هل ترغب أن تكون مذيعا أو مقدم برنامج "توك شو" وتمتلك كل المؤهلات والخبرات الإعلامية الكافية ومنحك الله تعالى "موهبة القبول" وتلتزم بآداب المهنة، ومسئوليتك حيال وطنك وشعبك وجمهورك، وتسعى دائما لتجديد أفكارك وتجتهد بقراءة كل شىء عما ستناقشه من قضايا فى برنامجك، فضلاً عن انضباطك بالقواعد الأخلاقية والتزامك بالأصول المهنية؟
هذه مؤهلات رائعة لو كنت تعيش بدولة أوروبية ستجد فرصة ببعض المثابرة والجهد، وحينما توازن بين مصالح البلاد العليا، وتكون "صوت الناس" وتتعامل مع ضيوفك باحترام، وحين تنتقد مسئولا فيجب أن تكون مسلحا بالمعلومات الدقيقة وتلتزم بآداب الحوار واللياقة دون الانزلاق للمهاترات، لكن بالمنطق والوثائق والهدوء، وتتصرف بنزاهة وحياد دون تحامل ولا نفاق رخيص .
نعم إنها مؤهلات رائعة تكفل للذين يتحلون بها مستقبلا إعلاميا باهرا، وسوف تحقق الانتشار وتبنى "جسور الثقة" مع جمهورك بل ستبنى مصداقيتك لدى كافة الأطراف، سواء كانوا يؤيدونك أو يتربصون بك، لكنك ستنجح لأنك التزمت بالقواعد المهنية، وترفعت عن المهاترات و"وصلات الردح" التى صرنا نعانى منها، سواء عبر الفضائيات الخاصة أو شبكات التواصل الاجتماعى بالإنترنت مثل "الفيسبوك" أو "تويتر" التى تحولت ساحة للبذاءات والتخوين والتكفير من أشخاص مجهولين .
لكن للأسف فالواقع الإعلامى المصرى الحالى أصبح يثير نفور وغضب المواطنين على تنوع مشاربهم، واختلاف توجهاتهم، فهناك عدد ليس قليلا من المذيعين والمذيعات اتخذ فى الآونه الأخيرة الإثارة الرخيصة التى تستخف بعقول المشاهدين، طريقاً للصعود والانتشار، فأصبح التنافس قائماً على مدى القدرة على الإثارة وتهييج الناس وما يدفع الناس لطلب المزيد بغض النظر عن قيمة ما يقدم أو تأثيره على أعراف المجتمع وسلوكياته، وبالتالى سرعان ما يصعد نجمهم، والعكس صحيح، فالفشل يحدث سريعا، لأن اتخاذ بعض المذيعين برامجهم التى يقدمونها كمنبر للخطابة يتحدثون خلالها وحدهم لساعات، ويستخدمون انفعالات مفتعلة ومبالغ فيها ولا تخلو من السماجة والغرور والنرجسية والهلوسة أحيانا لاعتقاد هؤلاء المذيعين من "لوردات الفضائيات" أنهم أصحاب شعبية كاسحة، وقبول واسع لجماهير بالملايين، متناسين أن المصريين تغيروا منذ أربعة أعوام، ومازالوا يتغيرون ويتنامى وعيهم ويرصدون كل كلمة أو سلوك.وحتى تمتلك فرصة تقديم برنامج ينبغى أن تنخرط فى "مؤسسة الشلة" التى تفسح الطرق لبعضهم البعض فقط .
أحدثت 25 يناير و30 يونيو هزات ضخمة بوجدان الشارع، خاصة الشباب، فتراجعت شعبية بعض الإعلاميين المحسوبين على نظام مبارك لتناقض مواقف بعضهم وعدم الثبات على موقف معين تجاه عدد من القضايا، بل ذهبوا لأبعد من ذلك بتوجيه شتائم قبيحة لمبارك وأسرته الذين كانوا يتغنون بمآثرهم حين كان مبارك مازال فى الحكم، فيما تحول بعض مقدمى برامج "التوك شو" السياسية لتقديم برامج اجتماعية أو فنية أو ثقافية، فى ظل تراجع نسبة المشاهدين بشكل واضح، وشهوة المذيعين والمذيعات للظهور والبقاء عبر الشاشات مهما كان الثمن فادحا.
وبينما تقدم الشرطة شهداء كل يوم يخرج علينا أحد "لوردات الفضائيات" ليهاجم تعامل الأمن مع المحتجزين بالأقسام والسجون لكنه يتجاهل "حقوق الضحايا" فأمثال هؤلاء الإعلاميين يحتاجون لإعادة تأهيل مهنية، ومراجعة ضمائرهم، وهذا سيحدث عندما تراود القائمون على "صناعة الفضائيات" مخاوف بأن المهنة باتت فى خطر بسبب تراجع نسبة المشاهدة وفق إحصائيات ميدانية نزيهة فيبدؤون فى معالجة الأمر، والفرصة الوحيدة التى يمكن أن تكون مصر حاضرة من جديد، أن يكون هناك قدرة على صنع تجارب مختلفة عن بضاعة الكراهية والتعصب والسباب والجهل المتفشى حالياً، الذى يحاول أن يستقطب الإعلانات، حتى وصل الأمر أحيانا للتراشق بالبذاءات وتبادل اللكمات ورشق الضيوف بعضهم البعض بالأحذية، وفضلا عن كل هذه المهاترات، فهناك "سوء تقدير" من أصحاب ومذيعى الفضائيات لطبيعة المرحلة التى تشهدها مصر، وما تقتضيه من "توازنات دقيقة" فلا يشيعون روح اليأس والإحباط والمشاعر السلبية والسخط العام، وكل هذه جرائم بالمعنى الحرفى بحق الوطن والشعب الذى سيحاسبهم ذات يوم قريب جدا، أقرب مما يتخيلون .
هبة المصرى تكتب : لوردات الفضائيات.. حان وقت الحساب
الخميس، 14 مايو 2015 10:17 م