نبيل شرف الدين

إعلام «النحنحة والسهوكة»

الأحد، 01 مارس 2015 08:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمتلك المصريون موهبة استثنائية فى نحت مصطلحات تتجاوز حتى اللغة العربية الرصينة فى دقة التعبير، فمثلا يشيع تعبير «النحنحة»، ومغزاه العامى يختلف جذريًا عن الفصحى، فيعرف «لسان العرب» النَّحِيحُ بصوت يُرَدِّدُه المرء بجوفه، ونَحْنَحَ إِذا رَدَّ السائلَ ردّاً قبيحاً، لكنها تعنى بالعامية تمييع الحقائق وتقلب المواقف، وارتبطت بممارسات بعض السياسيين والإعلاميين الذين يستهلون حديثهم بالإشادة بمواقف الرئاسة والجيش والشرطة والقضاء، ثم يستدركه بكلمة «لكن» وآه من لكن وأخواتها، حيث يدس السّم بالعسل، فيكيل الاتهامات ويمارس سخرية سمجة واستخفافًا بالمؤسسات التى سبق وأشاد بدورها فى بداية حديثه، بل والتحريض عليها، والنحنحة ليست سلوكًا إعلاميًا وسياسيًا يمارسه المبتزون وأدعياء الموضوعية و«الثورجية» فحسب، لكنه يتفشى اجتماعيًا حين يسعى بعض الشباب لاجتذاب الفتيات، فتراه يتصنع الرقّة، وبرعت القريحة الشعبية بوصفه بمصطلح «السهوكة» لتحايله لاقتناص ضحيته بمحاصرتها بمشاعر زائفة ومعسول الكلام والإفراط بالرومانسية المُفتعلة، لتلتقى ممارسات الشباب «المسهوك» بالإعلامى «النحنوح» فينقلب السحر على الساحر، ليصبح كلاهما هدفًا للسخرية، فالمصريون بارعون باكتشاف الزيف والاستخفاف بعقولهم.يُمارس بعض الإعلاميين التنهدات المصطنعة والتباكى، لكنها لا تنطلى على شعب يُتقن فضح أساليب الابتزاز العاطفى، فتنهال تعليقاتهم اللاذعة بمواقع التواصل الاجتماعى والمقاهى والمجالس الخاصة، فللصدق وللأكاذيب رائحة يشمها «أولاد البلد»، ويكتشفون محاولات الابتزاز العاطفى والسياسى الرخيصة، ويواجهونها بالنكات والسخرية الموجعة، وتمتد فنون النحنحة لطائفة «نشطاء السبّوبة» الذين يطلقون شعرهم، وأحيانًا يضفرونه، ويمارسون الجعجعة تارةً، وتاراتٍ يذرفون الدموع أمام الكاميرات، فيشاركهم «إعلاميو المناحات» لتتحول المقابلة لسرادق عزاء يُذكرنا بالنائحات المحترفات اللاتى يُستأجرن للطم الخدود والولولة على الفقيد، بينما ينشغل أهله بالتركة ويتناحرون بتقسيمها وصولا للمحاكم.

ويبدو أننا نعيش مرحلة «النحنحة والسهوكة» بشتى مظاهرها، فيجلس السيد الإعلامى متخذًا الوضع «متنحنحًا» ليُبدى مخاوفه بعودة الفساد والاستبداد، ويتباكى على من يسميهم «رموز الثورة» المدانين قضائيًا بجرائم جنائية، لكن صاحبنا «النحنوح» يُقطّب جبينه ويذرف دموع التماسيح، لينصب نفسه وصيًا على المجتمع والدولة ومؤسساتها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة