الصحة تاج على رأس كل إنسان لا يراه الأصحاء، ولكن هذا التاج لا يراه إلا المرضى فقط.
بالأمس القريب أتحفنا سيادة الوزير بنتائج إحدى الدراسات الغريبة تقول إن نسبة رضا المرضى أكثر من 83% فى المراكز الطبية، والصحافة طيرت الخبر بأن نسبة رضا المرضى فى المستشفيات 83%.
بعد هذا التصريح بأربع وعشرين ساعة رأينا المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، صاحب القلب الرحيم، يتجول بشكل مفاجئ فى العيادات الخارجية بمعهد القلب بالكيت كات، ولاحظ الازدحام الرهيب واستمع للبسطاء يشكون من الطوابير والبهدلة وقال بتلقائية إن ما يحدث ما هو إلا مهزلة. رأى رئيس الوزراء كل شىء بنفسه الدعامات الفاسدة وتكدس المرضى وتقصير الأطباء واهتمامهم بعياداتهم الخاصة والإهمال فى أعمال الصيانة واعترف الرجل الصالح بأن الناس تعبانة وطلعان عنيها وأقر بالحقيقة التى يحاول البعض أن ينكرها بأن أى طبيب تم تعليمه بفلوس الناس الغلابة البسطاء.
قل جاء الحق وزهق الباطل ظهرت الحقيقة المرة رغم اجتهاد المسئولين فى تجميل الصورة بتقارير ودراسات مفبركة وأرقام مزيفة لطمس معالم الفساد الإدارى والمالى بقطاعات الصحة المختلفة. حصحص الحق ووضع رئيس الوزراء -الذى نحبه ونحترمه- يده البيضاء الشفافة على الجرح ولمس بنفسه معاناة الناس وخاصة الفقراء منهم.
الحقيقة إننا قمنا بثورة طالب فيها الشعب بالتغيير ولكن لم يتغير شىء وخاصة كوادرنا البشرية لم تتغير على الإطلاق. فساد فى فساد وكل مبنى جديد نقوم باستلامه وبمجرد البدء فى تشغيله تظهر آلاف العيوب الناتجة عن الإهمال والغش والفساد كل مبنى جديد فى الصحة يشهد على سلسلة كبيرة من الفساد.
مستوى النظافة بأكبر المستشفيات أقل بكثر من مستويات النظافة التى شهدها أجدادنا وأباؤنا فى الخمسينيات والستينيات ومستوى جودة الخدمة الطبية اقل بكثير بالرعم من الأجهزة الحديثة التى وفرتها الدولة والأيادى البيضاء فى المجتمع المصرى وكم الخدمة أقل بكثير مما هو مفروض أن يكون لعزوف الناس عن التعامل مع المستشفيات الحكومية، هذا بالإضافة إلى كثرة وسرعة تعطل الأجهزة والإهمال الكبير فى أعمال الصيانة.
الأدوية غير متوفرة بالشكل المرضى وكثيرا ما يقوم المريض بشرائها لعدم توافرها وكذلك المستلزمات اللازمة لأداء الخدمة الطبية اللازمة. أغلب الخدمات اللوجستية سيئة من ماء وكهرباء وصرف صحى وصيانة آلات ومعدات ومفروشات وأثاث.
الحقيقة هناك بعض المجهودات الرائعة ولكن على العموم المنظومة سيئة وبصفة عامة المستوى لا يرضى أحد والفقراء معذبون بسبب أعلى ما يمتلكون وهى الحصول على خدمات صحية ممتازة. وفى النهاية لا نجنى إلا الإحباط والاكتئاب الذى يعانى منه المرضى ومن يقومون بتأدية الخدمة الطبية لهم.
لا حل إلا فى فرض منظومة صحية جديدة للحفاظ على حقوق المرضى التى يتساوى فيها الفقراء قبل الأغنياء منظومة تحتاج إلى مبدعين فى مجال اقتصاديات العلاج وتقديم الخدمة الطبية. منظومة يتم الفصل فيها بين الموارد والتشغيل يتم الفصل فيها بين اقتصاديات المهنة وفنياتها. منظومة ينضوى تحتها جميع أنواع المستشفيات سواء حكومية أو جامعية أو عسكرية أو خاصة أو التأمين الصحى. منظومة متاح فيها الخدمة الطبية لجميع فئات الشعب يتساوى تحت مظلتها كل المصريين.
يجب عدم السماح للطبيب أو الممرضة أو أى فنى بالعمل إلا فى جهة واحدة أما أن تعمل فى المستشفيات الحكومية بدون عمل خاص يجب عدم خلط انتماء أصحاب الرسالة الطبية من يعمل فى عمل حكومى لا يعمل فى أى عمل آخر سواء خاص أو تأمين صحى.
منظومة جديدة أصبحت ضرورة فصل التمويل عن التشغيل عن الرقابة والتقييم والاعتماد. منظومة تسمح بزيادة الإيرادات وتوحيد أسعار الخدمة فى كل مكان فلا يصح أن تكون تذكرة العيادة الخارجية فى الصحة بجنيه واحد منذ عشرات السنين فى الوقت الذى سمحنا فيه بزيادة هذه التذكرة إلى عشرة جنيهات فى مستشفيات الجامعة.
من هنا من على هذا المنبر الحر أطالب بثورة من أجل التغيير إلى الافضل فى الحفاظ على حقوق المصريين فى توفير العلاج للجميع مع إحقاق العدل والمساواة فى التكاليف والأجور ومستوى الخدمة وتحمل الدولة الأعباء نيابة عن الفئات الفقيرة. أطالب بإعلان الحرب على الفساد الإدارى والرشوة والمحسوبية وبتر المفسدين والمرتشين.فرض الانضباط والالتزام وعتمل نظام مستقل لتقييم الأداء واعتماد المنشآت الصحية على أن يكون كل شىء لمدة عام ويتم التجديد بناء على معايير واضحة. الآن توجد بنية أساسية جيدة لتطبيق نظام طب الأسرة ونظام ملف طبى لكل أسرة، ولكن العجلة متوقفة بسبب غياب القدرة على تفعيل نظام التأمين الطبى الشامل.
لا مفر من إصلاح المنظومة الصحية لأن الخدمات الصحية السيئة لا يعانى منها إلا الفقراء وأكثر الفقراء من عامة الشعب فلا يصح أن نتركهم فريسة لمثلث الفقر والجهل والمرض هذا الثلاثى البشع الذى يذهب العقول ويضيع الشباب. لابد من نوبة صحيان لضمائرنا التى استسهلت الصمت وعدم النقد وفى النهاية انفجار يسبب الألم لكل مصرى شريف.
حفظ الله مصر حفظ الله شعب مصر حفظ الله رموز عزة مصر.
د.عبدالجواد حجاب يكتب: زيارة محلب الثورة التى بدأت فى الصحة
الأربعاء، 10 يونيو 2015 04:04 م