حين تقف تلك الطفلة تداعب الآيس كريم بلسانها، تظل مأخوذة بالرائحة القادمة من المحل المجاور، تتحول كلها إلى أنف تلتقط الفراشات البنية الهاربة من محل البن.. منذ أخبرتها أمها أن القهوة هى من حق الكبار فقط وهى تحلم أن تكبر.
أبى وأمى لا يفضلون القهوة، فقط تصنعها أمى للضيوف، وأنا يقتلنى فضولى لتجربة مذاق القهوة، لاحقا ستنفتح أمامى الأبواب السحرية وأجرب ذلك الشىء الخطير الذى يسمونه "بن" حرفان فقط؟! قليل جدا كى يصف ذلك السحر الذى يتخلل مسام الجسد كما تجرى المياه فى الأرض العطشى.. هزمتنى القهوة التى صنعتها بنفسى.. سلمتها مفتاح مدينتى غير عابئة بالهزيمة.
عادة لا يفطن الصغار إلى المسافات، لذا عسير أن تقنع طفل بمعنى الذكريات.. حينها كنت أظن أننى سأظل إلى الأبد أنعم بالآيس كريم من ذلك المحل العتيق، لاحقا سيغلق هذا المحل وترحل منه كل السعادة والألوان، ويحل محله فرع بنك مكدس بالأوراق المالية التى لا تساوى جميعها قطعة آيس كريم من ذلك المحل العتيق.
الآن أتذكر كل شىء ملمس الآيس كريم على لسانى، البسكويت الرقيق الذى يتكسر تحت أسنانى التى تشكو من وجعها دائما، بقع الآيس كريم التى كانت تسقط على فستانى الجديد زاهى الألوان، كنت أسقطها غير عابئة لكنها كانت تثير غضب أمى.
الآن أنا أذهب للشارع ذاته بعد أن أصبحت أصابعى لا تكفى لعد سنوات عمرى، كى أشترى مسحوق السعادة الذى يسمونه بن.. إنه مبرر للسعادة أو بمعنى أكثر دقة أنه سبب يدفعك للاستمرار فى الحياة.. أمضى دقائق أنتظر طلبى وأتمنى لو تطول ليتثنى لى تأمل مطحنة البن التى تدور عجلاتها تماما كالزمن، وأود لو أسأل البائع يا ترى أى أغنيات سحرية تتلوها على البن ليسير له ذلك السحر؟! ولما تصينى خيبة الأمل حين أستيقظ وأهرع إلى العلبة التى أخبئ فيها البن وأجدها فارغة؟! الآن لم أعد أرتدى فستانا قصيرا زاهى الألوان، لكنى تعلمت أن أخشى على ثيابى الجديدة من بقع الآيس كريم، تعلمت أن أصنع قهوتى بنفسى مرة أغنى لها رغم انعدام موهبتى الغنائية ومرة أشكو لها. حسناً المهم أنها تصغى إلى فى كل الأحوال، والأهم أننى مازلت أمتلك الكثير من الألوان والجراءة للبحث عن أسباب أخرى للسعادة.
آيس كريم - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
شاعر بلا مشاعر
السعادة