لكننى أعرف
فيم كنت تفكر
وأنت قابع فى تابوتك البارد
تجتز ذكرياتك البشرية الفانية
الحضن الدافئ فى صدر محبوبتك
هربا من برد الشتاء
السير متخاصرين تحت أشعة الشمس
كأس النبيذ
الذى جمعت قطافه بيديك
الشوق الجارف للأصدقاء
كأنك ستفقدهم غدا
لم ينشغل عادل سميح فى ديوانه بالحقيقة التاريخية للكونت دراكولاً، فحسبما تقول الأدبيات التاريخية أنه الأمير فلاد تيبيس الذى حكم رومانيا ما بين عامى 1456 حتى 1462 قبل أن يقوم أخوه رودا بالانقلاب عليه بمساعدة العثمانيين الطامعين فى البلاد، مما يضطره للهروب إلى الدنيمارك والزواج من شقيقة الملك هناك، ويظل مقيماً فى البلط الملكى الدنيماركى حتى وفاة أخيه عام 1475، فيقود جيشاً ويتجه به إلى رومانيا ليخلص بلاده من سطوة وهيمنة العثمانين، وبالفعل ينجح فى ذلك ويتمكن من طردهم، غير أن السلطان العثمانى محمد الفاتح يرسل بجيش كثيف العتاد والعدد ليفتح رومانيا ويقتل الكونت فلاد تيبيس الذى ورث عن أبيه لقب دراكول أو الشيطان، نظراً لما تمتع به من قسوة فى مواجهة أعدائه وعملائهم فى البلاد، حتى أن بلاط العثمانيين الذى اشتهر بإعدام الخصوم على الخوازيق كان يصف بشاعة دراكول بأنه يستمتع بصراخ ونزيف خصومه المعلقين على الخوازيق فى الطريق إلى قصره، ويبدو أن أساطير العثمانيين هى التى دامت أكثر من وطنية الرجل ودفاعه عن بلاده فى مواجهة الزحف العثمانى على أوربا، ويبدو أن هذه الأساطير هى التى ألهمت الكاتب الأيرلندى برام ستوكر عام 1897 بكتابة روايته "دراكولا"، كى تكون واحدة من أشهر روايات الرعب وربما أقدمها، ولتنشغل السينما الأوربية والغربية بشكل عام بما قدمه برام ستوكر وليس بما كان عليه فلاد تيبيس الذى ورث عن أبيه لقب دراكول أو الشيطان.
أدرك أيضاً
كيف تصارع نوازع الرأفة
حين تمتص دم الشرايين الحي
متوقفا
قبل آخر نبضة للقلب
فأنت لا تضمر ضغينة
مثلما لا تحنو على أحد.
اختار عادل سميح أن يكون على الحياد مع الواقع التاريخى والخيال السينمائي، فلم يتعرض لمدى واقعية دراكولا، ولا فكرته عن الحكم وهو على عرش بلاده، ولا مشاعره وهو فى الدنمارك لاجئاً وزوج شقيقة ملك ربما لا يحبها، فى حين أن بلاده على مرمى حجر منه ولا يستطيع دخولها، لم يتعرض لتناقض الأساطير عنه، فهو الشيطان من وجهة نظر الآلة العثمانية الجبارة، وهو المخلص من وجهة نظر البسطاء الرومانيين، لم يتعرض لكل ذلك، وربما لم ينشغل عادل سميح سوى بالجزء الذى تماهى فيه كشاعر مع شخصية دراكولا، ذلك الجزء الرومانسى الذى يتعذب فيه دراكولا بحبه، وبكونه يحلم كل يوم بالموت لكنه لا يموت، كما لو أنه سيزيف المحكوم عليه برفع الصخرة من أسفل الوادى إلى قمة الجبل، لكنه أبداً لم يستطع يوماً أن يصل بها إلى القمة.
صديقى العجوز
لتعلم أننى أدرك تماما
كم تعاني
فأنت لا تحمل الصخرة صعودا
ثم صعودا ثم صعودا
انت لا تستيقظ كل يوم
فى التوقيت نفسه
مستشعرا أن كل ساعة
تضغط على الروح
وترهق الجسد
فوجودك ذاته
محض العذاب وخلاصة الأمل.
الديوان "عزيزى الكونت دراكولا" الصادر مؤخراً عن دار ميريت للنشر فى مجمله حالة رومانسية واضحة، بدءاً من الإهداء الذى منحه لوالديه وزوجته ونفسه، وصولاً إلى القصيدة الثانية عشر والأخيرة والمعنونة بـ "لاتفضى إلى شيء"، والتى يقول فيها:
ربما يمر حبيبي
قبل أن يمر اليوم
ويصرخ
ازرعنى نخلة فى حقلك القاحل
اغرسنى وردة فى شرفتك
اجعلنى كخاتم على ساعديك
ساعتها سأدرك أن حبيبى معي
وأن الغياب ثقيل كالموت.
تزداد الرومانسية وقعاً حين ترتبط بالموت، فهكذا جاءت التراجيديا اليونانية، وكأن القدر لا يخلو من حب وموت، وكأن الحياة ذات بابين شهيرين هما الحب والموت، لذا جاءت القصائد تنويع على هذين الوترين، وجاء دراكولا المظلوم تاريخياً لا ليعبر عن نفسه ولكن ليتماهى معه شاعر فى القرن العشرين يشعر بالظلم التاريخى كدراكولا، يشعر بأنه يقع فى تراجيديا حمل الصخرة التى فشل سيزيف فى الوصول بها إلى القمة، وفشل دراكولا فى أن يثبت من خلالها أنه عاشق عظيم، وأن عشقه لم يكن فقط للنساء والدماء ولكن للحياة ذاتها.
موضوعات متعلقة..
وزير الثقافة: ابتلينا بالإرهاب وعلينا مواجهته بالمسرح والفنون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة