كانت قصيدة الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر تبدو مغلقة، لأنه كان يسعى لإعادة إحياء مفردات فى اللغة لفظتها اللغة الاستهلاكية، وكان يجرب إيقاعات تبدو غير متسقة مع الإيقاع الذى فرضته الحضارة الحديثة على الشعراء، كان يرى أن الخيال الشعرى يقوم على حركتى هدم وبناء فى وقت واحد، كان يريد إزاحة التواطؤ والتوافق الضمنى بين الشاعر وبين المعتاد والعرفى حتى يتمكن الخيال من رؤية الطبيعة والأفكار فى جو من البراءة ، ثم إعادة الصياغة وتكوين العلاقات المفاجئة المدهشة فى كيان جديد، هو القصيدة، وعفيفى الناثر استفاد من عفيفى الشاعر فى إصابة الهدف، ولكن من أقصر طريق، فكتاب أوائل زيارات الدهشة الذى عدت لقراءته أخيرا تحرر فيه مطر من سطوة الشاعر الذى لم تتح له فرصة للارتجال خارج الشعر، استعان بفطرته ليعيد قراءة حياته، الكتاب سفر بين مواقع الطفولة وأوائل الشباب، محطاته هى لحظات الدهشة التى أقلقته وحولت انتباهه وحددت بعض المعالم فى تكوين علاقته بالعالم، عفيفى كتب شعرا كبيرا بلغة كبيرة بروح كبيرة، وربما هنا يكمن الاختلاف معه، فهو يرى أن الشاعر بمكانته القديمة مازال قادرا على القيام بدوره القديم، بينما شعراء الزمن الجديد يرون أن اللغة شفرة بين اثنين، هو يتحدث إلى الأمة وهم يبحثون بالشعر عن أصدقاء، هو عليم بأسرار موضوعه، هم يكتشفون العالم بالكتابة، مطر الذى تجاهلته السلطة وعذبته فى الماضى ولم تلتفت إلى قيمته بعد الثورة، كان صاحب سيرة نقية، أخلص للشعر ولكرامة الشاعر، وتعامل مع السلطة وشعرائها باستعلاء محبب، أضره فى الحياة، ولكنه أنقذه..كشاعر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة