أرست دائرة توحيد المبادئ بمجلس الدولة، مبدأ جديدا بأن محاكم مجلس الدولة لدى مباشرتها لسلطتها فى تكييف الدعوى مقيدة بطلبات الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض وبعدم جواز الطعن بالالتماس.
كان رئيس جامعة قناة السويس أصدر عام 2004 قرارا بإحالة الدكتور محمد سلمان عبد العزيز مدرس اللغة العربية بكلية التربية لمجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس لمحاكمته تأديبياً، لما نسبته إليه النيابة العامة من طلبه من سالم حسن عيد مبالغ مالية لاستعمال نفوذه المزعومة للحصول على أحكام قضائية لصالح الأخير.
وقضى مجلس التأديب بمجازاته بالعزل من وظيفته، لثبوت ارتكابه المخالفة المسندة إليه، ولصدور حكم من محكمة الجنايات بمعاقبته بالسجن لمدة 3 سنوات، ولم يرتضى المحكوم ضده، فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية بمجلس الدولة، والتى قضت بجلسة 14 يناير 2006 برفض الطعن تأسيساً على سلامة قرار مجلس التأديب، وقيامه على سببه الصحيح، ثم اقام المحكوم ضده طعن آخر أمام المحكمة الإدارية العليا ناعيا على هذا الحكم عيب البطلان لصدوره من محكمة مشكله من 4 أعضاء بالمخالفة للقانون، وبجلسة 14 نوفمبر 2012 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا وببطلان الحكم المطعون فيه وبطلان قرار مجلس التاديب وبسقوط الدعوى التأديبية، وأسست قضاءها على أن الثابت من مطالعة مسودة الحكم أنها موقعة من 4 أعضاء وأن البين من مطالعة أصل الحكم صدوره من 5 أعضاء بالمخالفة لما هو ثابت بمحضر جلسة النطق به، إذ يبين حذف أحد الأعضاء ووضعه بين قوسين ويليه كلمه صح مما مفاده غيابه عن جلسة النطق بها وبالتالى فان الحكم يكون قد صدر بالمخالفة للقانون.
وأضافت المحكمة أن الثابت من حافظة مستندات الجامعة أن مجلس التأديب الذى أصدر القرار المطعون عليه ترأسه الدكتور إبراهيم عاشور نائب رئيس الجامعة رغم أنه كان عضوا بمجلس الجامعة، الذى اجتمع فى 29 أبريل 2003 ووافق على وقف الطاعن وأوصى بإحالته إلى مجلس التأديب، وبالتالى يكون قد سبق له أن أبدى رأيه، الأمر الذى يجعله غير صالح لنظر الدعوى التأديبية، وبالتالى فإن قرار مجلس التأديب الذى انعقد برئاسة يكون قد صدر باطلا، وأنه لما كانت إجراءات المحاكمة انتهت فى 15 سبتمبر 2004 فإنه يكون قد انقضى على ارتكاب المخالفة 3 سنوات وتكون الدعوى التأديبية بشأنها قد سقطت بمضى المدة.
وأشارت المحكمة إلى أنه بتاريخ 23 يناير 2013 طعنت الجامعة على هذا الحكم بطريق التماس إعادة النظر، مطالبة بإلغاء الحكم تأسيسا على أن الدكتور أدخل الغش على المحكمة، ويجلسة 1 يونيو 2013 قضت المحكمة ببطلان الحكم الصادر منها، وأقامت قضاءها على أن حقيقة طلبات الجامعة طبقا للتكييف القانونى هو بطلان الحكم المطعون عليه، وأن الثابت من مطالعة الحكم الصادر بجلسة 14 يناير 2006 أن العضو الذى كتبه كتب على ملف الدعوى عبارة تم التصحيح، كما دون رئيس المحكمة على ذات الملف عبارة تمت المداولة وأن المسودة تضمنت 4 توقيعات وتوقيع بدى محوه وأن التوقيع الذى تم محوه هو توقيع المقرر الذى كتب المسودة، وأنه مادام الطاعن لم يقدم أن محو التوقيع كان سابقاً على صدور الحكم فإنه لا مناص من استصحاب الأصل العام باعتبار بأن الإجراءات تمت مراعتها، وبالتالى فإن الحكم يكون قد صدر مشوباً بالبطلان.
وأوضحت المحكمة أن الدكتور محمد سلمان لم يرتض بهذا القضاء فبادر بالطعن عليه أمام الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا تأسيساً على أن الحكم كيف التمس إعادة النظر على أنه دعوى بطلان أصلية رغم أنه مقيد بطلبات الجامعة ولا يملك تعديلها، وبجلسة 20 ديسمبر 2014 قررت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار لبيب حليم بإحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ لترجيح أحد اتجاهى المحكمة فى شأن سلطتها فى تكيف طلبات الخصوم، ونظر الطعن أمام الدائرة وبجلسة 6 يونيو 2015 قضت بحكمها بأن محاكم مجلس الدولة لدى مباشرتها لسلطتها فى تكييف الدعوى مقيدة بطلبات الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض وبعدم جواز الطعن بالالتماس.
وأقامت دائرة توحيد المبادئ قضائها على أن المادة 25 من قانون مجلس الدولة أوجبت تقديم عريضة الدعوى إلى قلم كتاب متضمنة وقائع الدعوى وطلبات المدعى وأن تكون موقعة من محام من المقبولين بالمرافعة أمام المحكمة، ومن ثم فإن المدعى هو وحده الذى يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء وأن المحكمة ملزمة بأن تسير فى فلك تلك الطلبات.
وأضافت أن الثابت من الأوراق أن رئيس جامعة قناة السويس طعن على الحكم التى أصدرته المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24 نوفمبر 2012 فى الطعن رقم 18256 لسنة 55 ق، بطريق التماس إعادة النظر ومن ثم فإن الطلب الذى طلبت الجامعة القضاء به على نحو جارم وصريح هو التماس إعادة نظر إلا أن المحكمة قامت بتغيير واقعات الدعوى وطلبات الملتمس تغيراً جذريا وكيفت الالتماس على خلاف مقصد الملتمس على أنه دعوى بطلان أصلية وقضت فيها على هذا الوجه فجاء حكمها منبت الصلة تماماً عن الواقعات والطلبات المرفوع به الالتماس، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد قضى بما لم يطلبه الملتمس، ولم يفصل فى الخصومة المنظورة أمامه وبالتالى فإن المحكمة لم تستنفد سلطتها فى شأنه وأنه يكون قد صدر باطلا لعدم تحقيقه الغرض المنشود من إقامة الالتماس، وهو الوصول إلى استصدار حكم يقر الحق المرفوعة به الخصومة ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعه فمتى شاب هذا الحكم عيب جوهرى أفقده كيانه وحتل دون اعتباره موجودا فإنه لا يرتب أى أثر، وأن الأثر المترتب على ذلك إعالة الخصوم إلى الحالة التى كانا عليها قبل إصداره، واستعادة المحكمة لسلطتها فى الفصل فى الالتماس المطروح أمامها.
وتابعت المحكمة، أنه مادام المقرر أنه لا يجوز الطعن بالالتماس فى حكام المحكمة الإدارية العليا، فإنه يتعين الحكم بعدم جواز نظر الالتماس.
صدر الحكم برئاسة المستشار جمال ندا رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين هانى الدرديرى وعبد الفتاح أبو الليل وحسن كمال شلال ومحمد محمد عبد اللطيف ومحمود صبحى العطار ومحمد بخيت ولبيب حليم لبيب ومحمد عبد العظيم وأحمد عبود وأحمد أبو العزم وعطية عماد الدين نجم، نواب رئيس مجلس الدولة ورؤساء دوائر المحكمة الإدارية العليا وسكرتارية كمال نجيب.