كان يجلس مهموما حزينا فى مكتبه يندب حظه التعس على الكارثة التى حدثت له، لا يعرف ماذا يفعل هل يستقيل أم ينتظر حتى تتم إقالته من منصبه؟ كانت الدنيا سوداء شديدة الكآبة فى هذا اليوم يريد أن ينعس قليلا ولكن عقله وقلبه فى حرب شديدة الوطيس، يسمع طرقات خافتة على باب حجرته ثم ينفتح الباب ليدخل عم قنديل بشعره الأبيض المنكوش يحمل صينية الشاى ويتجه بها إلى المكتب ليضعها فى هدوء ثم يتجه نحو الباب ليهم بالخروج كما دخل .
- انتظر يا عم قنديل أريدك قليلا
- تحت أمرك يا دكتور مشتاق
- أريد أن أفضفض معك قليلا فأنا مخنوق
- سلامتك يا دكتور من كل خنقة، ماذا حدث؟
- هل تصدق يا عم قنديل بعد خمسة عشر عاما من العمل والجهد والتعب يأتى ولد صغير لكى يتحدانى ويأخذ منصب مساعد رئيس مجلس الإدارة ويتساوى معى فى مكانتى ومقامى بين الموظفين؟ دى آخرتها بعد كل هذه السنوات من الخبرة؟ هو كل واحد عامل نفسه فاهم كلمتين يبقى خلاص نرقيه؟ طيب يبقى يورينا كيف سيعمل بمفرده؟ هو مفكر أنه يستطيع أن يتحرك من غير ما أكون راضى عنه؟ سأجعله مهمشا مجهولا لا يسمع عنه أحد، أنا أصدرت تعميم الأن على جميع الموظفين ممنوع أحد يذهب لمكتبه أو يرسل له أى أوراق أو أى تنبيهات لحضور اجتماعات المؤسسة.
- ( يضحك عم قنديل وينظر له دكتور مشتاق بغيظ واستغراب)
- ما الذى يضحكك يا عم قنديل ؟ يبدو أنك كبرت والخرف أكل عقلك.
- لا يا بيه مش الخرف إلى أكل عقلى ولكن عجائب الدنيا.
- ماذا تقصد؟ ما هو العجيب فى كلامى؟
- منذ خمسة عشر عاما أتذكر الدكتور حافظ الله يرحمه وهو يحكى لى نفس الكلام وكان مهموما جدا مثلك تماما وأصدر تعميم على جميع الموظفين بعدم التعامل مع سعادتك وتهميشك فى حضور الاجتماعات والفعاليات، لأنه كان خائف جدا من أن تجلس مكانه وتأخذ منصبه، وسبحان الله مرت الأيام وها أنا أسمع منك نفس الكلام عن موظف جديد. لو سمحت أنا عندى سؤال يا بيه هل شهادة الدكتوراه التى تحصلون عليها هى السبب فى زرع فيروس الكراهية وضيق الأفق فى قلوبكم أم أن هذا الفيروس مصدره الكرسى الذى تجلسون عليه؟
- لا تتكلم هكذا أيها المخرف .. تأدب !
- أنا المخرف! بل أنتم من ضاعت عقولكم حتى تتصوروا أن الدنيا باتت ضيقة لا تتسع إلا لكم أنتم فقط؟ ما الذى يمنع أن يجتهد الجميع ويتميز الجميع؟ ما الذى يمنع أن تكون ناجحا فى عملك كرئيس لقسم أنابيب الغاز ويكون الموظف الجديد ناجحا كمساعد لرئيس مجلس إدارة ماكينات الغزل والنسيج؟ لماذا هذا الحقد والتحسس الدائم من نجاح الآخر؟ الدنيا بها مليارات من البشر وكل منهم يريد أن ينجح ويحقق ذاته فلماذا تضيقون ما هو واسع فسيح رحب متسع للجميع؟
- يا خسارة يا عم قنديل كنت مفكرك مخلص لى ولكن يبدو أن الموظف الجديد أعطاك أكثر منى.
- لا يا سعادة الدكتور المحترم . الموظف الجديد مات فى حادث سيارة الأمس فى الليل .
- ماذا !؟ كيف حدث هذا ؟
- لا تستغرب يا بيه ، ولا تفرح ، فالدنيا دائما تشغل الناس بها ليتنافسوا فيها حتى تأتى لحظة وتخطفهم الأقدار إلى دار الحقيقة حيث لا تنافس ولا حقد ولا حسد . أنا خارج يا بيه وهتركك يمكن ربنا يهديك.
محمد محمد السعيد عيسى يكتب : الدكتور مشتاق وعم قنديل
السبت، 09 مايو 2015 04:02 م
موظفين - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة