"عشى ليلى" لـ"ماهر مهران".. البقاء للأقوى

الخميس، 07 مايو 2015 06:00 م
"عشى ليلى" لـ"ماهر مهران".. البقاء للأقوى غلاف الرواية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العالم لا يحتاج سوى نميمة وحيدة صغيرة حتى يشتعل ولا يهدأ، هكذا تبدأ الحروب ويشتد التربص وتزيد الرغبة فى الإفناء والقتل، ويأتى الصراع بسبب سلسة من الرغبات النزقة التى تتعلق بالسلطة والجنس والمال، والذى فقط يحتاج لمن يكسر قشرة البيضة ويشعل النار، لا يهم أن يحدث ذلك فى دولة كبرى أو فى قرية صغيرة تكمل عشاءها نوما منتظرة الفرج من ربها، واضعة فى يد أطفالها بنادق الكلاشنكوف وقاذفة فى أرواحهم حب القتل، وجاعلة منطقهم الوحيد فى الحياة "البقاء للأقوى".

وفى مصر توجد قرى ونجوع لا أحد يعرف عنها شيئا، تكمن بين جبل ونهر وحيدة بمشاكلها وجوعها وفقرها ورغبتها فى الانتحار، والشاعر والروائى ماهر مهران مشغول بهذه المناطق وتلك القرى ويرغب بشدة فى كشف مكانها ووضعها تحت "ميكروسكوب العاصمة" حتى تبصرها ومخاطبة الذات الجمعية ويكشف ما يصيب تلك البلاد من همٍّ يبيتون فيه ليلا ونهارا، وفى ذلك الأمر قدم ماهر مهران مشروعا روائيا ظهر منه حتى الآن ثلاث روايات هى "قاو أسطورة الدم، وبنات قبلى، وعشى ليلى".

ورواية "عشى ليلى" الصادرة عن دار الساقى، تحمل من أول عنوانها، تعبيرا يكشف ما ستلاقيه داخل العمل الروائى من الرؤية الناقصة فى الحكم على الأشياء، كل الشخصيات مصابة بعشى ليلى، كل المواقف السياسية والاجتماعية لا ترى ما أمامها إلا "مختلطا ألوانه"، فالمكان وما يحدث فيه يعكس طريقة التفكير التى كانت سائدة فى مصر كلها منذ ثورة الـ 25 من يناير 2011 وحتى الاستعداد لإسقاط الإخوان بعد وصولهم للسلطة.

الرؤية القاصرة التى حملت معنى رمزيا فى الرواية، فضحت طرق التفكير المتخبطة التى تفكر بها شخصيات الرواية، الصراع الدموى المكشوف والمعلن والعهر الزائد عن الحد والخوف المسيطر على الفقراء والتجبر والتسلط الذى يسوقه القادرون على الضعفاء كل هذه التداخلات قدمت نموذجا لعالم إنسانى يفقد بريقه جزءا جزءا.
الصراع فى الرواية له مستويات عدة منها السياسى والاجتماعى والوجودى، وكل نوع من ذلك له دائرته فى الرواية، فالخط العام الذى يسيطر على الرواية يأتى فى مستويين متوازيين، وفى الوقت نفسه متناقضين من حيث إنسانية كل واحد منهما.
الخط الأول يمثله "حميد رزق السقا" وزوجته "سنية" بحلمهما البسيط وصراعهما من أجل الوجود فلديهما إحساس طاغٍ بالضياع الذى يهددهما، وبأنهما سينقرضان لأنهما لا ينجبان، هو رجل تجاوز الستين، تقريبا، لا يجد قوت يومه، وامرأته تعدت الخامسة والأربعين، لا يملكون شيئا وليس لديهم ما يورثونه لحلمهم، لكنها غريزة البقاء والإحساس بالاستمرار وحكمة "البوابة المفتوحة"، فالليل الذى يتأمله "حميد" ولا يراه بسبب "العشى الليلي" يجعله يحلم بطفل يكبر أمام عينيه يرقص فى الأفراح كما يرقص الرجال، لذا يصدق الوهم/المرض ويظن أن الأمر انفرج، ولم يكن يعلم أن النهاية ساكنة فى التفاصيل، وأن الموت يختبئ تحت ابتسامة الفرح، ويظل "حميد السقا" الشخصية الوحيدة، تقريبا، غير المشوهة فى الرواية.

الخط الثانى يمثله كل من "الوزير" و"مرسى أبو كرسى"، وهو صراع آخر مختلف وبعيد لكنه أيضا صراع عن البقاء وخوف الضياع، صراع السلطة والمكانة الاجتماعية، صراع الحزب الوطنى بتاريخه الفاسد وصراع الرابحين من الثورة المنتهزين لها ولظروفها، كل منهم لا يحده ضمير ولا يمنعه خوف، وفى طريقهما يأكلون ويفسدون كل ما يجدون يضيعون الأعراض ويهينون الكرام ويكشفون عن فساد طبقة كبيرة ممن يعول عليهم، هم شخصيات هشة لكن صنعها الخوف والمحيطون بهم.
كل شخصيات الرواية مأزومة حتى الفقراء الذين يمرون فى الشارع بين الفريقين يعانون أيضا وأرواحهم ممتلئة بالخوف، فالقرية التى يرسمها "ماهر مهران" بنماذجها المشوهة تعيد كتابة حكايات "الظالم والمظلوم" بشكل مختلف، حيث تداخل هذا المعنى وأصبح كل واحد "ظالم ومظلوم" فى الوقت نفسه.


الحنين الذى قدمه ماهر مهران للحياة القديمة، حيث الفلاحون يعملون "مناجلهم" فى حقول القمح، والأمهات ينتظرن فى البيوت الطينية الفقيرة أن يرزق أطفالهن فى المسافرين فى البلاد البعيدة بقليل من الرزق يسد رمق الحيطان المتهالكة.

استخدم ماهر مهران فى "عشى ليلى" كثير من الألفاظ المحلية التى تحمل دلالة مقصوده للاختلاف الذى أصاب عالم القرية وأحدث فيها جروحا لا تندمل.


موضوعات متعلقة..


صدور ديوان "جسمها جنينة" للشاعر ماهر مهران عن "هيئة الكتاب"








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة