وأضاف «البنا»، فى حوار خاص لـ«اليوم السابع»: إن المؤسسات المالية تمتلك كمية كبيرة من البيانات، وهناك نماذج معينة داخل هذه البيانات يمكن أن تشير إلى أنشطة الاتجار بالبشر، لافتًا إلى أن البنوك يمكن أن تساعد بتحديد مؤشرات لنماذج البيانات، والعمل مع سلطات تنفيذ القانون بمجرد أن تجد إشارات على عمليات اتجار محتملة.. وإلى نص الحوار:
كيف ترى دور بنوك الشرق الأوسط فى محاربة ظاهرة الاتجار بالبشر؟
- قد لا يفكر المرء فى الاتجار بالبشر كعمل، ولكن هذا هو بالضبط ما عليه الأمر، فهو عمل يتاجر فى إجبار البشر على العمل ضد إرادتهم، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، فحوالى 21 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم ضحايا السخرة الذين خدعوا وأكرهوا على قبول وظائفهم ولا يستطيعون تركها، كما قدرت المنظمة أن هناك حوالى 600 ألف من عمال السخرة فى إقليم الشرق الأوسط.
وبينما تشمل السخرة الاستغلال الجنسى، فإن أغلبية 68% من السخرة تنطوى على الأنشطة الاقتصادية، مثل الزراعة والبناء والعمل المنزلى أو التصنيع، و22% من ضحايا السخرة، يتم استغلالهم جنسيًا و10% فى الأشكال التى تفرضها الدولة على السخرة، مثل المحبوسين فى السجون أو الذين يعملون فى أعمال مفروضة من جانب الدولة أو القوات المُسلحة المتمردة، وذلك وفقا لما ذكرته المنظمة.
وتُقدر المنظمة أن ما يقرب من نصف العدد المذكور من البشر، الذين يتم الاتجار بهم وهو 21 مليون شخص، يتم الاتجار بهم إما داخل دولهم أو عبر حدودها.
وماذا عن الاتجار بالبشر فى الشرق الأوسط؟
- هناك ما يقدر بنحو 25 مليون عامل مهاجر فى منطقة الشرق الأوسط، وتأتى دول التعاون الخليجى فى مقدمة الدول الأكثر جاذبية لهؤلاء العمال، وذلك فقا للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
وتمنح قوانين الكفالة المشروطة أصحاب العمل سلطة أكثر على خدم المنازل الأجانب فى المنطقة، ووفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الاتجار فى الأشخاص لعام 2013، فإن هذا النظام يمكن أن يساعد على الاستغلال من جانب تجار البشر، إضافة إلى أن النساء والأطفال، الذين قد يجبرون على العمل فى سباق الجمال والإجبار على التسول وممارسة البغاء، هم المعرضون بصفة خاصة للأذى فى المنطقة، وذلك وفقا لما ذكرته المنظمة.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، تحظى دولة الإمارات العربية المتحدة بالكثير من الاهتمام بشأن قضية الاتجار بالبشر، حيث أكثر من 90% من القوة العاملة فى دولة الإمارات تتكون من العمال المهاجرين من دول أخرى، بما فيها الهند وباكستان وبنجلاديش ونيبال وسيريلانكا وإندونيسيا وإثيوبيا وإرتريا والصين وتايلاند وكوريا وأفغانستان وإيران والفلبين.
والواقع أن العديد من العاملات يسافرن برغبتهن لدولة الإمارات للعمل كخدم فى المنازل وسكرتيرات وفى صالونات التجميل وعاملات نظافة فى الفنادق وخلافه، ولكن قد يجدن أنفسهن فى ظل ظروف السخرة، بما فيها الاحتجاز غير القانونى لجوازات السفر، والقيود على الحركة وعدم دفع الأجور والتهديدات والاعتداء الجسدى والجنسى، كما تتعرض سيدات أخريات للإجبار على ممارسة البغاء.
ويتم توظيف الرجال من دول مثل الهند وسيريلانكا وبنجلاديش وباكستان ونيبال للعمل فى الإنشاء والأعمال اليدوية الأخرى فى دولة الإمارات، وينتهى الأمر بالبعض للعمل فى السخرة، بما فيها غلبة الدين نظراً لدفع رسوم توظيف باهظة.
لقد بذلت دولة الإمارات جهودا حثيثة وعلى نحو واسع لمكافحة الاتجار بالبشر، وذلك بالتعاون مع اللجنة الوطنية المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر للإشراف على هذه الجهود، ومع ذلك، تركز الحكومة أكثر على الاتجار فى الجنس عن التركيز على الاتجار فى العمالة، حيث إن ضحايا الاتجار فى العمالة، خاصة الرجال، لهم حماية أقل بكثير من ضحايا الاتجار فى الجنس، وذلك وفقا لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية.
وما هى أنظمة اكتشاف ومكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر من قبل البنوك؟
- الواقع أن عمليات الاتجار تمثل فى جوهرها واقعًا مريرًا، لكنها تعنى أيضًا أن الاتجار بالبشر يترك أثر المال الذى يمكن أن يساعد السلطات على اقتفاء أثر أولئك التجار، إذا علمت السلطات ما تبحث عنه، وهنا تستطيع المؤسسات المالية أن تدلى بدلوها فى مكافحة المشكلة.
كما تمتلك المؤسسات المالية كمية كبيرة من البيانات، وهناك نماذج معينة داخل هذه البيانات يمكن أن تشير إلى أنشطة الاتجار بالبشر، فضلا عن أن البنوك يمكن أن تساعد بتحديد مؤشرات لنماذج البيانات والعمل مع سلطات تنفيذ القانون بمجرد أن تجد إشارات على عمليات اتجار محتملة.
وعلى صعيد آخر، أعلن المدعى العام فى منهاتن سايروس فانس فى مايو الماضى، أن عمليات الاتجار بالبشر تترك بصمات على المعاملات مثلما تفعل المؤسسات القانونية.
وقال فانس: «تترك كل أنواع بصمات الأصابع الإلكترونية والرقمية عندما ترتكب جريمة أو عند تشغيل منشأة تجارية»، وقال أيضًا: «إن المؤسسات المالية فى موقف فريد من نوعه لتحديد مؤشرات الاشتباه فى الأنشطة البنكية والإبلاغ عنها لتنفيذ القانون».
وتم أيضًا استخدام هذه الأساليب لمحاربة عنف الإرهابيين وغسيل الأموال والجرائم الأخرى، ولكن تم استخدامها من وقت قريب نسبياً لمحاربة الاتجار بالبشر.
وكيف تقيم دور البنوك والمؤسسات المصرفية الأمريكية فى مكافحة الاتجار بالبشر؟
- لقد كان بنك جى بى مورجان تشيس، بشكل خاص، قائداً للبنوك فى هذا المضمار، ووَرَثَ أساليبه لمؤسسات مالية أخرى، فعلى سبيل المثال، قاد بنك جى بى مورجان تشيس مائدة مستديرة فى مدينة نيويورك فى إبريل الماضى، التى شارك فانس فى استضافتها مع مؤسسة طومسون رويترز، وجمع المؤتمر بين المؤسسات المالية الكبرى ووكالات تنفيذ القانون لمناقشة التعاون الوثيق فى الحرب ضد الاتجار بالبشر.
وفى أحد الأمثلة من بنك جى بى مورجان تشيس، كشف البنك إحدى عمليات الاتجار بالبشر، أثناء إجراء تحقيق بشأن معاملات عديدة لبطاقة ائتمان فى «صالون أظافر» فى غير ساعات العمل.
وقدم بارى كوخ، العضو المنتدب والمستشار العام المشارك لبنك جى بى مورجان تشيس، النتائج حول القضية فى ندوة فى فيينا عام 2011 بالتركيز على كيفية استخدام أساليب مكافحة غسيل الأموال لمحاربة الاتجار بالبشر.
ووفقًا لبنك جى بى مورجان تشيس، فإن الخطوة الأولى لاستخدام هذه الأساليب هى تحديد العوامل التى يمكن أن تشير إلى الاتجار بالبشر، مثل الشركات والمواقع الجغرافية وطرق السفر ولمحات عن العملاء وخصائص المعاملات، وفى نهاية المطاف، يمكن للمؤسسات المالية أن تطور بروتكولات التحقيق والمراقبة القائمة على قواعد للبيانات المتاحة استنادًا على هذا النوع من البحث.
وماذا عن مؤشرات الاشتباه فى مثل تلك العمليات؟
- تشمل أمثلة مؤشرات الاشتباه الشائعة، نقل الأموال عبر الحدود بما لا يتفق مع الغرض المحدد لعميل المؤسسة المالية أو المعاملات التجارية المتكررة، التى تحدث خارج وقت العمليات التجارية المعروفة أو تسجيل رقم مرتفع للحسابات الشخصية التى تفتح وتغلق فى نفس الوقت، وذلك وفقًا لورقة أصدرها فانس ومؤسسة طومسون رويترز وبعض المؤسسات المالية الرائدة على مستوى العالم.
وماذا عن تجربة دول منطقة الشرق الأوسط فى مجال مكافحة الاتجار بالبشر؟
- على الرغم من أن دولا فى الشرق الأوسط، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، قد خطت خطوات واسعة فى مكافحة الاتجار بالبشر، فإن هناك الكثير مما ينبغى القيام به، كما أن المؤسسات المالية فى المنطقة، التى تقتدى مؤسسات مثل بنك جى بى مورجان تشيس، يمكن أن تكون ذات دور فعال للمساعدة فى محاربة المشكلة باستخدام الكم الهائل من المعلومات الموجود تحت تصرفها.
