حين تهب عليك رياح عاتية يجب أن تنحنى، يمكنك بعدها أن تنتصب لتسخر منها ما استطعت.
هذا ما فعلته تمامًا حين وجدتهم يقتلون شجرة التوت أمى الأولى، لا أعلم لما يعتقد البشر أننا لا نشعر وأن كل الأرض لهم!! أنا وأمى كنا نقيم هنا منذ أربعين عامًا.. حين قرورا فجأة أن يقوموا بتشيد مبنى أسمنتى قبيح، اتخذوا بكل بساطة قرار إزالة شجرة التوت الكبيرة، كنت أنا أحد جذورها، قررت أن أتوارى تحت الأرض الطيبة، صممت أن أنمو مرة أخرى لأوريهم أنه لا أحد بإمكانه أن يتحدى الطبيعة، لا أحد بإمكانه أن يقتل حب الحياة فى قلب شجرة طموحة تحلم بإنتاج ثمار لذيذة، تحلم أن تصير موطنًا للعصافير الخجولة..
خلقنى الله وعلمنى كيف أصنع أوراقا خضراء وأغصانا ضاربة فى الأعماق.. جعلنى كالمصنع الصغير.. كل شىء يسير بدقة وأحكام، كل جزء صغير يعلم تمامًا ما هى وظيفته وكيف يقوم بها.
عبثا ما يحاول فعله البشر، يكتبون مئات الأوراق، يبحثون ويسألون، كيف أصنع من رسائل الشمس الحنونة ثمار توت؟!.. إنها قوى العشق الكونية، حين يوزع المطر القبلات على أوراقى النشيطة.. إنه المطر تلك القطرات، التى قطعت رحلة طويلة مليئة بالمغامرات، فقد كانت يوما ما فى بحر أو نهر ثم تبخرت بفعل غضب الشمس وانضمت إلى أصدقائها وكونت غيمة بيضاء تشبه غزل البنات، ثم أمطرت لتبلل اغصانى وتحكى لى قصتها ذات صباح شتوى.
اليوم أتمت الأرض نزهتها حول الشمس سبعة وعشرين مرة وصار عمرى سبعة وعشرين عاما، صرت شجرة وارفة الأغصان تمامًا، كما كانت أمى، أقف أنا هنا، وأنتم تروحون وتجيئون، تنهمكون فى أموركم الصغيرة، سعداء أحيانًا وتعساء أحيانًا.. أما أنا فأخبركم عن السعادة من وجة نظر شجرة.. السعادة ان تعطى وترى السعادة تتراقص فى عيون الاخرين.. ان اجد عصفور يزقزق فى امتنان ويشعر اننى موطنه الصغير. السعادة أن أجد أحدهم يلتقط ثمارى ويأكلها فى رضا.. تلك الثمار التى أمضيت كل العام أصنعها ثم أتركها تسقط حين يحين موعدها.. وحدى أنا أعرف موعد سقوط كل ثمرة، أعرف متى سوف تصير كل واحدة منهم صالحة للأكل وجلب السعادة.
واليوم صرت أخاف أن أواجه مصير أمى، العام الماضى حين زارنى الربيع وجدت أحدهم يقوم بقطع أغصانى البعيدة دون رحمة، سمعتهم يقولون إنهم يحافظون على جمال المكان!!، من أعطاكم الحق ببعثرة أوراقى ودهس ثمارى، التى أمضيت طوال العام أحلم بها.. مساكين أيها البشر إذا كنتم تظنون أنكم تجيدون الجمال أكثر من الطبيعة.. تلتقطون الثمار الخضراء فرحين وتغضبون حين ألقى بأوراقى الذابلة على الأرض.
أنا الآن أسقطت كل أوراقى التى انتزعها منى الخريف فقد وعدنى الربيع بزيارته، وأنا أنتظر أن ينفجر فى أغصانى كى أصنع ثمارًا.. أنا أكتب إليكم لأطلب منكم ألا تقطعوا أغصانى العالية هذا العام.. أرجوكم لا تقطعوها.
