عجيب وغريب أمر هذا المجتمع، فهو يتشدق أيما تشدق بالفضيلة والأخلاق، ومظاهر التدين تحيط بنا من كل جانب وفى كل الأحوال، والحديث فى الدين وعنه على مدار الساعة، ومع ذلك نجد هذا المجتمع قد تراضى على قدر عظيم من النفاق، فهو يصمت عن الرذائل الشنعاء التى تنتشر وراء هذا النفاق. يعيش هذا المجتمع أخطر أنواع الازدواجية النفسية والسلوكية، فالأقوال فى تناقض تام عن الأفعال، فالأقوال لا تنتهى عن التمسك بالقيم والتحلى بالفضيلة والأفعال تمارس الرذيلة وتقنن الرشوة وتكرس المحسوبية وتؤكد التمييز، حديث الوطنية وحب مصر وتحيا مصر يملأ كل فراغ ولا نرى لهذا الحب أى دلائل عملية تظهر فى العمل والإنتاج والانتماء. لذلك كان من الطبيعى أن نجد حالة الفساد هذه تنتشر وتسرى فى أوصال المجتمع حتى لم نعد نعيش فى فساد دولة بل لا نبالغ إذا قلنا إننا قد وصلنا إلى دولة فساد.
وهنا نقصد الفساد ليس على مستوى استبدال الإيمان الصحيح والحقيقى بالتدين الشكلى المظهرى أو ما يطلق عليه غياب الضمير ولكن الفساد بكل أنواعه الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفى ظل هذا المناخ وذلك الواقع تبدو بعض الأحداث فى مصر رغم خطورتها وكارثيتها وكأنها شىء عادى وتقليدى، فنجد أنها لا تأخذ ما تستحق من اهتمام الناس والإعلام مثلما تأخذ قضايا تافهة لا تستحق مثل حمار المطار. وخير مثال محاولة اغتصاب معلمة داخل المدرسة وبعد الامتحان، فهذه حادثة شديدة الغرابة ويجب ألا تمر هكذا مرور الكرام وكأننا قد أصبحنا مجتمعاً فاقداً للنخوة وللكرامة. فهذه حادثة كاشفة وصادمة لدرجة تجعل الجميع يُستفز ويُستنفر للدراسة الجادة وللمواجهة العملية والصحيحة، لكن وللأسف لم نجد شيئاً من هذا قد حدث. فالحادثة هى محاولة اغتصاب جماعى لمربية أجيال من قبل طلاب فى المرحلة الإعدادية. ولماذا؟! ثأراً منها لعدم تمكنهم من الغش داخل الامتحان الذى أصبح هو الأساس، ليس فى التعليم فقط، وما دونه هو الاستثناء وفى مادة الدين. فهل يوجد حادثة مركبة وحقيرة أكثر من ذلك؟! ومع هذا لم يتحرك مسؤول إلا فى اليوم الثانى.
هذه الواقعة تعنى أن ظاهرة الغش قد أصبحت هى القاعدة، الشىء الذى يسقط أى قيمة للاجتهاد بل يجعل الفاشل يحصل على حق الناجح قهراً واستبداداً، الشىء الذى يعطى المشروعية لكل أنواع الفساد وللحصول على ما هو ليس حقا بكل طرق الفساد من رشوة وواسطة ومحسوبية، وبالتالى يصبح التمييز نتاجا طبيعيا لهذه السلوكيات القميئة. هذه الواقعة تؤكد المدى الساقط الذى وصلت إليه علاقة الأستاذ بالتلاميذ فلم يعد المعلم رسولاً بعد اليوم، كما أن ما حدث يؤكد إعلان وفاة التعليم فى مصر بالرغم من الكلام الذى لا ينتهى عن إصلاحه. الأمر جد خطير وقد وصلنا إلى الحد الذى لم يعد ينفع معه السكوت، فإما إرادة حقيقية لمواجهة الفساد وبعيداً عن الشعارات أو ندم لن يجدى بعده شىء. حفظ الله مصر من الفاسدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة