المتطرفون وتجار السلاح هم أصحاب النفوذ فى تلك القرية المهمشة، والمرضى والمسنون هم الضعفاء الذين لا حول ولا قوة لهم، فأغلبهم مجهولون بالنسبة للدولة.

عم بلبل يعيش وحيدا
عندما تقع عيناك على القرية ترى عششا من الطين بجوار بعضها، سكانها غطّت وجوههم معالم العجز والحزن، حياة كل أسرة فيها تمثل قصة أكثر وجعا من سابقتها، فى أحد البيوت تسمع تنهيدة وبكاء أحدهم من شدة الألم والمرض الذى ينهش جسده، وفى ذات الوقت ترى نظرات حائرة لفتاة فى الثلاثين من عمرها، لكن إعاقتها جعلتها لا تدرك شيئا من هذا الواقع القمىء الذى تعيشه.
لعم سالم ابنة معاقة وزوجة قتلها الفقر
حجرة صغيرة من الطوب لا سقف لها وارتفاعها لا يتجاوز مترين، يعيش بها عم سالم، 75 عاما، ليرعى ابنته المعاقة ذهنيًا بعد وفاة والدتها، فى هذه الغرفة- أن صح تسميتها كذلك- يوجد فى الزاوية مكان للحمام به حفرة مغطاة بقطعة قماش لتستر ما بها ولكنها مكشوفة، وهو المكان الذى يذكر عم سالم بالحادثة الأسوأ فى حياته، حيث تعرضت ابنته للاعتداء من قبل بعض الشباب.

عم سالم وابنته المعاقة ذهنيا
بنبرة شجن وضيق يقول عم سالم: «عدم الأمان والمرض هما ما جعلا كلاب السكك تتهجم على ابنتى المعاقة وهى لا تعرف أى شىء عن الحياة، فمنذ فترة تعرضت ابنتى للاعتداء من مجموعة من الشباب وهى بداخل الحمام، وذلك لأنه مكشوف من خارج المنزل، ولكن أهالى القرية أنقذوها فى آخر لحظة»
ويضيف: «قررت أن أغادر الغرفة وأسكن فى الحوش الخارجى لكى أراعى ابنتى، وأنا مريض ومسن لا أستطيع أن أقوم برعايتها على أكمل وجه، فمنذ 11 عاما توفيت زوجتى التى كانت تعولنى أنا وابنتى، ولكنها أصيبت بأزمة قلبية شديدة ولأنه لا يوجد مستشفى أو أطباء هنا فى القرية وتوفيت».
يصمت عم سالم قليلا قبل أن يستطرد فى حديثه: «أنا خايف أموت وأسيب بنتى، خايف أموت كما ماتت زوجتى، ماذا يكون مصير ابنتى من بعدى، مؤكدا أن أمنيته الوحيدة أن يعيش هو وابنته فى منزل مغلق عليهم أو على الأقل غرفة واحدة تجمعهم ومصدر رزق يعيشون عليه.
مصطفى قطع أصابع قدمه من شدة الألم
الإهمال فى العلاج وعدم وجود مستشفيات وأطباء وضيق الأحوال فى «قرية البؤس» هى الأسباب الرئيسية التى جعلت عم مصطفى يقطع أصابع قدمه بيده وذلك من شدة الوجع والألم.

إحدى سيدات القرية تنام وأبناؤها فى بيت بلا سقف
عم مصطفى قال لـ«اليوم السابع»: «أعانى من مرض مزمن فى الأعصاب وحصوة فى الكلى ومشاكل كثيرة فى المسالك البولية والقلب والضغط والسكر، ومنذ فترة لجأت إلى الطبيب ولكن فى مكان بعيد خارج القرية، وطلب منى أشعة وتحاليل، ولكنها غالية جدا، ولا أستطيع أن أتابع وخصوصا أن ابنى الأكبر أيضا مريض، ويحتاج إلى عملية فى الفقرات ولا يتحرك من مكانه، فيئست من الحياة وقررت أن أقطع أصابع قدمى بيدى من شدة الألم لأنى لا أستطيع تحمله».
وقال: «فى هذه الفترة تؤلمنى أصابع يدى أيضا»، ثم شرد عم مصطفى قليلا، وقال: «هل سأقطع أصابع يدى؟ أم سيكرمنى ربى وأتعالج أنا وابنى؟ فكل أمنياتى فى الحياة هو أن أنام الليل مرتاح البال بلا وجع ولا ألم يزعجنى».
3 مسنات بلا علاج
غرفه بسيطة مبنية من الطين بلا سقف يحميها، ولا مكان لقضاء الحاجة، فقط أربع جدران وسرير من الجريد، هنا تعيش فاطمة وحسنة وعائشة، وهن ثلاثة شقيقات مسنات، شاء القدر أن ينفصلن عن أزواجهن، الأولى بسبب وفاته والأخريان بسبب الطلاق، حيث أدى ضيق الأحوال إلى تخلى زوجيهما عنهما لعدم قدرتهما على تولى مسؤوليتهما.

عائشة مسنة وتعانى من انسداد شرايين القلب
ولكن هذا كله لم يعد مهما بالنسبة لهن، فكل همهن حاليا هو إنقاذ حياة الكبرى عائشة المصابة بانسداد فى شرايين القلب، «نفسى أختى تتعالج ونعيش زى الناس» بهذه الكلمات بدأت «حسنة» الأخت الصغرى سرد قصتها قائلة: «القرية كلها تعانى من الفقر والجوع والتطرف والبلطجة المنتشرة من قبل بعض الأهالى وتجار السلاح، ولكن كلنا يجمعنا هدف واحد هو أن نعيش حياة آدمية مثل باقى البشر». وتستطرد: «نحن لا نملك غرفة محكمة علينا، بيتنا مبنى من الطين ولا يوجد به سقف، ولا يوجد حتى حمام فما هو إلا حفرة صغيرة لنقضى بها حاجاتنا فقط ثم نردمها بالتراب، وحتى الكهرباء أخذنا وصلة من العمود الكهربائى لكى نضىء المكان، لا نمتلك إلا أطباقا للطعام وحصيرتين لى أنا وأختى فاطمة وسريرا من الجريد لأختى الكبيرة عائشة التى تعانى من انسداد شرايين القلب ولا يوجد لدينا مستشفى نعالجها فيه، وحتى لو وجد لا نمتلك الأموال، كل مصدر رزقنا هو 300 جنيه من وزارة التضامن الاجتماعى ولا تكفى».
النور مكانه القلوب
عم محمد حسن، الشهير بعم «بلبل» مسن وضرير ومريض يعول نفسه بنفسه، وعن ذلك يقول: «فى هذه القرية المشؤومة كنت أعيش مع إخوتى فى بيت واحد، وتزوجت فى هذا البيت ولدى ولد وبنت، ولكن بعد زواجهما لا أعرف عنهما شيئا، وإخواتى طردونى من البيت وتركونى فى غرفة خلف البيت بمفردى». وأضاف: «أعانى من الكبد والمرارة والضغط والسكر، وفوق كل هذا ضرير ولا أستطيع أن أعول نفسى، ولا أحد يسأل عنى ولا أولادى ولا إخوتى، فقط أعيش بهذه الغرفة وأنتظر كل من يدق بابى ويسأل عنى أو يساعدنى بأى شىء، حتى الطعام لا أستطيع أن أميز بينه فقط «اللحمة» أنتظرها من حين لآخر عندما يوزعها علينا أهل الخير فى الأعياد». حكايات وقصص البؤس لا تنتهى فى هذه القرية التى لم يحلم أهلها بأكثر من حياة كالحياة، فكل من فيها يواجه المرض والموت ولا أحد يكترث، عم «سيد أحمد» قال لـ«اليوم السابع»: «الأمراض منتشرة بشكل كبير فى القرية وأغلبها صرع وفشل كلوى وكبد بسبب التلوث المنتشر، فلا يوجد صرف صحى ولا رعاية ولا حياة نظيفة ولا مستشفى لعلاج تلك الحالات المزمنة».

عم مصطفى يعانى من مرض فى الأعصاب
وأضاف: «منذ 25 عاما أصيبت إحدى السيدات بدخول «دودة» فى عينيها أدت إلى تصفيتها وبسبب الإهمال وعدم العلاج أصيبت بالعمى، فالأغلبية أيضا لا يمتلكون حماما نظيفا، فلا يوجد بالقرية صرف صحى وذلك يؤدى إلى انتشار الأمراض»، مضيفا: «أتمنى من الحكومة أن تهتم بتلك القرية المهمشة فلا يوجد بها أبسط الحقوق الآدمية للمعيشة».

بيت مكون من غرفة ومطبخ وحمام فى زواية بالجانب لقضاء الحاجة

موضوعات متعلقة:
- بالصور.. وفد البنك الدولى فى أسوان لمتابعة مشروعات الصندوق الاجتماعى.. حافظ غانم:ضاعفنا الاستثمارات بمصر لـ1.2 مليار دولار فى سنة.. وسرى موليانى:مؤتمر شرم الشيخ أتاح للحكومة الإصلاح الاقتصادى