موعودة أوروبا بانتظار العائدين من الحرب منتصرين أو منكسرين لكن فى الحالتين المعاناة والنظرة المختلفة للمجتمع تكون موجودة، لكن هذه المرة فى انتظار كتائب من الدواعش الذين يعشقون الدماء ويبحثون عن الغفران عن طريق القتل ومزيد من القتل.
توجد فى بلجيكا مدينة "مولنبيك" التى داهمتها الحكومة عقب أحداث باريس، هذه المدينة معروفة باستقطاب المتطرفين الذين سافروا وانضموا إلى تنظيمات إرهابية ثم عادوا مرة أخرى، حيث خرج من هذه المدينة مقاتلين نفذوا عمليات إرهابية كثيرة فى أوروبا وبلجيكا، فمتطرفو هذه المدينة نفذوا عام 2001 عملية اغتيال القائد الأفغانى أحمد شاه مسعود فى بلدة خوجة بهاء الدين بولاية تخار الأفغانية، إضافة إلى أنها أخرجت حسن الحسى الذى أدين بالمشاركة فى تدبير اعتداءات مدريد عام 2004 والتى أسفرت عن مقتل 191 وإصابة 1800 ومهدى نموش المشتبه به الرئيسى فى الاعتداء على المتحف اليهودى ببروكسل مايو 2014، وأقام فى هذه البلدة أيضا أيوب الخزانى منفذ الهجوم على قطار تاليس بين أمستردام وباريس .
والإحصاءات الرسمية فى بلجيكا تؤكد أن "بروكسل" أصبحت مركز توزيع الجهاديين الأوروبيين، وأن عدد البلجيكيين الذين انخرطوا فى الجماعات الجهادية فى سوريا والعراق بلغ 285 بلجيكيا وأن هذا العدد فى تزايد مستمر ووفقا لأراء المتخصصين المستقلين فإن عدد الذين التحقوا بداعش من القاعدة أو جبهة النصرة وفرع القاعدة فى سوريا هم فى الحقيقة أكثر من 516 بلجيكيا مما جعل بلجيكا البلد الأوروبى الذى يقدم المحاربين الإسلاميين أغلبهم من الشباب الذين اعتنقوا الإسلام، وهنا يكمن الخطر الواقع علينا نحن العرب لكن الخطر الذى يهدد القارة العجوز هو أن التقارير أكدت أن عدد الذين تم تجنيدهم وعادوا إلى الأراضى البلجيكية يصل إلى 135 مقاتلا.
وتعاظم المخاطر المتصلة بعودتهم لبلدانهم إذا عادوا إلى هناك محملين بأفكار السلفية الجهادية وبخبرات قتالية عالية ستمثل قنابل موقوتة فى مواجهة مجتمعاتهم، وكما عايشت المجتمعات العربية مشكلة العائدين من مناطق التوتر والقتال فى أفغانستان وألبانيا والبوسنة، فإن المجتمعات الأوروبية هى الأخرى تواجه اليوم معضلة "العائدون من سوريا".
وفى دراسة لمعهد واشنطن بعنوان "الجهاديون الأجانب فى سوريا، تعقب شبكات التجنيد"، حيث الدراسة على المقاتلين الذين تم قتلهم من الأجانب، والتى تم نشرها على صفحات الإعلام، وأثبتت أن أغلب إشعارات الوفاة وصلت لأكثر من ألف ومائة مقاتل حتى النصف الأخير من عام 2013 وهو ما يشير إلى تدفق المزيد من المقاتلين الأجانب فى سوريا كلما امتد أمد الصراع هناك.
ربما السؤال: لماذا بلجيكا معقل الدواعش فى أوروبا، وربما القارئ للظروف السياسية فى أوروبا يعرف أن هذا ليس جديدا فبلجيكا منذ التسعينيات تعد قاعدة للشبكات الإسلامية، وقد أصبحت مركزا لتبادل المجاهدين وظلت مركزا لسوق السلاح الذى يأتى من الاتحاد السوفيتى المفكك.
كانت صحيفة الإندبندنت من قبل قد نشرت مقالا تتحدث فيه عن انتشار السلفيين السعوديين فى بلجيكا يعود إلى سنوات ستينات القرن الماضى فقد عرض الملك بوداون على العاهل السعودى الملك فيصل، لتأمين الصفقات النفطية، مشروع بناء مركز إسلامى، وتوظيف دعاة سعوديين للعمل فيه، وأضافت الجريدة أن الجالية المسلمة فى بلجيكا كانت وقتها فى معظمها من المغرب وتركيا، وكان مذهبها مختلف عن مذهب المركز الإسلامى، فهى تتبع المذهب المالكى الأكثر تسامحا، ولكن أفرادها سرعان من اتخذوا السلفية منهجا، على يد الدعاة السعوديين.
ويوجد فى بلجيكا ما يقرب من 330 مسجداً، نصفها يوجد فى فلاندر، الناطقة بالهولندية، والنصف الآخر موزع بين فالونيا وبروكسل والدولة لم تعترف سوى بـ 85 مسجدا ، واعترفت بلجيكا، مبدئيا، بالدين الإسلامى فى 19 يوليو 1974. أما فحوى القانون المتعلق بالمسلمين فيتمثل فى الاعتراف بالإدارات التى تتولى رعاية الشؤون الدينية لمعتنقى الدين الإسلامي، وما يترتب على الدولة من التزامات نحوها جراء ذلك.
وفى 2015 نشرت صحيفة لوسوار البلجيكية تقريرا بعنوان: "هل نصف المسلمين البلجيكيين أصوليون"؟ واستعانت فيه بدراسة أجراها "مركز برلين الاجتماعى للعلوم"، تبرز أن 70 فى المائة من المسلمين البلجيكيين يعتبرون الأحكام الدينية أكثر أهمية من القانون، وشمل الاستطلاع 1200 شخص، من أصول مغربية وتركية فى معظمهم، وكشف أن نصفهم يعتبرون أنفسهم أصوليين، وتم الوصول إلى هذه النتيجة عبر تأكيد ثلاث مسلمات: يتوجب على المسلمين العودة إلى جذور إيمانهم (66 فى المائة)، ولا توجد سوى قراءة واحدة للقرآن وكل مسلم يجب أن يلتزم بها (82,2 فى المائة)، الأحكام الدينية أكثر أهمية من القانون ( 69,6 فى المائة).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة