فى 30 سبتمبر 2103 كتبت مقالًا بعنوان «وزارة العقل بلا عقل»، وتساءلت فيه عن المشروع الاستراتيجى الثقافى الذى تتبناه وزارة الثقافة عقب الثورة، وما أفرزته من تحديات كبيرة، ووقتها أثار هذا المقال غضب الكثير من المسؤولين الحاليين والسابقين، وهذا ما جعلنى أخصص مقالات لما يقرب من خمسة عشر يومًا لأشرح مفهوم «العقل الثقافى»، ومفهوم المشروع الاستراتيجى الثقافى، وأهمية أن يكون للدولة مشروع ثقافى نهضوى يمشى جنبًا إلى جنب مع مشروعها الاقتصادى التنموى.
والآن بعد انتهاء أيام مؤتمرنا الاقتصادى الذى عقد فى شرم الشيخ، وما أسفر عنه من خطط ومشاريع لإقامة مدن جديدة، ومشاريع اقتصادية عملاقة، لنا الحق أن نتساءل: ماذا تنوى الدولة فعله فى الملف الثقافى؟، وكيف ستدير معركتها مع «الماضى» وما يلقيه علينا من تخلف وعنف وإرهاب؟، وكيف ستدير معركتها مع المستقبل لنضمن أن يكون خاليًا من التخلف والعنف والإرهاب؟
استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات، و توقعات بأن ينتقل ملايين البشر إلى مدن جديدة، خطط لها المخططون لتكون على أحدث طراز، لكننى أخشى أن تتحول هذه المدن الجديدة إلى دليل جديد على اغتراب مصر عن تاريخها وهويتها، وأن تصبح مصر دولة تابعة ومقلدة بعد أن كانت رائدة وقدوة، لهذا أتساءل: هل وضعت حكومة المهندس إبراهيم محلب خططًا ثقافية موازية لهذه الخطط التنموية العمرانية؟، وهل من المعقول أن نبنى مجتمعات جديدة ونتركها هكذا بلا ثقافة تربطها بوجدان مصر وتاريخها وحضارتها ومنتجها الثقافى والأدبى العام؟، وهل يصح أن نترك ملفًا كبيرًا ومهمًا مثل الملف الثقافى للصدفة والاجتهادات الفردية، وبعد هذا نبكى على الحلم المسكوب؟!
تتميز لغتنا العربية بأنها لغة الخيال، وذلك لأن معظم تراكيبها لا يخلو من استخدام المجاز، لكننا للأسف نادرًا ما نلجأ إلى استخدام خيالنا لبناء مستقبل قادر على استيعاب أحلامنا، نشكو من القبح دون أن نزرع الجمال، ونشكو من الفقر دون أن نزرع الاستغناء، ونشكو من العشوائية دون أن نزرع التنظيم، ونشكو من جفاء المجتمع دون أن نزرع المحبة، نرتكن إلى مخزوننا الأخلاقى والثقافى والحضارى دون أن نجدده ونطوره ونستخدمه، فتصبح الأخلاق «موضة قديمة»، والثقافة ترفًا يمكننا الاستغناء عنه، والحضارة شعارًا لا نرفعه إلا أمام شاشات التليفزيون، ويومًا يعد يوم يصبح ميراثنا الحضارى «نكتة بايخة» تصيب من يسمعها بالاكتئاب.
نريد أن تشد الرحال إلى المستقبل، ونريد أن نخلق لمصر مجدًا جديدًا يضاف إلى أمجادها، ونريد أن تكتسب مصر شرعية عالمية جديدة تضاف إلى شرعيتها التاريخية المستحقة، فمصر التى حمت العالم من بربرية الهكسوس، ووقفت ضد التهام المغول حضارات العالم القديم تحارب الآن إرهابًا ينتمى إلى قاموس العالم البدائى، وإذا انتصرنا - وسننتصر بإذن الله - ستعاد إلى مصر أمجادها مرة أخرى، فهل سنحارب الإرهاب بعقول خاوية؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة