قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن هناك فريقًا يرى عدم وجود أى رابط بين الدين والسياسة، بينما يرى فريق آخر أن الدين تربطه علاقة قوية بالسياسة، وأن السياسة يجب أن تلتزم بالمعايير الدينية، ويرون فى ذلك مخالفة للدين، مضيفًا أن الفريق الأول يختصر الدين فى باب العبادات كالصلاة والصوم والحج، رغم أن العبادات باب واحد فى الفقه الإسلامى، وهناك أبواب فى المعاملات والجنايات والسياسة الشرعية، وغيرها من الأبواب التى ينظمها الدين .
وأوضح وكيل الأزهر، فى ندوة ثقافية بعنوان "الدين والسياسة من المنظور الفقهى السياسى"، نظمها الرواق الأزهرى برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، مساء أمس الاثنين، أن سبب هذا الاختلاف جاء نتيجة تفسير السياسيين الخاطئ للسياسة، فبعض السياسيين ينتزعون معيار الأخلاق من السياسة، كما يرون أن السياسة متغيرة والدين ثابت، وهذا خطأ فى فهم الدين، فليس كل ما فى الدين هو من الثوابت، فالثوابت فى الدين فقط هى الفرائض والمحرمات، وبقية الأحكام مثل المباحات والمندوبات والمكروهات هى مرنة وقابلة للتغيير، بل إن المحرمات أحيانًا تدخل فى باب المرونة فى حالة الضرورات، طبقًا للقاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات" فالدين والسياسة يمكن أن يلتقيا، وليس من اللازم أن يكونا متناقضين.
وطالب وكيل الأزهر علماء الدين بالابتعاد عن ممارسة العمل السياسى، وليس عن السياسة، لأنهم لا يحملون مهارات العلوم السياسية والممارسات الدبلوماسية، وإذا قاموا بذلك يسيئون لعلمهم الشرعى عندما يخطأون فى ممارسة السياسة التى لا يجيدونها، فالعالم يجب أن يكون موجهًا ومعلمًا للسياسيين عندما يطلب منه التوجيه والإرشاد، لأن السياسيين يعلمون فى السياسة ما لا يعرفه العلماء، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لصحابته : ( أنتم أعلمُ بشؤون دُنياكم).
وأشار إلى أن علماء المسلمين لهم الكثير من الكتابات فى السياسة الشرعية وتنظيم علاقة الحاكم بالمحكوم، ولكن المشكلة فى بعض التيارات التى تفهم المتغيرات على أنها ثوابت، وهو ما أوجد التصادم مع السياسة، فليس هناك شكل ملزم للحكم فى الإسلام، فالخلفاء الراشدين- رضى الله عنهم- تم اختيار كل واحد منهم بطريقة تختلف عن طريقة اختيار الآخر، وادعاء أن الإسلام أقر شكلًا واحدًا للحكم هو فهم خاطئ للدين.
وأكد الدكتور عباس شومان أن الدين لا يصطدم مع السياسة، ولكن لا يجوز أن يطوع الدين لخدمة السياسة، ولا يجوز أن يصطنع العالم حكمًا شرعيًّا ليرضى به أصحاب السياسة، ولكن إذا طُلب من العلماء رأى شرعى، يجوز لهم أن يبحثوا من صميم الدين ما يتوافق مع الوضع القائم فى المجتمع، لا أن يختلق حكمًا من خارج الدين، فالعالم يجب أن يكون بعيدًا عن ممارسة العمل السياسى، ولكن ليس بعيدًا عن السياسة، وعلماء الدين والسياسيين يمكن يقدموا الكثير لمصلحة الوطن والمجتمع، فالإسلام يجيز كل مافيه منفعة للناس.
حضر الندوة الدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر والمشرف على الرواق الأزهرى المنظم للندوة، والدكتور محمد أبوزيد الأمير رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، وعدد من الوعاظ ومن طلاب جامعة الأزهر من المصريين والوافدين .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة