أسامة جاد بعد ترجمته الرواية: "أسنان بيضاء" لـ"زادى سميث" تتناول الهوية وصراع الثقافات والتطرف.. وتجيب عن: كيف يتحول مغنى راب مراهق إلى عضو فى "داعش"

الجمعة، 27 فبراير 2015 06:41 م
أسامة جاد بعد ترجمته الرواية:  "أسنان بيضاء" لـ"زادى سميث" تتناول  الهوية وصراع الثقافات والتطرف..  وتجيب عن: كيف يتحول مغنى راب مراهق إلى عضو فى "داعش" أسامة جاد يقرأ رواية أسنان بيضاء لـ"زادى سميث"
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهى الكاتب والشاعر والمترجم أسامة جاد من ترجمة رواية "أسنان بيضاء" لـ"زادى سميث"، وأكد أن واحد من أكثر الأسئلة إثارة للفضول والدهشة فى أيامنا هذه هو: كيف يتحول مطرب راب ألمانى شاب، مثلا، إلى عضو فاعل فى تنظيم "الدولة الإسلامية فى العراق والشام" (داعش)؟ أو كيف يسعى مراهق بريطانى إلى الهرب عبر الحدود للانضمام إلى هذا الكيان المتطرف؟ أو كيف يمكن لشاب أمريكى أن يعبر الحدود إلى كندا لكى يحمل سلاحا ويقتل به أبناء جلدته؟ ولماذا كان منفذو عملية شارل إبدو فرنسيين، لا عربا أو شرق آسيويين؟

وأضاف أسامة جاد، أن التأمل فى القصص التى تتناقلها وسائل الميديا المتنوعة لمثل هذه الظواهر تتوالد أسئلة متنوعة أخرى، تتعلق بمشكلات الهجرة إلى أوروبا، وقضايا التعصب العرقى، والتكيف فى المجتمعات الفسيفسائية التى نجمت عن محاولات اندماج الأجيال الأولى التى عبرت المحيطات نحو الحلم بعالم جديد، وآمن، هناك فى الغرب؟ وكيف سقطت الأجيال التالية أسيرة بين الجذور، التى لم تعد سوى حكايات تختبئ فى داخل البيوت، فى اللقاءات الموسمية للأقارب من البلاد الأصلية، وبين الواقع اليومى المعيش فى الشارع والحى والمدرسة؟ هذه الأسئلة حول التكيف والتقبل والعنصرية والتطرف، ليس لدى المسلمين فحسب، بل لدى الأعراق والإثنيات المتنوعة التى تشاركت جميعها حلم الجنة الأرضية، ولم تتخلص تماما من جذور نقمتها وعدائها القديم تجاه الفترة الاستعمارية التى لم تنته آثارها فى العالم بعد.

وأكد أسامة أن كل هذه الأسئلة، المحتشدة بالغضب والكراهية والتطرف، اللونى والعرقى والديني، تشكل مركزيات رئيسة فى العمل الروائى البديع "أسنان بيضاء" للبريطانية زادى سميث، والذى كان عملها الأول الذى صدر فى عام 2001، والذى كان بداية استثنائية ذكرت الكثيرين برائعة مارى فينشلى "فرانكشتاين" التى صدرت فى سن التاسعة عشرة، بالإضافة إلى أسئلة العلم والدين والحب والجمال.
والرواية تتأمل الحركات العنيفة من شهود يهوه الذين يحلمون بدمار العالم وأمطار الكبريت المصهور على العصاة، إلى جماعات التطرف الإسلامى التى ترى كل المجتمعات علمانية كافرة، إلى التطرف العلمى الموغل فى محاولات استغلال فكرة الهندسة الوراثية لتعديل "أخطاء" الوجود البشرى، وصولا إلى تطرف جماعات الدفاع عن حقوق الحيوانات تدور الأحداث فى سياق محبوك ببراعة، وخفة ظل، تجعل الرواية عملا استثنائيا على أكثر من مستوى، البناء الكلى، والشخصيات التى تكاد تخرج من صفحات الرواية الضخمة (تتجاوز الـ850 صفحة فى ترجمتها) لكى نراها حية ونعرفها على التقريب، فى الشارع، ومحطة المترو، والمواصلات العامة؛ شخصيات من لحم ودم، نعرفها، ونتذكرها، ويفاجئنا بدهشة هائلة أنها، وإن ظنناها شخصيات من الهامش، مركزية جدا ومؤثرة جدا، وإن ظننا وظنت تلك الشخصيات، العكس.

وتابع أسامة، أن الرواية تنطلق من محاولة متأخرة لانتحار آرشيبالد جونز، البريطانى البسيط، الذى لا يتذكر أحد متى ولد والده على التحديد، بعد فشل زواجه (آرشى) من إيطالية مصابة بالجنون المتوارث فى العائلة (ولم يخبر أحد آرشى أن شجرة عائلة آل دياجيلو تضم عمتين مصابتين بالهستيريا، وعمًّا يكلم الباذنجان، وابن عم يرتدى قمصانه بالمقلوب)، فى صبيحة أول يوم من العام الجديد، لكى يتعرف مصادفة بعدها من كلارا بودين، الجامايكية التى تنتمى إلى طائفة شهود يهوه، والتى كانت هى الأخرى تنتظر نهاية العالم فى الليلة السابقة، ويتزوجا بعد ستة أسابيع.

سوف نعرف بعد قليل أن آرشيبالد (47 عاما) كان زميلا فى الحرب العالمية الثانية لمهاجر آخر إلى بريطانيا، هذه المرة من شعب بنجلاديش، شرق باكستان سابقا، الهند سابقا، البنجال سابقا. الذين يعيشون تحت إصبع غير مرئية للكوارث العشوائية، من الفيضانات والأعاصير، والأعاصير والانهيارات الطينية. تقبع نصف بلدهم لنصف الوقت تحت الماء، أجيال تم محوها بشكل منتظم تماما على مدار الساعة، صمد مياه إقبال، الذى يشكل هو وزوجته ألسانا العائلة الوحيدة التى تربطها بأسرة جونز علاقة صداقة، كجزيرتين منفصلتين فى الفضاء البريطانى المتحفظ جدا حد العداء تجاه مسألة الهجرة وتجاه المهاجرين (فكلارا قد انفصلت عن أمها هورتنس بودين، التى رأت أنها تزوجت من كافر بتقاليد كنيسة الشهود، وهو فوق ذلك أبيض، فيما تهرب أهل وأصدقاء آرشى من حضور حفل زفافه من كلارا السوداء، ما أثار دهشتهم ودهشة زملائه فى العمل، ويعيش صمد وألسانا التناقض المستمر بين الجذور والواقع الجديد، ما بين صفقات صمد مع الرب، وهروب ألسانا من قدر البنجاليين التاريخى الذى يدفعهم إلى التشبث خفيفا بالحياة).

"هذا قرن الغرباء؛ البنيين، والصفر، والبيض"، تقول زادى سميث، "قرن تجربة المهاجرين العظيمة. تأخر الأمر فقط حتى نهاية اليوم لكى تستطيع أن تمشى إلى الملعب وتجد إيزاك ليونج بالقرب من بركة السمك، ودانى رحمان فى قفص كرة القدم، وكوانج أو. رورك ينطط كرة سلة، وأيرى جونز تغمغم بلحن.

أطفال بأسماء أولى وأسماء عائلية فى تصادم مباشر. الأسماء التى تخفى بداخلها الهجرات الجماعية، والقوارب والطائرات الضيقة، وقاعات الوصول الباردة، والفحوص الطبية. إنه فقط فى ذلك الوقت المتأخر من اليوم، وربما فقط فى ويلسدن، يمكنك أن تجد أفضل صديقتين سيتا وشارون، يقع الخطأ فى كل منهما باستمرار بسبب أن سيتا بيضاء (أحبت أمها الاسم) وشارون باكستانية (ظنت أمها أن ذلك أفضل-مشكلات أقل). نعم، على الرغم من كل الخلط، على الرغم من حقيقة أننا فى النهاية انزلقنا إلى حياة أحدنا الآخر بارتياح معقول (كما رجل فى عودته إلى سرير حبيبته بعد تمشية منتصف ليلة)، على الرغم من كل ذلك، فمن الصعب الاعتراف بأنه لا يوجد أكثر إنجليزية من الهندي، ولا أحد أكثر هندية من الإنجليزى. ما يزال هناك شباب بيض يشعرون بالغضب تجاه ذلك؛ أولئك الذين سيندفعون فى مواعيد الإغلاق إلى الشوارع خفيضة الإضاءة بسكين مطبخ ملفوفة فى قبضة مشدودة".

"ولكن ما يجعل المهاجر يضحك"، تواصل سميث، "هو أن يسمع مخاوف القوميين، الخائفين من العدوى، من الاختراق، من تمازج الأعراق، فى الوقت الذى ليست فيه هذه مسألة تذكر، حبة بندق، بالمقارنة مع مخاوف المهاجرين - التحلل، التلاشى. حتى ألسانا إقبال بهدوء أعصابها سوف تستيقظ بانتظام غارقة فى عرقها بعد ليلة زارتها فيها رؤيا لملة (ب ب؛ وراثيا، حيث ب تمثل البنجالية) يتزوج واحدة تدعى سارة (أ أ، حيث أ تمثل الآرية)، وينجبان طفلا يدعى مايكل (ب أ)، الذى يتزوج بدوره واحدة تدعى لوسى (أ أ)، تاركا ألسانا مع إرث من أحفاد لا يمكن تمييزهم (أ ا ا ا ا ا ا!)، تتخفف بنجاليتهم تماما، فى نمط جينى يختفى وراء نمط ظاهري. إنه الشعور الأكثر عدم عقلانية، والأكثر طبيعية فى العالم فى الوقت نفسه. فى جامايكا فالأمر أيضا موجود فى قواعد اللغة: ليس هناك اختيار بين الضمائر الشخصية، لا انقسامات بين أنا أو أنت أو هم، هناك فقط الـ أنا النقية المتجانسة.
عندما بدأت هورتنس بودين، نصف البيضاء هى نفسها، تسمع عن زواج كلارا، جاءت إلى جوار المنزل، ووقفت على عتبة الباب، وقالت: "افهمى: أنا وأنا لا نتحدث منذ هذه اللحظة وما بعدها"، ثم أدارت كعبها، وكانت وفية حقا لكلمتها. ولم تكن هورتنس لتبذل كل هذا الجهد تجاه الزواج من أسود، تجاه جر جيناتها بعيدا عن الحافة، هكذا فقط يمكن لابنتها أن تحضر أطفالا ملونين أكثر إلى العالم".
فى هذه الدائرة تظهر عائلة تشالفين، اليهودية المتطرفة فى علمانيتها، بين الأم عالمة البستنة والحدائق، والأب العالم فى أبحاث الهندسة الوراثية، العائلة التى "تشلفن" كل شىء، لا تصدق بالمعجزات، وترى لكل شىء أسبابه العلمية وحلوله العلمية أيضا.

ومع محاولات الجيل الثانى (الأبناء) للاندماج فى المجتمع الجديد يبرز الصراع على كافة المستويات؛ صراع الأجيال بين الآباء والأبناء (آرشى وكلارا/أيرى، وصمد وألسانا/ملة وماجد، وماركوس وجويش/جوشوا)، وصراع الآباء والأبناء معا مع المجتمع فى شمال لندن: هذه سلالة جديدة، تنضم حديثا إلى صفوف حشود الشارع: الخانعين، والـ"بى بويز"، والأطفال المستقلين، وأبناء الحياة، والمهتاجين، والمتواقحين، ومتعاطيى حبوب الهلوسة، والرائعين، والمنفتحين والحثالة، وإخوة الأمة، والراجا والباكى؛ سلالة تجلى نفسها كنوع من التهجين الثقافى للتصنيفات الثلاثة الأخيرة. يتحدث الراجاستانيون مزيجا غريبا من العامية الجامايكية، والبنجالية، والجوجاراتية، والإنجليزية. مرجعياتهم، وطرحهم، إن كان يمكن تسميتهما كذلك، كانت فى المحصلة شيئا هجينا: تجلى الله، ولكن كأخ جماعى أكبر منه ككيان أسمى، كشخص غريب وقاس سيقاتل فى صفهم إذا كان ضروريا؛ الكونج فو وأعمال بروس لى كانت أيضا مركزا لفلسفتهم؛ أضف إلى ذلك القليل من القوة السوداء (كما يجسدها ألبوم الخوف من كوكب أسود-عدو الشعب)، ولكن بالأساس فمهمتهم أن يستعيدوا غير الخانع فى الهندى، واللطيف فى البنجالى، والمرح فى الباكستانى. لقد عبث الناس مع راجيك، قديما فى تلك الأيام عندما ذهب لنادى الشطرنج وارتدى تى شيرتات برقبة مثلثة. وعبث الناس مع رانلى، عندما جلس فى نهاية الفصل ونقل باهتمام كل ملاحظات المدرسين إلى كتابه. وعبث الناس مع دابيش وهيفان عندما ارتديا ملابس تقليدية فى الملعب.

حتى أن الناس عبثوا مع ملة، بالجينز الضيق وملابس الروك البيضاء. ولكن لم يعد أحد يعبث معهم من جديد لأنهم بدوا مثيرين للمتاعب. بدوا مثيرى مشاكل نموذجيين. بالطبع، هناك زى خاص. كل منهم مرصع بالذهب ويرتدى العصابات، إما ملفوفة حول جباههم أو مربوطة حول مفصل ذراع أو ساق. البنطلونات فضفاضة، تغمر الأشياء، والساق اليسرى دائما لسبب غير مفهوم ملتوية نحو الركبة؛ الأحذية الرياضية رائعة على حد سواء، بألسنة طويلة تحجب الكاحل كاملا؛ وقبعات البيسبول إلزامية، منخفضة ومتدلية ومثبتة؛ وكل شىء، كل شىء، كل شيء نايكى، أينما ذهب خمستهم فالانطباع الذى خلفوه وراءهم نوعا من علامة نايكى تجارية عملاقة، علامة "صح" ضخمة للشركة. ويسيرون بطريقة محددة جدا، يتقمص الجانب الأيسر من أجسادهم نوعا من الشلل الخفيف الذى يحتاج معه لأن يكون محمولا على الجانب الأيمن؛ كنوع من العرج غير التقليدى، الفخم، مثل الحركة الحثيثة التى تصورها ييتس لوحشه الألفى الهائج. قبل عشر سنوات، بينما ترقص الرؤوس السعيدة المنتشية بعقار الهلوسة فى صيف الحب".

فى هذا الإطار العام تنسج زادى سميث تحفتها الروائية ببراعة مدهشة، لنرى، عبر بناء يعتمد إطارا عاما يستمد من طب الأسنان وجذورها القنوات الجذرية للشخصيات وآثار الأسنان البارزة، والمكسورة والمنطمرة بنية هيكلية ترصد من خلالها الأحداث وتستكشف دوافعها ونتاجاتها، وتجعل من علوم الوراثة الجينية ومكتشفات الجينوم البشرى إطارا ثانيا يناقش اختلافات التوائم، وإشكالات التكيف والارتباط بالجذور العميقة للدين والتقاليد: إذا كان الدين هو أفيون الشعوب، فإن التقاليد هى مسكنات أكثر شرا، وذلك ببساطة لأنها نادرا ما تبدو شرا. إذا كان الدين رباطا ضيقا، وريدا يخفق، وإبرة، فإن التقليد اختراع أكثر ألفة: بذور خشخاش تستقر فى الشاى؛ أو مشروب كوكاكولا حلو ممزوج بالكوكايين؛ ذلك النوع من الأشياء الذى قد تكون جدتك قامت بإعداده. بالنسبة لصمد، كما هو الأمر بالنسبة لشعب تايلند، فالتقليد ثقافة، والثقافة قادت إلى الجذور، وهذه جيدة، هذه مبادئ لم تلوث. هذا لم يكن يعنى أنه يمكن أن يعيش بها، أو يلتزم بها، أو يكبر بالطريقة التى تطالب بها، ولكن الجذور هى الجذور، والجذور جيدة. سوف لن تصل إلى أى مكان وأنت تخبره أن الأعشاب لها أيضا درنات، أو أن أول علامة على تخلخل الأسنان هى شىء فاسد، شىء متدهور، عميقا فى اللثة. الجذور هى المحفوظة، الحبال التى يلقيها المرء لإنقاذ الغرقى، لإنقاذ أرواحهم. وكلما أوغل صمد نفسه بعيدا فى البحر، وانجرف إلى الأعماق بواسطة حورية بحر اسمها بوبى بيرت جونز، كلما كان أكثر تصميما على أن يؤسس جذورا لابنيه على الشاطئ، جذورا عميقة لا تستطيع عاصفة أو نوة أن تقتلعها.

ترصد الرواية عوامل الجنون والغضب فى المدينة، وصراعات الحداثة فى مقابل التقاليد، ويبرز عبر ذلك كله الأثر الفادح الذى ارتكبه العاهل الإمبراطورى البريطانى بيديه البيضاوين المنمشتين فى هوية شعوب المستعمرات، وقصص التمرد الهندى العظيم، وزلزال كينجستون فى جامايكا، والتحولات الدينية الجذرية فى حياة أهل المستعمرات وفق هوى السيد البريطانى أيا كان.

وعلى هامش كل ذلك نرى حياة المهاجرين فى لندن؛ الهندوسى فى المطعم، وجزار الحلال فى كريكلوود، والمهاجر العراقى فى قاعة أوكونيل، ومجانين الشارع على تنوعهم، فى سرد يتخلص من زخارف البلاغة الثقيلة، ويعتمد السخرية عنصرا مركزيا يحول العمل بالكامل إلى قصة ممتعة، ترتكز على بنيات مشهدية وصوتية وإيقاعية موغلة فى التفاصيل غاية فى الإتقان.

اليونسكو تنظم مؤتمرًا لمواجهة الأعمال الإرهابية فى باريس والشرق الأوسط









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة