وتختلف الأسباب حول فوز اليمين فى أوروبا عن فوزه فى دول أمريكا اللاتينية، ففى أوروبا يرجع السبب الرئيسى أزمة المهاجرين ومحاولة الأوروبيين من التخلص من هذه الأزمة عن طريق اليمين المعادى للمهاجرين والمسلمين ، أما فى أمريكا اللاتينية فتتجه لليمين للخروج من الأزمات الاقتصادية التى تعصف بالبلاد.
وفى جميع الأحوال فإن اليمين أكبر المستفيدين مما يحدث فى أوروبا وأمريكا اللاتينية سواء من تفجيرات إرهابية أو أزمات اقتصادية ، مما جعل الأحزاب اليمينية تستغل هذه الأحداث لصالحها، وتعتبر تفجيرات باريس فرصة ذهبية يقتنصها اليمين فى أوروبا للعودة مجددا للسلطة ، وذلك بعد الهزيمة التى لحقت به فى الآونة الأخيرة ، التيار الذى خسر فى آخر انتخابات بعدد من الدول الأوروبية يسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب خلال موسم الانتخابات الجارى والقادم مستغلا الأحداث الإرهابين لجنى مزيد من الأصوات من خلال ترويج فكره المتطرف المناهض للإسلام والعرب.
فرنسا
حصل الجبهة الوطنية الفرنسى (اليمين المتشدد) على أكثر من 30.6% من أصوات الناخبين فى الدول الأول من الإنتخابات الإقليمية فى فرنسا، وبحسب نتائج استطلاع آراء الناخبين عند مغادرتهم مراكز الاقتراع، فإن مرشحى الجمهوريين و"الحركة الديموقراطية" (MoDem) وحزب "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" حصلوا مجتمعين 27% فقط من الأصوات، فيما احتل الاشتراكيون وحلفاؤهم المرتبة الثالثة بـ 22،7% من الأصوات.
وبعد اختراقات كبيرة حققها فى الانتخابات البلدية ثم الأوروبية، يبدو حزب "الجبهة الوطنية" قادرا على الفوز فى منطقتين أو ثلاث مناطق من أصل 13 منطقة فى المجموع، وهو أمر غير مسبوق فى البلاد
وتبدو زعيمة الحزب مارين لوبن الأفر حظا للفوز فى الشمال بينما تتصدر ابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبن استطلاعات الرأى فى الجنوب، ورفض زعيم المعارضة اليمينية فى فرنسا الرئيس السابق نيكولا ساركوزى أى تحالف مع اليسار فى الدورة الثانية فى الإنتخابات الإقليمية بالرغم من تقدم اليمين المتشدد.
وتعتبر مارين زعيمة التكتل اليمينى المتطرف فى البرلمان الأوروبى والتى صرحت صراحة بعدائها للمهاجرين ودعوتها أن يعودوا على نفس السفن التى جاءوا بها.
ويذكر أن بعد ساعات من التفجيرات التى وٌجهت فيها أصابع الاتهام إلى اللاجئين السوريين بدأ التيار اليمينى فى استغلال الحادث لصالحة بتوجيه لوبين أول ضربة للمسلمين فى فرنسا بدعوتها لحظر المنظمات الإسلامية وغلق المساجد المتشددة وطرد الاجانب الذين يدعون إلى الكراهية – على حد زعمها - وأيضا "المهاجرين غير الشرعيين الذين ليس لديهم ما يفعلونه هنا". وقالت الزعيمة اليمينية إن "الفرنسيين لم يعودوا فى أمان".
اليمين بألمانيا
تعد ألمانيا نموذجا على صعود اليمين واستغلاله للظاهرة لمهاجمة الحكومة وتحقيق مكاسب انتخابية، فقد ظهرت حركة باجيدا المناهضة للهجرة وللوجود الاسلامى فى ألمانيا وحزب "البديل من أجل المانيا" اليمينى والمناهض للاتحاد الاوروبى، وتركز "باجيدا" منذ شهور قليلة على معاداة ما تعتبره "أسلمة أوروبا "، حيث تعتبره اعتداء على الهوية الثقافية الاوروبية، وعمدت الحركة إلى حشد وتنظيم التظاهرات التى تحاول الحركة أن تكون كبرى من حيث حجم المشاركة، لتأكيد رفض الرأى العام لوجود الجاليات المسلمة، ونجحت الحركة فى الوصول بأعداد المتظاهرين فى بعض هذه التظاهرات إلى 18 ألف شخص. واجتاحت موجة من المظاهرات المانيا من التيارات اليمينة المتطرفة والذين كانوا يهتفون لرحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورفعوا صورا لها مرتدية الحجاب مع عبارات تتهمها بأنها ستدمر ألمانيا بالإسلام
اليمين فى بولندا
وترافق موقف بولندى بعدم استقبال لاجئين من سوريا بعد تفجيرات باريس، ثم جاء الإعلان عن وجود جواز سفر سورى إلى جانب جثة أحد المهاجمين المفترضين ليفتح باب الجدل واسعا، وهو باب ظل اليمين الأوروبى، وحتى يمين الوسط يستغله، سواء فى شرق أوروبا أو غربها، للحديث عن "وجود إرهابيين بين اللاجئين
اليمين فى الدنمارك
فيما قال وزير العدل الدنماركى من حكومة اقلية اليمين سورن بيند :"ما حدث فى باريس يثبت للأسف تخوفنا، أننا تركنا سوريا تنتج قوافل اللاجئين إلى أوروبا، ونحن ندافع الآن ثمن سلبيتنا بثمن باهظ جدا"، وأيضا حزب الشعب اليمينى المتطرف فى الدنمارك، حيث عبر عضو البرلمان سورن اسبرسن "لقد أثبتت هجمات باريس الحاجة إلى مزيد من الأمن والشرطة وإقامة نقاط حدود تراقب الداخلين والخارجين وتحقق معهم".
بريطانيا
أحداث باريس ستعزز وجهة نظر بريطانيا والتى يحكمها ديفيد كاميرون اليمينى والتى طالبت كثيرا بتقييد حرية التنقل بين دول أوروبا وخاصة اللاجئين، وهو الأمر الذى أثار خلافات بين لندن والإتحاد الأوروبى، وكل هذه التداعيات ستعزز من رجاحة وجهة النظر اليمينة وبالتالى ترجيح صعود اليمين الذى يكتسب تأييد شعبى من مواقفه تجاه هذه القضايا والاجراءات التى يأخذها الحزب اليمينى بقيادة كاميرون من تشديد قوانين الهجرة بإلزام الوافدين تأمين فرصة عمل خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من بلوغ أراضى البلاد، مع عدم حصولهم على الامتيازات الاجتماعية التى تقدمها الدولة قبل مرور أربعة سنوات على الإقامة والعمل، واتخذ خطوة إضافية، بعدم استبعاده تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الاستقلال البريطانى، فى مغازلة مباشرة لليمين المتطرفة لتعزيز فرصه فى الانتخابات المقبلة.
أسباب صعود اليمين المتطرف فى أوروبا:
كان صعود الأحزاب اليميية متوقعا نتيجة الفراغ الأيدولوجى بعد انتهاء الحرب الباردة وتأكيد تلك الأحزاب على الخصوصية القومية الأوروبية من رفض سياسة المهاجرين الغير شرعيين خاصة المسلمين ، كما ساهم فشل الحكومات فى حل أزمة اليورو عام 2008 التى أدت لاتباع سياسات التقشف والبطالة من أهم أسباب صعود اليمين المتطرف فى أوروبا التى تروج دائما ضد الإسلام وترى أنخ يهدد ثقافتها وحضاراتها.
اليمين فى أمريكا اللاتينية
أما فى أمريكا اللاتينية فإن اليمين المتشدد يعصف باليسار الذى مكث فى الحكم لسنوات عدة ، كما أن تقدم اليمين يهدد الآن سيطرة الجنس الناعم على كرسى الرئاسة بأمريكا اللاتينية، حيث تميزت قارة أمريكا الجنوبية باختيار قيادات نسائية منذ عقود ، حتى أصبحت مثالا يحتذى به فى اختيار النساء فى منصب رئيس الدولة، ولكن لا تأتى دائما الرياح بما تشتهى السفن فالأوضاع الإقتصادية فرضت تحديات كبيرة على إدارات بعض الدول ، وبدت كأنها فى حاجة لتغيير القيادة ، ولكن هذا قد يكون معناه عدم تمثيل المرأة فى كرسى الرئاسة فى هذه القارة.
وبعد أن شهدت أمريكا اللاتينية لحظات تاريخية فى سياساتها بوجود عدد من القيادات النسائية التابعات لأحزاب يسارية، إلا أنه الآن يختلف الوضع، وفى الوقت التى تتحول فيه أمريكا اللاتينية نحو اليمين ستصبح فيه بلا قيادات نسائية.
الأرجنتين
وتعتبر الأرجنتين أكبر مثال على تحول أمريكا اللاتينة إلى اليمن، فبعد حكم اليسار 12 عاما فى الأرجنتين، و8 سنوات كانت تخضع لحكم كريستينا فيرنانديز، تحولت الآن إلى اليمين بعد فوز موريسيو ماكارى، وذلك رغبة من الأرجنتين فى التغيير وفاز بنسبة 51%، ووعد بتحرير القيود المفروضة عليها، كما تعهد بالتخلص من نظام التحكم فى الأسعار المثير للجدل الذى كان يتم تطبيقه فى عهد كريتسينا فيرنانديز.
ويمثل ما حدث فى الأرجنتين نذيرا لأحزاب يسار الوسط الحاكمة فى البرازيل وتشيلى.
البرازيل
أما فى البرازيل فمنذ ترك لولا دا سيلفا الحكم فى البرازيل لعدم تمكنه من الترشح لفترة ثالثة على التوالى وفقا للدستور، لتحل محله مساعدته ديلما روسيف، تراجعت وتيرة النهضة الاقتصادية البرازيلية، بل أن السياسات الاجتماعية شهدت تراجعا أيضا أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ضد روسيف فى يونيو 2013، وعلى الرغم من أن روسيف قد نجحت مع ذلك فى الحصول على فترة رئاسية ثانية، إلا أن ذلك جاء بصعوبة بعد جولة إعادة مع مرشح الوسط إيسيو نيفيز الذى حقق مفاجأة بالتقدم على مارينا دا سيلفا الناشطة البيئية المنشقة عن الحزب الحاكم، والتى كانت المرشحة لمنافسة روسيف فى الإعادة، أى أن إنذارا بالتغيير كان قد دق فى البرازيل، ولكن بعد فترتين من الحكم فى ظل وجود أزمة اقتصادية كبرى ستعصف بالبلد، من الممكن أن يتجه البرازيليون لاختيار اليمين مثل الأرجنتين فى محاولة للتغيير.
الباب مفتوح فى كوستاريكا
أما كوستاريكا فمن دول أمريكا اللاتينية التى حافظت على الباب مفتوح مع اليسار بعد فوز لويس جيليرمو سوليس الذى حقق فوزا ساحقا ف الانتخابات الرئاسية فى كوستاريكا، وجاء بعد لورا شنشيلا ميراندا والتى كانت اول سيدة تصل لمنصب رئاسة كوستاريكا، وكانت تنتمى لحزب التحرير الوطنى اليسارى، وكانت سياسة شنشيلا تعمل تحت شعار السياسة التقديمة من أجل عالم أفضل وكانت سياستها تعارض إباحة الإجهاض ومنع الاعتراف بزواج مثلى الجنس.
تشيلى
وأيضا فى تشيلى تستمر ميشيل باشلى فى رئاسة البلاد، فربما كانت شعبية الرئيسة إضافة إلى دستور تشيلى الذى يقضى بمنع الترشح لفترتين متتاليتين، وراء استعادة اليسار لمقعد الرئاسة من الليبرالى المحافظ بينرا، أى أن تشيلى قد تكون أيضا فى طريقها إلى اليمين المحافظ. ووعد ماكرى أثناء حملته الانتخابية بالابتعاد عن فنزويلا، والاقتراب أكثر من حلف الباسفيك الذى يضم بيرو وكولومبيا والمكسيك، وهى المجموعة الأبعد عن اليسار فى أمريكا اللاتينية.
فنزويلا
فاز اليمين فى فنزويلا فى الإنتخابات التشريعية التى جرت أمس الأحد، والذى يعتبر تاريخى لأول مرة بعد 16 عاما ، وقالت الصحيفة إن ائتلاف المعارضة برئاسة خيسوس توريالبا حصل على 99 مقعدا مقابل 46 مقعدا لحزب فنزويلا الاشتراكى الموحد برئاسة الرئيس نيكولاس مادورو، وقال توريالبا "اليوم بدأ التغيير فى فنزويلا".
ومن ناحية آخرى أقر مادورو بهزيمة حزبه فى الانتخابات، مؤكدا فى كلمة تلفزيونية بعد إعلان النتائج رسميا "نقول لفنزويلا إن الدستور والديمقراطية انتصرا، وأن الحرب الاقتصادية انتصرت"، جئنا بأخلاقياتنا وادبياتنا للاعتراف بهذه النتائج ،لكنه اقر انه تلقى هذه الهزيمة "كصفعة".
وقالت ليليان تينتورى زوجة ليوبولدو لوبيز الذى يقود الجناح المتشدد فى المعارضة والمعتقل الآن إن "لقد انتصرنا بفارق شاسع، انتصرنا فعلا ، ولكننا لا نعلم ما الذى ستفعله الحكومة، عليهم أن يعترفوا بهزيمتهم ولكنهم بالطبع لا يريدون أن يفعلوا".وقالت فى تغريدة لها على حسابها بتويتر "الآن أستطيع أن أقول لأبنى أن الحرية انتصرت".
ويعتبر فوز المعارضة فى فنزويلا انتكاسة كبرى للثورة الاشتراكية التى بدأت قبل 17 عاما بقيادة الراحل هوجو شافيز ، كما أنها تمثل ضربة قوية لليسار بأميركا اللاتينية،مشيرة إلى أن تباطؤ الاقتصاد ، والفساد ، كان لهما الفضل الأكبر فى فوز اليمين.
وكانت استطلاعات الرأى تشير إلى فوز المعارضة فى هذه الانتخابات خاصة بعد هبوط أسعار النفط فى بلد يملك أكبر احتياطات نفطية فى العالم ، واعتبر لويس فيثينتى ليون رئيس مؤسسة الاستطلاعات داتاناليسيس ان هذا الفوز يشكل "تصويتا عقابيا بالغا فى الاهمية ردا على ادارة مادورو" وهو منعطف تاريخى فى هذا البلد منذ وصول الحركة التشافية الى السلطة عام 1999.
عدد الردود 0
بواسطة:
**** أحفاد الفراعنه ****
ولكنه ليس يسارياً..