وأكد التقرير الذى اعتمد على دراسة محتوى لأكثر من مائة نشيد فى مواقع الجماعات التكفيرية والتنظيمات الإرهابية، أن هذه الجماعات أفردت مساحة واسعة للنشيد كأداة مهمة للتحفيز من أجل المشاركة فى عملياتهم، معللة ذلك بأن النبى- صلى الله عليه وسلم- استعان فى حياته بالشعراء الذين وظفوا أشعارهم لإلهام وتحفيز المسلمين وتثبيط الكفار- على حد زعمهم.
- أناشيد العنف سلاح فعال للجماعات الإرهابية
وتبدو أهمية استخدام النشيد لتلك التنظيمات الإرهابية نظرًا للقدرة الهائلة له على الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور بطريقة لا يمكن لمحاضرة أو كتاب فعلها، ولأنها كذلك تحفز الجمهور من الشباب خاصة للانضمام لهذه التنظيمات، فالأناشيد تعد عنصرًا مهمًا بالنسبة لهم فى خلق "ثقافة الجهاد".
وأوضح التقرير، أن الدخول إلى قلب هذا التنظيم والتعرف على ما تتداوله عناصره من أناشيد وأغانٍ، يساعد فى معرفة ماهية هذا التنظيم وما يهدف إليه، وآلية عمله، لافتًا إلى أنه بتحليل كلمات هذه الأناشيد، فهى تحمل نفس الخصائص التى تروج للقتال والحض على خوض المعارك، ويمكن من خلالها قراءة عقيدة التنظيم العسكرية وأفكاره وسلوكياته.
وأشار التقرير إلى أن الموضوعات التى تغطيها تلك الأناشيد تتضمن الشهادة، والجهاد المسلح باعتباره الحل الوحيد أمام المسلمين، وأهمية دعم المجاهدين، ودعم قادة الجهاد الحاليين (لتوطيد العلاقة بينهم وبين الشباب)، وحال الأمة السىء، ومسئولية الشباب، وانتصار الإسلام، ووجوب الدفاع عن الدين بالجهاد فى سبيل الله- عَلى حد زعمهم.
- التقنية العالية فى إنتاج أناشيد العنف
وكشف التقرير أن هذه النوعية من الأناشيد تخضع لتقنية إنتاج عالية، ويظهر ذلك من خلال تنويع المؤثرات المصاحبة للأناشيد، والفواصل التى تتكون من أصوات حمحمة الخيل وصليل السيوف، وصوت الدبابات وأصوات البنادق، كما تظهر جودة الإنتاج أيضًا من خلال التنوع فى مستوى الأداء الفنى، بين نماذج تركز على اللغة النارية التى تعتمد على مفردات الحرق والقتل والتدمير، إلى أخرى تعتمد على ثنائية الغرب الكافر الذى يحاول تدمير الإسلام وإبادة أهله، وبين المسلم المجاهد الذى ينتصر من بعد ظلم ويزود عن الدين والحياض- على حد زعمهم.
- خصائص أناشيد العنف عند منشقى القاعدة "داعش"
ورصد تقرير دار الإفتاء أبرز خصائص أناشيد تنظيم "داعش" التى تميِّزه عن غيره، ومنها أنه يستعمل الأناشيد بشكل عام للتهجّم على خصومه، ولتعداد أولئك الخصوم وبيان "كفرهم" وعمالتهم للغرب الكافر و"الحكام المرتدّين"- بحسب زعمهم.
وأشار التقرير إلى أنه يمكن ملاحظة كلّما اقترب الفصيل الخصم من أيديولوجية التنظيم العقدية والفكرية– مثل جبهة النصرة– تتضاعف قيمة العنف والحقد، وتزداد الرغبة فى إخراج الفصيل من الملّة والقضاء عليه.
وأضاف التقرير، أن أناشيد "داعش" تكثر ترديد اسم زعيمهم "البغدادى" فى هذه الأناشيد، إضافة إلى إظهار مشاعر البهجة لحظة إعلان الخلافة، ومن بينها نشيد: "رصوا الصفوف، وبايعوا البغدادى". وكما هو واضح من عنوان النشيد فهو يدعو إلى بيعة البغدادى، وتحذر من خيانة الخليفة أو عصيان أوامره.
وأوضح التقرير أنه يمكن ملاحظة العنف الزائد عن الحد فى كلمات الأناشيد التى ينتجها التنظيم، فقد أصبحت مفردات "الذبح" والحرق وقطع الرقاب متواجدة بكثرة فى معظم أناشيد التنظيم، ويصر مؤلفو القصائد من المنتمين للتنظيم على استعمال هذه المفردات لتحقيق أهداف التنظيم العامة والتى منها: إرهاب الأعداء بالذبح والنحر والسلخ والتفجير، والرغبة فى مخاطبة مناصريهم وتعبئتهم معنويًّا.
- عنف المفردات يقارب العنف الفعلى
لفت التقرير أنه بالرغم من أن العنف من سمات الأناشيد القتالية، فإن كمية عنف المفردات الموجود فى أناشيد "داعش" يقارب العنف الفعلى الذى يمارسه التنظيم ضد مخالفيه.
وأضاف التقرير أنه من خلال الأناشيد التى تذيعها التنظيمات الإرهابية نكتشف أنها تعتمد أسلوب المبالغة فى كل ما ينتجه أو يفعله، وتعكس فاشية التنظيمات الإرهابية التى تنطلق من مبدأ إلغاء الآخر، حيث يسيطر التكبر والغطرسة على جميع مفردات الأناشيد.
- العوامل التى ساعدت على انتشار أناشيد العنف
أما عن العوامل التى ساعدت على انتشار أناشيد العنف، فقد لخصها تقرير مرصد التكفير فى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة والتى تعتمد عليها الجماعات الإرهابية فى الدعاية بشكل كبير.
واعتبر التقرير أن دعاية الجماعات التكفيرية المتطرفة منظمة جدًا ومكثفة، حيث تعمل جميع المنتجات الإعلامية لها على الاستفادة القصوى من تقنيات السينما الغربية.
وأشار التقرير إلى أن تنظيم منشقى القاعدة "داعش" يعد أحد أنشط الجماعات الإرهابية فى هذا الصدد، من خلال قيامه بنشر الصور والفيديوهات، عبر "تويتر" بصورة خاصة لسهولة استخدامه عبر الهواتف.
وقد ذكرت بعض المصادر أن التنظيم يمتلك ما يقارب 20 حسابًا رسميًا على "تويتر"، بجانب آلاف حسابات أخرى غير رسمية تابعه لأنصاره، ويعمل مبرمجو التنظيم على ابتكار تطبيقات مثل التطبيق الذى يتيح إرسال منشوراتهم للمشترك مباشرة لدى نشرها وإعادة النشر التلقائى لمتابعى المشترك.
- التأثير النفسى لأناشيد العنف على الأطفال والشباب
وحول التأثير النفسى لهذه الأناشيد، أكد مرصد الفتاوى التكفيرية أن نسبة تأثير الأناشيد على الأعضاء الجدد لهذه التنظيمات تصل إلى نسبة كبيرة، فهذه الأناشيد ترفع من مستوى الأدرينالين فى جسد الإنسان، وتكون حافزًا له فى الدفاع عن التنظيم وتنفيذ أهدافه وطموحاته، ولذلك يحرص مسئولو التنظيم على أن ترافق مقاتليه سيارة صوتيات تبث الأناشيد فلا يشعرون بالخوف أو القلق بحسب وجهة نظرهم.
ولفت التقرير إلى أن أكثر فئة تؤثر فيهم هذه الأناشيد بشدة هم الأطفال الذين لا تتخطى أعمارهم الـ15 عامًا، ويهدف التنظيم من بث هذه الأناشيد إلى رفع الحالة المعنوية لأتباعه ومؤيديه فضلاً عن بث حالة من الرعب لدى العدو وإضعاف معنوياته من خلال عنف المفردات والإيقاع، إضافة أنه يدخل ضمن أهداف هذه الأناشيد عملية "غسيل الدماغ" فى محاولة لتعديل محتويات عقل الفرد أو مفاهيمه وتصوراته وأفكاره ومعتقداته.
أوضح التقرير أن أناشيد العنف تؤثر على غالبية الشباب والمراهقين الذين تدفعهم الحمية الدينية، حيث تلتقى لديهم الأفكار الدينية المؤدلجة والأناشيد المغناة لتفرز جيلا متطرفا لا يأبه بشيء إلا الشهادة المزعومة والجنة الموعودة عبر بوابات التنظيمات الإرهابية التى تتخذ من الدين سترًا لها لتمضى قدمًا نحو أهدافها الدنيئة على طريق معبد بجثث الأبرياء.
- سبل مواجهة أناشيد العنف
أما عن سبل مواجهة هذه الأناشيد والتصدى لتأثيرها، فقد قدم التقرير عددًا من التوصيات، منها: نزع القداسة عن تلك الأناشيد، والتأكيد على أنها لا تدخل فى إطار "الدينى" أو "المقدس" أو "الجهادى"، مشيرًا إلى ضرورة دعم أناشيد التصوف، إضافة إلى ضرورة تأكيد علماء الأمة على أن هذه الأناشيد لا تمت للقيم الدينية بأدنى صلة ولا تدافع عنه أو تمثل توجهاته، ولا توصل رسالته، بل هى على النقيض تماما تشوه الإسلام ورسالته إلى العالمين.
- تطوير النشيد الدينى وإحياء ثقافة الاستماع إلى الابتهالات الدينية
ومن ضمن هذه المقترحات: تطوير النشيد الدينى وأداوته لمجابهة أناشيد العنف، ويجب أن تكون الجهود لمواجهة هذه الأناشيد على درجة احترافية فى استخدام واستغلال تقنيات الصوت والصورة، وعلى كفاءة كبيرة فى استغلال التقنيات الحديثة وصفحات التواصل الاجتماعى التى باتت ساحة الصراع الحقيقية مع تلك التنظيمات وما تحمله من أفكار وقيم تغذى العنف وتنشره على نطاق عابر للحدود.
- ضرورة إحياء الاستماع إلى الابتهالات الدينية
وشدد التقرير على إحياء الاستماع إلى الابتهالات الدينية، موضحا أن هذه الابتهالات التى أبدعها المنشدون والمبتهلون لترطيب وتليين وتهذيب النفوس وشحنها بمعانى الجمال والجلال المستوحاة من آيات ومعانى القرآن الكريم ، وكلها معانى حب وسماحة ورحمة ورفق ولين، لجديرة أن تحيا وأن تبعث وأن تجدد فى حياة الأمة والشباب من جديد.
واستطرد التقرير:
هل يتصور لمن يتربى ويداوم على الاستماع والاستمتاع بتلك الابتهالات الجميلة الندية القوية التى تلهج بهذه المعانى الراقية أن تمتد يده بالأذى لمخلوق كائنا من كان؟ وهل يتصور ممن شحنت روحه بهذه المعانى الراقية أن يكون إرهابيا قاتلا مفجرا نفسه أو غيره بغير هدف ولا سبب منطقى، إلا أنه استمع لصليل الصوارم نشيد الأباة؟- السخرية من أناشيد العنف ظاهرة تستحق الدراسة
كما لفت التقرير إلى أن السخرية سلاح فعال فى مواجهة أناشيد العنف، فقد أستطاع عدد من الناشطين والرافضين لأعمال تلك التنظيمات أن يجعلوا من السخرية من نشيد "صليل الصوارم" الذى يستخدمه تنظيم منشقى القاعدة ظاهرة تستحق الدراسة.
موضوعات متعلقة:
- دراسة لمرصد الإفتاء حول استخدام التنظيمات الإرهابية لأناشيد تدعو للعنف
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة