخرنا وضع الدستور لحين إحداث توافق؟ وماذا لو كنا فصلنا بين الجماعة والحزب؟ ماذا لو كنا اخترنا الدكتور البرادعى رئيسا للوزراء؟ ماذا لو أجرى الرئيس استفتاء على استمراره فى الحكم؟ ماذا لو كنا أجرينا انتخابات رئاسية مبكرة؟ ماذا لو أخذ الرئيس بتقديرات الموقف التى أعلنها الجيش مرارا وتكرارا؟ ماذا لو تنحى الرئيس بعد مشاهد 30 يونيو؟ ماذا لو كان حزب الحرية والعدالة جزء من بيان 3 يوليو؟ ماذا لو غسل الإخوان أيديهم من تحمل مسئولية أى عنف يمكن أن يحدث بالمجتمع؟ ماذا لو كنا أخذنا الأمر على أنه شىء سياسى ليس له علاقة بالدين؟
الجميع يخطئ ويصيب ولكن العبء الأكبر يقع دائما على الإخوان الذين ارتضوا بلعب دور الأخ الأكبر الذى تحول إلى استبداد لم يختلف كثيرا عن استبداد الحزب الوطنى المخلوع، لايمكن إنكار أو تجاهل أداء الإخوان الفاشل قبل الثورة وبعدها، وفى مجلس الشعب وفى الرئاسة وفى الميادين قبل وأثناء وبعد اعتصام رابعة وقبلها فى مؤتمر دعم سوريا.
مازالت الأخطاء مستمرة وإصرار الإخوان على عودة الرئيس المعزول وقد تخطته الأحداث وتخطاه الزمن ومازال الإصرار على عدم الجلوس إلى مائدة حوار نتصارح ونتكاشف ونتصالح ونضع خارطة طريق للمستقبل يشارك فيها الجميع بلا استثناء يكون الهدف تحقيق مبادئ ثورة يناير واحترام أراء من قاموا بثورة 30 يونيو.
الآن، وقد أصبح لدينا رئيس اختاره الشعب وله شرعية معترف بها من كل العالم ولديه تاريخ وطنى مشرف ومدعوم من القوات المسلحة الشريفة وأعاد إلى البلاد الهدوء ولدينا دستور وافق عليه الشعب والبلاد فى حاجة إلى مصالحة شاملة وجاهزة لهذه المصالحة تحت راية الرئيس الشرعى وفى حماية الجيش الوطنى وعلى أسس الدستور الذى يحتاج إلى تفعيله على أرض الواقع أتساءل وأتعجب لماذا لايسرع الجميع بلا استثناء إلى مائدة الحوار المستديرة؟ لا أتمنى الخطأ الفادح وانتظار التدخلات الدولية لتقريب وجهات النظر أو البناء على أوهامها.
أرجوا أن يقوم الجميع بمراجعات وتصحيح المفاهيم والبدء من أول وجديد تحت حماية ورقابة قواتنا المسلحة الشريفة، حفظ الله مصر..... حفظ الله شعب مصر........ حفظ الله جيش مصر.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة