"خمس دقائق".. الحنين إلى الطفولة يسيطر على "زينب عفيفى"

الأحد، 08 مارس 2015 04:27 ص
"خمس دقائق".. الحنين إلى الطفولة يسيطر  على "زينب عفيفى" المجموعة القصصية "خمس دقائق"
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدرت المجموعة القصصية "خمس دقائق" للكاتبة الصحفية، زينب عفيقى، عن الدار المصرية اللبنانية، وجاءت المجموعة 19 قصة قصيرة شغلت 112صفحة، ويعد "الحنين إلى الطفولة" هو المحرِّك الأساسى لقصص المجموعة.

بدأت الكاتبة مجموعتها القصصية بإهداء أشبه بالمفتتح أو المنهج الذى ستسير وفقًا له فى قصصها؛ إذ قالت فى إهدائها: «إلى الطفلة التى كانت...»، ثم وقعت باسمها الأول، وثنَّت بمفتتح آخر، قالت فيه: «حكاياتنا التى لم ننشرها، هى بعض منَّا، إن لم تكن نحن»، ووقعت باسمها الثنائي، وبهذين المدخلين، أخذت الكاتبة قارئها معها فى رحلة شجية إلى عالم الطفولة البرىء، حيث تعيش شخصيات قصصها فى واقع صلد، تجبر قسوته على استدعاء لحظات البهجة البريئة، وسنى الطفولة الناعمة.

«اللحظات المسروقة من الزمن فى حضن الذاكرة صور أبيض فى أسود»، بهذه العبارة تفتتح الكاتبة قصتها الأولى: «رائحة الطعمية»، التى تجترُّ فيها بطلتها صورًا قديمة «تحمل تعرُّجات كتعرجات السنين، وتحمل بين جنباتها أسرارًا، ووجوهًا غابت عن الوجود، عين الذاكرة ترى جزءًا، وتخفى آخر، فتبدو الصور كسرابٍ فى صحراء قاحلة»، كل هذا تستدعيه الذاكرة حين ترى البطلة «ظريفة» التى تبدو كما لو كانت فى الخمسين من العمر، رغم أنها لم تتجاوز الثلاثين، وبسرعة تعود إلى الماضى؛ لتستدعى لحظات لم تعد موجودة، بعد أن ترك الزمن آثار يده القاسية على الوجوه والأرواح: «هكذا رسم الشقاء ملامحه بكل تفاصيله على الوجه البعيد الذى تتذكَّره طفلة العاشرة بصعوبةٍ بالغةٍ، تقف فى دُكَّانها الضيق المخنوق برائحة الزيت المقدوح من كثرة قلى الطعميَّة دون أنْ تبذل عناء تغييره، تلقى بالفول المدشوش مع البصل وعيدان الكُرَّات الأخضر والكُسبرة الجافة والملح داخل الجرن العميق..».

أما فى قصة «الإرث»، فالكتابة تنحو منحًى فلسفيًّا؛ إذ تكتشف البطلة/ الطفلة فجأة أن جدَّها كفيف، رغم أن له عينين مفتوحتين، ويصبح الأمر أكبر من استيعاب طفلة لا تُدرك الفرق بين البصر والبصيرة، فتقترب منه لتتأكد بنفسها: «ضبطتنى أمِّى متلبسة أنظر إلى عينيه المفتوحتين عن قربٍ شديدٍ، كان يشعر بأنفاسى المتلاحقة بجوار أنفه ولم يتحرَّك له ساكن، وإذا بأمِّى تجذبنى من أطراف قميصى القطنى للخلف، فيبادرها جدى: اتركيها ترَ عينى وتتأكد أننى أراها»، وعندما تكبر هذه الطفلة، تعيش التجربة بكل تفاصيلها مرة أخرى، مع اختلاف مؤلم، أنها هى هذه المرة التى تلعب دور الكفيف: «وحين غزا الشيب مفرقى وبدأ الضوء يتضاءل أمام عينيَّ، وتختفى الألوان رويدًا رويدًا، حتى تبدَّلت واختُزلت فى اللون الأبيض، صرت أرى أشياء جميلة لم أكن أراها من قبل، واستطعت أن أعيش تجربة جدِّى وأمي، دون أن أفتح عينى وأغلقهما فى حركات متتالية، بلا ملل أو هلع، ويقترب حفيدى منِّي، يتحسَّس وجهى، ويضع يديه الصغيرتين أمام عينيَّ، يحاول أن يتحقَّق من أننى أراه، فتجذبه ابنتى بعيدًا عنِّي، وأنا أقول لها بعبق تاريخ يعرف كيف يترك رائحته فى دواخلنا بانسيابية: اتركيه يُدرك أننى أراه»!

وبهذه البراءة، وذلك العمق، وتلك النظرة الفلسفية التى تظهر وتتوارى بانتظام شبه ممنهج، تتوالى قصص المجموعة: السلالم الصغيرة تصعد لأعلى أيضًا، اختناق، القناع، عالم لا يفهمه أحد سواها، واحد + واحد = واحد، الكعب المكسور، الأحلام الكاذبة، الصفقة، عروسة ورق، أنا وظلِّي، القلم المقصوف، نصفى الآخر، مكتوب، سيد الحلم، شجرة الخوخ، هواجس.. وكذلك قصة «خمس دقائق» التى استعارت المجموعة منها اسمها، والتى حملت الرقم أربعة من حيث الترتيب، وفيها تقول الكاتبة على لسان الجدة التى تنتظر حفيدها وسط دوامات التذكر: «يزداد التصفيق ويتوافد الصغار من كل حدب وصوب يلتفون حولى وأنا أدور حول نفسى وأرقص، والصور تتوالى، وصوت أبى يحذِّر أمى من خروجى للعمل، وأمى تؤكد له أن زواج البنات سُترة، وتزداد الموسيقى الصاخبة... البنات الصغيرات يرقصن كفراشات ملونة... وأنا فى انتظار الحفيد الذى تأخَّر عن موعده خمس دقائق فقط».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة