بالصور.. "حميدة" ارتدت ملابس الرجال فى الصعيد "الجلابية البلدى والعمة والشال" لتأخذ بالثأر لحبيبها.. وأخذها الموت قبل أن يراها أحد أو يشعر "الصعايدة" أن كائنًا غريبًا يحيا بينهم

الثلاثاء، 24 مارس 2015 03:42 م
بالصور.. "حميدة" ارتدت ملابس الرجال فى الصعيد "الجلابية البلدى والعمة والشال" لتأخذ بالثأر لحبيبها.. وأخذها الموت قبل أن يراها أحد أو يشعر "الصعايدة" أن كائنًا غريبًا يحيا بينهم حميدة مع الأطفال فى مناسبة عائلية
كتبت سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كرم الرئيس السيسى "صيصة النمر" السيدة التى ارتدت زى الرجال لتربى بناتها الأيتام، دفعت صيصة ثمن الذكورية كله من حياتها، خبأت تحت ملابسها أنوثتها، ونسيت أن النساء فى بلادنا أحياء أيضًا ولكنهن يحيين بما تيسر أو بما قدره لهن الرجال.

لأسباب شخصية جدًا، لم أندهش من حكاية صيصة وملابسها الرجالية وأنوثتها المهدرة، ربما لأن لدى حكاية مشابهة، منعتنى الاقتراب منها من رؤيتها والكتابة عنها، بل ومن الدهشة رغم أن القصة أكثر غرابة من قصة "صيصة" الغريبة حقًا.


حميدة ترتدى ملابس الرجال - 2015-03 - اليوم السابع
حميدة ترتدى ملابس الرجال


حكايات وعادات الصعيد


فى الصعيد أساطير كثيرة، رجال ونساء يدفعون أثمانًا باهظة لعادات تركها الأجداد لنا، فى الصعيد نساء كثيرات مثل صيصة ولكن لم يسمع أحد عنهن، من هؤلاء النساء "حميدة"، حميدة السيدة التى ربتنى وأخوتى وهى ترتدى ملابس الرجال، ولم نسأل عن سر ذلك، وحدها أمى تروى السر.


العمة والشال الرجالى ضمن ملابس حميدة- 2015-03 - اليوم السابع
العمة والشال الرجالى ضمن ملابس حميدة


قصة حميدة


"حميدة" كانت شابة فى مطلع العشرينيات، عندما أخذ الثأر حبيبها وابن عمها، قتل فى مشاجرة ثأرية بين عائلتها الكبيرة وعائلة أخرى، لم يتطوع أحد ليثأر له، ربما كانت وفاته نهاية للثأر بين العائلتين المتناحرتين، أو هكذا اتفق رجال عائلتها، لن يثأر أحد، لم يعجب القرار حميدة، تطوعت للثأر لحبيبها، ارتدت ملابس الرجال، العمة الصعيدى، والجلباب، الشال الذى ينزل على كتف الرجال العريض وكأنه وسام للشهامة، ارتدت ملابس الرجال وتحلت بأخلاق رجال القبيلة، ثأرت لابن عمها، وهربت.

هربت من قريتها بسوهاج، مع عائلة أخرى من القرية نفسها، عائلة تسكن أسيوط مدينتنا التى تتوسط الصعيد وتسمى نفسها عاصمته، كانت العائلة التى احتضنتها ذات نفوذ حتى أن أحدهم شغل منصب محافظ القاهرة، بينما كان أحد أفرادها أيضًا كادرًا مهمًا فى وزارة الداخلية، هربت وعملت لديهم كخادمة وهى ابنة عائلة شهيرة.


حميدة تدخن وترتدى جلبابا بلدى - 2015-03 - اليوم السابع
حميدة تدخن وترتدى جلبابا بلدى


ثم بعد وقت قليل، التقت جدتى، أسكنتها الجدة، فى غرفة فوق أسطح بيتها القديم أيضًا، وواصلا الود كنساء من العمر نفسه، ثم ولدت قصة حب أبى وأمى، وعملت "حميدة" كرسول للغرام بينهما، تحمل له أخبارها، وتفعل العكس، تتلصص على موقف خالى من الزيجة هل وافق، هل سيوافق؟ متى يحين الوقت المناسب ليتقدم أبى لخطبة أمى مع والده؟.


حميدة مع الأطفال فى مناسبة عائلية- 2015-03 - اليوم السابع
حميدة مع الأطفال فى مناسبة عائلية


ثم تزوج أبى بأمى، وأتيت أنا، منذ ولدت، وأنا أرى حميدة فى منزلنا، لا أعرف تحديدًا ما تفعله، ولكنه بجلبابها البلدى وسجائرها، تجلس على السلم تدخن، تشترى لأمى الفاكهة والخضراوات، تشرب الشاى معها، تأكل معنا وهى واحدة من البيت، حتى ولد أخى "مروان" بعدى بعام ونصف، كان لمروان فى حبها أكبر نصيب.

تقول أمى إن حميدة كانت تحمل عنها مروان وهو صغير، تبدل له ملابسه، تهدهده، تراه ابنها الأول والمدلل، تسمى نفسها أم مروان.

نكبر قليلًا، ونذهب إلى المدرسة أو إلى رياض الأطفال، يسافر أبى إلى الخليج ككل الرجال فى الثمانينيات والتسعينيات، لم يكن أمر أتوبيس المدرسة مألوفًا وقتها، وربما كان مكلفًا، لا أعلم، كل ما أعرفه أن وظيفة "حميدة" تحولت فجأة من صديقة لأمى ومعاونة لها، إلى منبه مدرسى منتظم، تأتى قبل موعد المدرسة بساعتين على الأقل، توقظنا أنا وأخى، تشترى لنا الحلوى والفواكه صباحًا، ثم تأخذنا إلى المدرسة برفق شديد، تخشى علينا المارة والسيارات، تتشاجر مع أى سيارة تقترب، تعنف السيارات التى تمر حولنا جدًا، تحمل فى جيبها مطواة قرن غزال، لا لشىء سوى لأمنها الشخصى، ولكننى لم أرها تستعملها أبدًا.

تنتظرنا بلهفة أم أمام المدرسة وقبل موعد انصرافنا بساعتين تقريبًا، تجلس مع فراش المدرسة يتبادلان السجائر، أراها أول من يدخل المدرسة بعدما ننزل إلى ساحة انتظار أولياء الأمور، تأخذنى وأخى إلى البيت، وفى المساء تأتى مرة أخرى، تأتى لكى نتنزه بالحنطور، يحب مروان الحنطور جدًا، تحب حميدة أن تلبى له كل طلباته حتى قبل أن يطلبها.

يشترى أبى لحميدة منزلا جديدًا مستقلًا فى مساكن شعبية بمدينة تسمى مدينة مبارك، تفرح حميدة بالمنزل الجديد جدًا، تضع صورنا على حوائطه كلها، لا يبين للحائط أثر، ثم تلد أمى أخى الثالث "زياد"، تواصل حميدة حبها وتوزعه بيننا وتمنح مروان النصيب الأكبر من الحب والدلال.

يعود أبى من الخليج، نترك منزل الجدة، ونذهب إلى منزلنا، تواصل حميدة عملها كمنبه مدرسى، تبالغ فى ذلك، تخشى أن تغفو فلا ندرك موعد المدرسة، تأتى فى الرابعة فجرًا، تنام أمام السلم حتى لا توقظ أحدًا، ولما تأتى السادسة توقظنا، وبين هذا وذاك تقشر البرتقال لأن مروان يحبه.

نكبر، مع الوقت، تزداد مهامها، تلد أمى أختى الصغيرة، أتعلم طريق المدرسة وحدى، وتتكفل هى بإخوتى الصغار تذهب بهم إلى المدرسة، ثم نكبر قليلًا ندخل إلى الجامعة، ويدخل مروان كلية الشرطة، تبالغ حميدة فى كل شئ يخصه، تعلق له صورة كبيرة جدًا وهو يرتدى بدلة الكلية فى منزلها، يعرف كل جيرانها أن لمروان وضع خاص، لما يذهب إليها فى منزلها، تستقبله كوزير نزل عن موكبه.

لم تكن حميدة أماً كصيصة النمر، ولكنها كانت أمًا بديلة، تتفانى فى حبنا دون أن تنتظر شيئًا، لما اشتد بها المرض، ماتت على يد أمى، أبت روحها أن تخرج وحيدة وهى محملة بكل هذا الحب لأمى وأولادها.
ماتت حميدة ولكن قصتها الأسطورية الغريبة، ما زالت حية، لم يكرمها أحد، ولم يلتفت إليها أحد، اكتفت فقط بوصية وحيدة، أن تدفن فى مدافن عائلتنا، حتى لا ننقطع عنها بعد موتها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة