ردة فعل الغرب تجاه العرب تُثير عادةً التساؤلات، وتجعل الجميع يُفكر بعمق لماذا هذه النظرة التى تحمل قدرًا من المُغالاة تجاه المنطقة، ولماذا يتحرك الغرب نحونا بالكيل الذى نستشعرُ منه سوء إدراك واضح للواقع؟
ونتساءل دومًا: لماذا لا يفهمنا الغرب؟ ولماذا هذه الحدة فى التعامل؟
والإجابة ثلاثة أسباب لا رابع لهم.. «تواصل إعلامى، وتواصل حكومى، وتواصل شعبى».
أولًا التواصل الإعلامى: نحن لا نمتلك إعلامًا حقيقيًا يتواصل مع الغرب بطريقة تفكيرهم، والإعلام الموجهة إليهم يتواصل معهم بلغتهم فقط "والفارق شاسع".. وانظر للقنوات العالمية الكبرى وعدد العرب الذين يظهرون بها ستجد أنه نسبة لا تُذكر، فى حين أن ممثلى الإعلام الأوروبى والآسيوى يظهرون باستمرار، وحينما تحدث الصدفة البحتة فى ظهور ممثل عربى عبر الاتصال المرئى معه، تجد أنه سعيد بالظهور على هذه القناة الرنانة، وأنه يفتقد المذيعة بشدة، وأن التاريخ سيُسجل هذا اللقاء، ودعونى أُنحى اللغة العربية جانبًا الآن لأذكر تفصيلًا ماذا يفعل الممثل العربى تجاه هذا الظهور المُرتقب؟
"بص ياحاج، هقولك كلمتين ورد غطاهم علشان لما تطلع تانى يكون اللقاء حلو فى حقك، الإعلام الغربى واضح مش بتاع لف ودوران أنت مش طالع على النايل سات، وبلاش مواضيع الإنشا والتعبير والمقدمات الطويلة ولما المذيعة تسألك جاوب على أد السؤال بالظبط، علشان فى آخر اللقاء ماتلاقيش المذيعة رافعة حواجبها ليك وكإنها مافهمتش منك حاجة زى ما بيحصل فى 95% من المُداخلات العربية وبلاش تتكلم عربى كتير وأنت معاهم وشوف كمية المعلومات المفيدة اللى بيقولها نظيرك الغربى بعد 30 ثانية من بدأ كلامه وأنت بتفضل تتكلم 7 دقايق مابنعرفش منهم حاجة ألا اسمك".
وهذا هو واقعنا المرير فى التواصل الإعلامى مع الغرب، والذى يحتاج لإعادة نظر حتى يفهمنا الغرب، ونُحققَ التواصل المُثمر.
ثانيًا التواصل الحكومى: ويتمثل فى الوفود والبعثات التى تُرسلها الحكومات للغرب، وهى وفود مُرتعشة تتحرك بروتين قاتل وبيروقراطية شديدة فى التعامل، ودعونى أُنحى اللغة العربية جانبًا للمرة الثانية كى نصل لحل مع الغرب
"بص يا وفد.. لما تطلع وتسافر بره سيبك من الرسميات ومتمسكش فيها أوى، ولما تلاقى اللى بيستقبلك بيتشقلب قُدامك علشان ياخد منك ابتسامة، الله يكرمك إديهاله، ولما يفضل خمس دقايق يوجه الكلام ليك علشان يطلع منك بكلمة غير "الكلمة" اللى أنت هتُلقيها، الله يكرمك تانى قولهاله، والله يكرمك للمرة التالتة ويكرمنا من بعدك بلاش طريقة "الإنسان الآلى" فى التعامل معاهم، علشان لما يكتب تقريره عن زيارتك يبان أن كان فيه زيارة مش فاكس بريدى".
وأغلبُ اللقاءات لوفودنا يُستشف منها أنهم ذهبوا لإلقاء كلمة مُعدة سلفًا، ثم جلسوا مُنتبهين ليُدونوا تعليمات ثم يعودوا، ولو كان تواصهم مثمرًا ما كان هذا هو حالنا الآن.
ثالثًا التواصل الشعبى: وحقيقة الأمر هى أن الغرب يتواصل مع حضارتنا السابقة ولا يتواصل معنا نحن الآن، فى الوقت الذى نركض خلف حضارتهم هم الآن، ودعونى أسرد المثال لمجتمعنا فى مصر كبلدٍ سياحى، مُحتفظًا هنا بالتحدث باللغة العربية، وأقول أن السائح يُعانى التواصل مع فريق العمل فى الفنادق، وربما يستغرب البعض من أن هناك تعليمات مُشددة من إدارات الفنادق «بعدم التحدث مع السائح والتعامل معه يكون على قدر الطلب فقط» مُعللين بأن الفريق قد يصنع أزمة أثناء الحديث مع السائح، وهنا يتحول فريق العمل من صانع للأزمة إلى «أزمة» فى حد ذاته، والغريب أن هذه الإدارات تشترط على المُتقدمين لشغل الوظائف بها « إجادة لغات »، ومع ذالك فالشاب المصرى يضرب بهذه التعليمات عرض الحائط ويتواصل مع الغرب من أجل مصر حتى يفهمنا الغرب، وهذه المُجازفة تُحتسبُ له، هل فهمنا الآن لماذا لا يفهمنا الغرب؟ ولماذا الحدة فى التعامل؟ ولماذا تأتى القرارات غير مُتناسبة مع ظروف المنطقة؟ لنضعَ اللومَ علينا أولًا قبلهم.
