محمد فودة

محمد فودة يكتب.. باريس تنزع قشور الشيخوخة وترتدى عبق الشباب

الثلاثاء، 19 مايو 2015 03:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
باريس هذا العام شىء آخر، تتشكل فى عيونى أجمل مدينة فى العالم.. وكانت فى الذاكرة دائمًا صورة امرأة شديدة الجاذبية والإبهار والسحر.. لا تزال باريس بهذا العبق القديم.. بل هى أكثر شبابا وحيوية وثقة.. لا أعرف كيف تتمكن من نزع قشور الشيخوخة من جذورها، ومن جلدها ومن دمائها.. وكيف تزرع بدلًا من هذه جميعها جينات التفاؤل والتحدى والصمود.. هذه باريس التى زرتها أكثر من مرة.. وفى كل مرة أراها تتجدد وتتحور وتواصل السعى نحو الإصلاح والتغيير.. فى العام الماضى كانت الأزمة الاقتصادية قد ضربت فرنسا، وهددت من بين ما هددت حضارة بلد اتفق عالميًا على تسميته «عاصمة النور».. وإذ بهذا الشعب الفرنسى المدهش يتمكن من عودة الاتزان الاقتصادى وسريعًا إلى مرحلة الانتعاش أو الازدهار الاقتصادى، لتعود فرنسا أزهى مما كانت.. هكذا هى فرنسا المبهجة دائمًا، تدعوننى وتنادينى ولا أملك أن أقاومها مهما أوتيت من قوة.. ذلك الوجه الأسطورى والتألق الفنى والفكرى والثقافى.. تركيبته عبقرية شديدة الغموض تصب فى مدينة هى فى تخيلى أعظم ما يسكن الكرة الأرضية.. تلك البقعة المغناطيسية التى تشد كل بلاد العالم نحوها.. وكل البلدان تتمنى أن تكون مثل باريس بكل ما فيها.. أتجول فيها هذا العام، وأحس أن كل شىء قد صار أكثر نضارة وشبابا.. الشوارع الكبيرة والشوارع الضيقة والمتاحف والكنائس والمنازل التى أفرزت شعراء ومبدعين وفنانين حرصت على معرفة أماكنهم، تلك المدينة المبهرة التى تعلم فيها طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرها.. تلك التى جذبت بيكاسو الإسبانى وقيدته بحبها، ونعرف جميعًا أن قيودها من الحرير التى لا تعرف أن تفك منه، ولا تقوى على أن تهرب منه، فأين تهرب وإلى أين ومتى؟ وكل الخيوط تشير إلى ما هو أبدع وأجمل مما رأيت. أهرب من ميدان الكونكورد فأرى أمامى المسلة المصرية الشامخة واحدة من أشهر معالم باريس، وأتذكر وأندهش أنه حتى الآن لم نتمكن من أن نشيد مسلة مثلها فى مصر، وكان هناك مشروع لإقامة المسلات فى محافظة الشرقية ولم يكتمل منذ سنوات، ولكن الغرب هو الذى يحتفى بنا وبإنجازاتنا وبتراثنا وبأعمالنا الفنية التى لا مثيل لها فى كل أنحاء العالم، حقًا كلما أتجول فى باريس أكتشف أنها أصبحت مدينة جديدة غير التى زرتها منذ سنوات لأكثر من مرة، هذه المقدرة على التغيير والتطوير والابتكار لا تعرفها إلا فى باريس، أتجول فى كل شبر من هذه الأرض وفى كل مرة أجد جديدًا، حينما دخلت الحى اللاتينى فاجأتنى جموع الفنانين كبارا وشبابا، يتنافسون فى تقديم أروع الإبداعات التشكيلية والقصائد الشعرية.. أجلس فى مقاهى الفنانين ولا أملك إلا الانبهار والدخول فى سحر هؤلاء البارعين فى اقتناص عيون المتلقى وخيالاته.. هؤلاء هم الذين يصنعون البهجة.. ولا يعرفون الحزن أو القلق أو تأجيل السعادة.. تجلس فى صحبتهم فتعرف أن الليل لا ينتهى وأن الصباح لا يعرف الذبول.. وأن التفاؤل الممتد هو أحد ثمار هذا الفن الأخضر دائمًا.. باريس النابضة بالمتعة تغير كل شىء إلى الأجمل.. حتى صحبتى وأصدقائى صاروا فى ألفة أكثر.. الحياة هنا فى باريس تزيد استمتاعى الكامل بالحياة.. الهواء النقى.. أستنشق هذا الهواء بعمق وكأنى أتعرف على هواء آخر غير الذى نعرفه نحن القاهريون، أكسجين نقى وطازج لم أعرف له مثيلا من قبل.. هواء يمتد ويشدنى إلى كل أنحاء باريس.. الأحياء القديمة أحس أنها تمدنى بعبق مغاير وأسرارا تتغير وتجلو أمام عيونى وتجعلنى أولد من جديد، باريس هذا العام غير كل عام، لكنها أنقى من كل عام، وأكثر براءة وإصرارا على تقديم كل جديد بكل تحضر ومعاصرة، وفى المقابل تقدم لنا التراث بكل ما فيه من عمق حضارى يرسم أكثر من ألفى عام.. هذه باريس 2015 عاصمة النور دائمًا.. تنادينى وتسكن فى الذاكرة وتثبت فى كل خلايا دمى.. تنزع الحزن والبكاء وتحصر البهجة والحب الدائم.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة