لم يكن فيكتور هوجو يعلم حين سطر فصول رائعته البؤساء أن العالم سيصبح بمثل هذا البؤس الذى نحياه الآن، فأى شخص يمكنه أن يضحى بمنصبه من أجل إنقاذ متهم من عقوبة رادعة مثلما فعل جان فال جان بطل هذه الرواية الخالدة، وأى لقطة خالدة تلك التى أحالت هذا المارق من لص فذ إلى رجل صالح عندما رفض رجل الدين أن يسلمه لرجال الشرطة حينما ألقوا القبض عليه و بحوزته دليل إدانته .
إن هذا العالم المثالى الذى رسمه فيكتور هوجو سرعان ما ستتحطم أركانه إذا ما طالعنا أخبار الحوادث بالصحف ليوم واحد فقط، لقد أبدع الناس فى ارتكاب الجرائم كما لو كانوا يفاخرون بها، فأى عقل سليم يقبل بأن تغتصب فتاة معاقة ذهنياً ببورسعيد من ذئاب لا يمتون لعالم البشر بصلة وأى عقل يتصور أن يقتل الابن أمه أو أباه، وكيف نقبل أن يكون الأب ذئباً بشرياً يفترس ابنته بدلاً من أن يسعى بكل ما أوتى من قوة لتوفير متطلبات زفافها لتكون أماً صالحة .
لو كان فيكتور هوجو حياً الآن لكان لزاماً عليه أن يبدّلَ عنوان روايته ليكون "الفضلاء" فثمة بؤس لدينا لم يستطع وصفه لأنه بؤس امتزج بنزعات حيوانية شيطانية لا تعلم شيئا البتة عن دين أو أخلاق أو عادات مصرية أصيلة توارثناها عن أجدادنا كالعزة والمروءة ونصرة الضعيف وحماية المرأة والطفل وعدم رد الإساءة للمرأة، تلك القيم التى باتت نسياً منسياً فصرنا جديرين بوصف البؤساء مع الاعتذار لفيكتور هوجو .
