لا شك أن تصريح السيد المستشار وزير العدل السابق، فى أحد البرامج التلفزيونية، بشأن عمل ابن عامل النظافة، فى السلك القضائى، هو تصريح عنصرى، تغيب عنه الرؤية السياسية تمامًا.
واستقالته أو إقالته استحضار لهذه الرؤية فى الوقت المناسب. وهى قد بدت تصريحات صادمة، أثارت ردود فعل واسعة النطاق، على كل المستويات والأصعدة.
الطريف فى الأمر أن ردود الأفعال تعكس حالة من الانفصام لدى الشعب المصرى، لأن من يستعرض ردود الأفعال، يتولد لديه انطباع، بأن المجتمع المصرى خال من الممارسات العنصرية. مع أن هذه الممارسات موجودة، وقائمة، وفاعلة، وضاربة بجذورها فى أطناب التربة المصرية. فالنظرة الموضوعية تقتضينا الاعتراف بوجود هذه العنصرية فى مؤسسات عديدة فى الدولة. ورغم أن الدساتير المصرية تقر بأحقية المصريين دون تمييز فى تولى الوظائف العامة، إلا أن هذه المساواة تقتصر فقط على وجود مثل هذا النص، ثم لا يجد النص نصيبًا له من الواقع، أو التطبيق العملى أو الممارسة الفعلية على الأرض. تجد ذلك واضحًا جليًا فى تعيين المعيدين، والتعيين فى سلك القضاء.. إلخ. وقد عمت هذه الممارسات إلى حد وجود مصطلحات متداولة على ألسنة العامة لتوصيف هذه الحالة كمصطلح "الواسطة" ومصطلح "الكوسة".. وغيرهما. وهى فى الأصل ممارسات اجتماعية وليست ممارسات سياسية، ولذلك تجد السيد المستشار وزير العدل، قد صدر عنه التصريح، ليس كتصريحًا سياسيًا، وإنما تعبير عفوى عن حالة واقعية، ولذلك تجده يقول مستطردًا : " مش للدرجة دى ". وهو وإن كان قد دفع الثمن سياسيًا لقاء سقوطه فى مثل هذا التصريح، إلا أن ذلك لا يعالج المشكلة من جذورها. فبعد الفترة الناصرية التى طفت فيها الطبقة العمالية على سطح المجتمع، بعد تراجع دور الطبقة العليا، أو مجتمع الصفوة فى هذه الفترة، بفعل الثورة، وجدنا هذه الطبقة قد تراجعت إبان الحقبة الساداتية، بعد إعلان سياسة الانفتاح الاقتصادى، ومع الوقت بدأ تآكل الطبقة الوسطى التى أفرزتها الحقبة الناصرية، وفى الوقت الذى بدأت فيه الطبقة العليا المصطنعة فى الصعود، والتزاوج مع السلطة، كانت الطبقة الوسطى تنحدر هابطة إلى الطبقة الدنيا. والأخطر أنه قد تخلقت أثناء تلك الفترة على نحو متزامن، منظومة تعليمية، وثقافية، وسياسية، تخدم ذات الاتجاه، وتنظر له، وتعمق مفاهيمه، وتحفر له على جدران المجتمع بالحديد والنار. إذن العنصرية فى التعامل بين فئات المجتمع المصرى، ما هى إلا تعبير عن خلل فى المنظومة التعليمية والثقافية والسياسية والاقتصادية فى المجتمع.
ومهما حاولنا دس رؤسنا فى الرمال، والتغافل عن وجود هذا الخلل، فى المنظومات الحاكمة للمجتمع، فليس لنا من مخرج من هذه الاختلالات سوى بمعالجة واقعية لها فى هذه المنظومات. أما القول بأن ما صرح به السيد وزير العدل هو عين الصواب، لأنه لا يصح أن يتم اختيار أو تصعيد عناصر متواضعة فى مستواها المعيشى والثقافى والفكرى، وربما الأخلاقى، إلى مثل هذه الوظائف الحساسة، لأن ضرر وجودهم أكثر من نفعه من ناحية، وربما يكون من الأجدى للمجتمع اختيار عناصر من بيئات راقية فى مستواها المعيشى والثقافى والفكرى، لأن ذلك سيضمن توافر الاحترام الواجب لهذه الوظائف، والحفاظ على كرامتها، ومكانتها، وسلامتها، والهيبة الواجبة لها، فهو قول مردود عليه، من أكثر من زاوية، أهمها فى رأيى، وأخطرها، هو إقرار مبدأ توارث الوظائف العامة، وقصرها على عائلات بعينها، وجعلها وقفًا عليهم، وهذا يفضى فى النهاية إلى جمود الحراك الاجتماعى بين الطبقات، هذا الجمود سيقضى على الإبداع والثراء والتنوع، الذى يتخلق على نحو طبيعى فى ظل وجود الحراك الاجتماعى، هذا الحراك هو سر تقدم الأمم. ومن ثم فإن العنصرية التى تبدت فى تصريحات السيد الوزير ما هى إلا نتاج طبيعى لعنصرية المجتمع.. فهل ندرك ذلك.
حــســـــن زايــــــد يكتب: عنصرية وزير أم عنصرية مجتمع
الثلاثاء، 12 مايو 2015 10:00 م
وزير العدل السابق المستشار محفوظ صابر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ghaly
ثورة جديدة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
ليست ذلة لسان معالي الوزير