حــســـن زايـــــــد يكتب: الـتــعـلـيـم وبـنــاء الإنـســــان

الأحد، 14 يونيو 2015 02:05 م
حــســـن زايـــــــد يكتب: الـتــعـلـيـم وبـنــاء الإنـســــان التعليم فى مصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست خبيرًا فى المناهج، ولا متخصصًا فى أصول التربية، حتى أُنَظِّر لهذا الأمر، ولا اتحذلق فيه، مقتحمًا بذلك على أهل الذكر مجالهم، والمزايدة عليهم فيه. ولكن الأمر خطر، وهو جد لا هزل فيه، لأنه يتعلق بمستقبل أمة، ومستقبل وطن. وما دفعنى إلى الكلام مجرد التنبيه للخطر، الذى نغوص فيه إلى الأذقان، ونحن نظن أننا نحسن صنعًا، وليس فى الإمكان أبدع مما كان.

واكتشاف ذلك لا يقتضى نباهة بحال، لأنه مشاهد فى حياتنا لكل ذى عينين. فمن منا ينكر وجود فروق لا حصر لها بين التعليم لدينا، والتعليم فى الدول المتقدمة؟. وأول هذه الفروق أن التعليم لديهم وجد لبناء الإنسان، من المهد إلى اللحد، والمدارس والمعاهد والجامعات، مؤسسات ضخمة، لتصنيع وإنتاج هذا الكيان. والتعليم لدينا يقوم على التلقين والحفظ، أى : تعليم استهلاكى، يستهلك ما ينتجه الأخرون من معارف وعلوم. والمدارس والمعاهد والجامعات لدينا، بطون تدفع، وقبور تبلع، ولاشيء بين الطرفين. ولذلك يمثل المتعلم لدينا حاليًا عبئًا على كاهل الدولة، وليس قيمة مضافة إلى المجتمع. لأن الجميع نسخ مكررة لا تحمل جديدًا ولا تميزًا.

وإن وجد هذا التميز فنسبته ضئيلة، وغير مؤثرة. فإذا بحثنا عن السر الحقيقى وراء تلك المشكلة، وهل هى تتمثل فى المناهج ؟، أم فى طرائق التدريس ؟، أم فى أساليب التربية ؟، أم فى كل ذلك جميعًا ؟.

وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل منطقى ومحورى حول: ماذا نفعل فى تلاميذ المراحل الأولية فى التعليم ـ مرحلة رياض الأطفال، والمراحل الأولية ـ ؟. هل فكر أحد خبراؤنا فى تقديم برنامج للمؤسسة التعليمية المصرية يمكنها من خلاله دراسة استعدادات الطفل، وتسجيلها، من خلال ملاحظة نشاطة الحركى، والتخيلى، وملاحظة سلوكه فى المواقف المختلفة، حتى يمكن اكتشاف استعداداته الفعلية، وبالتالى توجيهه إلى المجال الذى يتوافق وهذه الاستعدادات، ثم العمل على تقديم برامج تنمية المهارات الخاصة بهذا الاستعداد أو ذاك. مع الأخذ فى الاعتبار للفروق الفردية بين الأطفال فيما يقدم، ومدى توافق هذه البرامج مع العمر الزمنى، والعمر العقلى للطفل، مع ما بين العمرين من فوارق ؟.

وهل المعلم فى هذه المراحل مؤهل للقيام بهذا الدور ؟. بالقطع الإجابة على كل هذه الأسئلة بالنفى القاطع. وهناك مؤشرات واضحة تؤدى إلى هذه النتيجة وتدل عليها، وهى الحالة المهترئة التى تعيشها وزارة التعليم فى صراعها الأزلى مع طلاب الثانوية العامة حول قضية الغش، وتسريب الامتحانات.

فالوزارة تلتجئ إلى أساليب القرون الوسطى فى محاولتها البائسة لمنع الغش، ويمثل المراقبون والملاحظون رقيب وعتيد بالنسبة للطالب أثناء الامتحان، فى إعلان صريح بفقدان الثقة، وأنه لولا وجودهما لما امتنع ذاتيًا عن الغش، متناسية القاعدة الشهيرة، بأن الممنوع مرغوب بالضرورة.

وهنا يتبدى فارقًا جوهريًا بين الطالب المصرى والطالب الأجنبى، فالطالب الأجنبى أخذ الثقة، ومن ثم امتنع ذاتيًا عن الغش، والطالب المصرى لا ثقة فيه، فذهب إلى الغش فى تحد لمن يريد أن يمنعه من ذلك.

وقد التجأ الطالب فى صراعه مع الوزارة، إلى أساليب حروب الجيل الرابع، بما لم تستطع معه الوزارة الصمود والمواجهة. ويبدو أن خبراء التربية وإعداد المناهج قد عجزوا عن حسم منظومة أخلاقية حاكمة فى مناهجنا وأسالبينا التربوية يتم غرسها ونقشها والتدريب عليها وتنميتها تحول بين الطالب وبين الغش على نحو ذاتى، يمنحنا القدرة على الاستغناء عن أساليبنا ومناهجنا البالية التى تفضى إلى هذه الكوارث فى بناء الشخصية. بنفس القدر الذى عجزوا عنه بشأن استخدام وسائل وطرائق أخرى ـ بخلاف الامتحانات التقليدية ـ لقياس المستوى العقلى والمهارى الذى وصل إليه التلميذ بعد تلقيه مستوى معين من التعليم. وأن يكون توجيه الطالب إلى نوعية التعليم وفقًا لهذه المستويات، وليست درجات التقدير المتحصلة وفقًا للنظام التقليدى المعمول به. بحيث يكون التوجيه لنوعية التعليم المرغوب فيه بالنسبة للطالب والذى يتوافق مع ميوله واتجاهاته ورغباته. وبالتالى نضمن للمجتمع متعلمًا متوافقًا مع نفسه ومجتمعه ومهنته. وعلى ضوء ذلك يمكننا التخلص من الصداع المزمن للثانوية العامة، ونقضى على ظاهرة الدروس الخصوصية، كتعليم موازى كارثى، يفضى إلى تدمير الشخصية المصرية. ويدخل نظام تنسيق الجامعات إلى المتحف، لأنه من الطرائف والغرائب والعجائب أن نظام تنسيق الجامعات فى مصر، رغم وجاهته، فإنه يدفع بآلاف الشباب إلى الالتحاق بكليات لا يرغبون فيها، ولا تتماشى مع ميولهم واتجاهاتهم، لأن الحاكم فيه مجموع درجات التقييم التى يتحصل عليها الطالب فى الامتحان، بغض النظر عن كيفية الحصول عليها، ومدى صدقها ودقتها وموضوعيتها فى التعبير عن المستوى العقلى والمهارى الذى تحصل عليه الطالب، ثم نتساءل بعد ذلك عن السر وراء العاهات الوظيفية التى تمتلئ بها دواوين العمل، ونظل نبحث عن حالة الكسل العقلى التى نعانيها كأفراد وكمجتمع، كمن يبحث عن قطة سوداء، فى غرفة ظلماء، فى ليلة سوداء، من ليالى الشتاء البارد.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة